بغداد-علي عبدالامير على مقربة من "جسر الجمهورية" وفي مسافة لا تبتعد كثيراً عن مبنى القصر الجمهوري، أثار إنتباه العراقيين هذه الأيام ان تكون الساحة الصغيرة، ميداناً لتظاهرات يومية، ينظمها أفراد وجماعات، يطالبون بحقوقهم، في تلك الساحة المدورة التي تضم تماثيل نحاسية كبيرة لفتيات يحملن الجرار، إنتصب هذه الأيام سرادق، يقي المتظاهرين حرارة الشمس وعلى إمتداد الساحة، وجد الباعة المتجولون فرصتهم لبيع ما يرطّب الحناجر من كثرة الهتاف.
في كل يوم يتوافد على الساحة مئات الأشخاص رافعين اليافطات معلنين عن مطالبهم، فبعد أن كان فندق الميرديان بقرب"ساحة الفردوس" التي شهدت سقوط تمثال صدام، يستقبل يومياً مثل تلك التظاهرات، تحولّت ساحة الجمهورية القريبة من الجسر الجمهوري الذي يحمل الاسم نفسه ميداناً جديداً لتلك الأنشطة، التي كانت في السابق ، على الرغم من وجود الجنود الأمريكان، وإحاطة الساحة بالإسلاك الشائكة إلاّ أن أصوات المتظاهرين بإمكانها الوصول إلى آذان المدججين بالسلاح، الذين يطلبون من المترجمين تفسير المطاليب.
"ساحة الجمهورية" أصبحت اليوم وحسب وصف الكثير من العراقيين "هايد بارك" في بغداد، عن سر هذه التسمية التي أصبحت متداولة ، قال الصحفي مناضل التميمي " في نفوس العراقيين شعور تعمّق على مدى سنوات طويلة بأنهم محرومون من التظاهروالتعبير عن آرائهم ، فما كنا نشاهده في ساحة الفردوس إنتقل إلى هذه الساحة"، ويواصل التميمي حديثه قائلاً " لم يطلق أحداً تسمية الهايد بارك على الساحة ولكن وصفها أخذ هذا المعنى، فبعد سياسة مصادرة الرأي وحق التظاهر، وجد الكثيرون من العراقيين من ساحة الجمهورية ميداناً لطرح مطالبهم".
إرتفع صوت الشاب أحمد مجيد ليعلن وسط الساحة ان 35 عائلة مهددة بالتشرّد وطالب الجهات المسؤولة بإيجاد حل فوري للمشكلة. ولخّص الشاب مشكلة العوائل يقوله بأنها سكنت في" قاطع شرطة نجدة الثورة" وعددها (35) عائلة تضم (221) فرداً، موضحاً ان هؤلاء طلبت منهم السلطات إخلاء الدور، وانه جاء إلى هذه الساحة مع اعداد من افراد تلك العوائل لطرح وجهة نظرهم. ما أن إنتهى الشاب من قراءة بيان حتى سلمّه إلى أحد الجنود بنسختين عربية وإنكليزية، ثم ترك مكانه لموظف في وزارة الإعلام أعلن بإسم مئات من منتسبي الوزارة مطاليبهم بضرورة إعادة النظر بقرار إلغائها. الوقت المحدد للتظاهرة في تلك الساحة مرتبط بعوامل عدة، أهمّها وجود أعداد من الجنود الأمريكان في الشارع المقابل وهذا ما يتم عادةً في الصباح وكذلك وجود مترجمين معهم. أحد الباعة المتجولين أكّد أن الساحة تشهد يوميا وجود مئات الأشخاص يطالبون بأشياء كثيرة مثل الحصول على الرواتب، وتكثيف الخدمات ومنهم من يطلب إشياء شخصية، وذكرالبائع ان تجارته في بيع المرطبات شهدت إنتعاشاً واضحاً. التظاهرات لاتنتهي كما في " هايد بارك " لندن، فالرصاص اطلق قبل نحو اسبوعين على متظاهري الجيش العراقي، فقتل احدهم واصيب آخر . الأميركيون حاولوا تبرئة جانبهم حين قالوا ان متظاهرا من ضباط الجيش الذي تم حله حاول اطلاق النار على الجنود الذين يقفلون مدخل القصر الجمهوري، وهو ما نفاه زملاؤه مؤكدين انه بالكاد ضربهم بحجارة.
*نشرت في صحيفة "الرأي" الاردنية 2003 |