مقالات  



ادباء عراقيون ذبل شبابهم في فنادق بائسة

تاريخ النشر       20/10/2009 06:00 AM


ادباء عراقيون ذبل شبابهم في فنادق بائسة:
نبحث عن وطن بحجم سرير بارد

حين ينزل ادباء عرب في فنادق بغداد الفاخرة ضيوفا على وزارة الثقافة ، يكون ادباء عراقيون منزوين في فنادق بائسة يصفها الكاتب و الصحافي ناظم السعود عبر تحقيق نشره في مجلة " الزمن " الأسبوعية الصادرة في بغداد قيل ايام ،بكونها " زرائب بشرية ". ومع الموت المذل للكاتب والمترجم غانم محمود في احد هذه الفنادق قبل اشهر، شاعت حال من الرعب بين نزلاء " الفادق البائسة " من الأدباء العراقيين ، يلخصها احدهم ( الكاتب عبد اللطيف الراشد ) بقوله: " اعيش وحيدا منذ سنوات في " فندق الأردن" مع اللصوص والمشردين واليتامى وعابري السبيل وصباغي الأحذية وحشد من الأدباء المفلسين " .

  صورة خانقة يرسمها الراشد لسنواته الذابلة في الفندق " اسكن في مكان هو عبارة عن علبة نفايات ، وليس بوسع الساكن ان ينزع حذاءه في الليل لأنه سيسرق بلا ادنى ريب . اتوقع موتي بين ليلة واخرى ، لذا يطرق عامل الفندق الباب علينا مبكرا للتأكد من بقائنا احياء" .
 
  وبعد اشارة الراشد الجارحة " اننا ادباء احياء في ذمة الخلود" في وصف كآبات العيش في " فندق الأردن " ، يأتي الدور على زميله في المكان وفي الكتابة الشاعر سعدون محسن الخياط ليقول " انك ترقد بقرب اشخاص تكرههم ولاتعرف شيئا عنهم ، فالفندق شارع مقفر، وطن بحجم سرير بارد، وطن بحجم بطانية متهرئة، وطن بحجم طفولة منهكة ومنسية ومجهول يهمس بأذنك : تعال تعال ، اين؟ " .

 وعن الأفق الحياتي الذي يعيشه الشاعر الشاحب يقول الخياط " أتجول في بغداد من " الميدان " عابرا " شارع الرشيد" الى " شارع المتنبي" أرى آلاف الكتب الرخيصة الثمن فأعرف ان الأدب هو الشيء الوحيد الرخيص ، هو الذي ملأ عقولنا هما وغما وحساسية ، فالكتب بحجم الدموع " .

  ويصف الكاتب والشاعر احمد الثائر  زميله الشاعر عقيل علي  " طائر بدأ حجمه يتوارى في " فندق ألماس " ، وجدته وقد اضمحل حجمه حتى كأني ارى عظاما مستترة تحت قطع قماش تسمى ملابس ، هذا هو الشاعر عقيل علي الذي اشاد به شعراء عرب معروفون وطبعت كتبه خارج البلاد، فيما لم يجد من يطبع مخطوطاته داخلها ، فأصبحت قصائده نهبا لأصدقائه ممن يأويهم في غرفته " !!

الشاعر الراحل عقيل علي (كاميرا مقداد عبدالرضا)

   وعن المترجم والكاتب غانم محمود الذي تنكرت له الحياة ، وتنكرت له عائلته فأختار الإقامة في " فندق الأردن" يقول الثائر " رحل غانم محمود بين مخطوطات ترجمها واخرى لم تزل تنتظر ان يمر عليها قلمه ، وهو مقيم في غرفة ضيقة في فندق، وينتقل منها الى مكتبه في الشارع ، فبينما كان يفترش الرصيف بائعا الكتب ، كان يواصل عمله في الترجمة ، كان يعمل بصمت التماثيل وبقوة الأعصار حتى وفاته " .

  إثر وفاة غانم محمود تنبه اتحاد الأدباء في العراق ، كما يقول الراشد، الى ان البلاد خسرت اديبا، فرفع يافطة على سياجه ينعى فيها من ترجم عيون الأدب الألماني الى العربية ! وعن مسؤولية اتحاد الأدباء العراقيين المهني في انقاذ اعضائه " المحشورين في الزرائب البشرية " يضيف الراشد " على اتحاد الأدباء ان يبني لنا جناحا يأوينا ، وبه يحمي ماء وجهه من عار موتنا في هذه الفنادق ، ولأنه لم يفعل ذلك لذا اعلن عن رفضي قيام هذا الأتحاد بوضع لافتة النعي السوداء ، في حال موتي ، على واجهته لتلطيف خواطر الأصدقاء " . 
 
   في فندق بمنطقة " الحيدرخانة " قضى الشاعر كمال سبتي ( يقيم حاليا في هولندا) سنوات شبابه ، كتب خلالها اجمل قصائده وكذا  المخرج ناجي عبد الأمير الذي امضى عشرة اعوام من عمره ، و فيها تمكن  ابرز مخرجي الجيل الجديد في المسرح العراقي  من ترك بصمات واضحة على عروض مسرحية مثل " الخادمتان " و" ديزدمونة " و" الحريم " فيما كانت حياته تنوء برطوبة فندق رخيص ، اين منها حياته الأن في فنلندا بعد هجرته قبل سنوات ، وكذا سنوات صرفها من عمره الشاعر والناقد عبد الخالق كيطان  المهاجر الى استراليا ، والقاص زعيم الطائي المهاجر الى اميركا , والشاعر محمد تركي النصار المهاجر الى كندا .


*نشرت في صحيفة"الحياة" 



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM