الباب الشرقي: من الترفيه الراقي الى مدافع هاون وقتلة مأجورين

تاريخ النشر       28/12/2009 06:00 AM


بغداد - علي عبد الأمير      
من اغرم بعروض السينما البارزة في سبعينات القرن الفائت التي كانت تحرص على تقديمها دار "سينما النهضة" او من كان يجد متعة لا تضاهى في سلسلة افلام الفكاهي البريطاني نورمان وزدم فضلاً عن افلام عادل امام في "سينما الحمراء"، لا بد من انه حفظ ملامح منطقة "الباب الشرقي" تماماً حيث تختلط عروض الترفيه بالمطاعم، وبمركز بيع الملابس الرجالية المستعملة "اللنكات"، ودائماً تحت ظلال "نصب الحرية" الشهير الذي ابدعه النحات الراحل جواد سليم.
المكان ذاته تحول الى مجموعة من الأسواق المتفرعة من مرآب حافلات يحمل الركاب من مركز المدينة الى احياء الضواحي، فيما اختفت ملامح الترفيه الراقية: لم تعد هناك الا اكشاك بيع اسطوانات الفيديو المقرصنة، وتحول كازينـو "حديقة الأمة" الى ارض قاحلة توشك فيها اشجار يوكالبتوس على الجفاف وينام تحتها مشردون انهكتهم الكحول الرخيصة وانواع من المخدرات.
ابناء المدن البعيدة من العاصمة العراقية الذين كانت محلة "الباب الشرقي" تعني لديهم الملامح المدينية الحقيقية في بغداد، لن تختلف حال مدنهم عن حال مكانهم "المدهش"، فهو صار اسواقاً تنتج البضائع المتدنية الجودة والإحتيال والسرقة والإبتزاز: "سوق الحرامية" المتخصصة ببيع البضائع المسروقة وكان بدأ "نشاطه" بعد تحول السرقة "وسيلة لمكافحة الفقر المدقع" الذي اصاب العراقيين بعد فرض العقوبات الدولية وحرب الخليج الثانية 1991.
كما يوجد "سوق الألكترونيات" و"سوق مصلحي اجهزة التلفزيون والفيديو" و"سوق الأحذية" و"سوق الجينز" و"سوق اللنكات" الذي ورث آخر ملامح المكان القديمة. وبين هذه الأسواق يمكنك العثور على كل "ممنوع" في بلاد من النادر ان تجد فيها قيمة لرادع.
الباعة خرجوا بممنوعات استخدام الأرصفة، فمنحوا انفسهم حق استخدام الشارع بين "الباب الشرقي" و"ساحة الطيران". وعلى امتداد "بسطاتهم"، لن يفاجئ العابر بوجود اسلحة تتعدى الأستخدام الشخصي، فثمة بائع عرض مدفع هاون عيار 62 ملم والى جانبه آخر من عيار ثقيل بحسب الوصف العسكري 120 ملم، ولو سأله صاحب فضول: "ولكن من اين لي بقذائفه"؟ فسيجيبه البائع: "ستصلك الكمية التي تريد"!

الباب الشرقي: سوق فوضى وخروج على القانون
 
حيال وجود مدافع الهاون في معروضات البائع، يبدو وجود قاذفات "آر بي جي" ونواظير مدرعات ليلية واجهزة لاسلكي وطائفة عريضة من الاسلحة الخفيفة مشهداً عراقياً فولكلورياً، لا يلبث ان يتحول سوريالياً حين نعرف ان دوريات الشرطة لا تبتعد عن المكان غير خمسين متراً.
من هنا يمر "القتلة المأجورون" والسعر ما بين 100 و3000 دولار للعملية وفق اهمية الضحية وطبيعة العملية وظروف تنفيذها. وهؤلاء فقدوا القدرة على الظهور العلني بعد ان نفذت الشرطة قبل نحو شهرين عملية دهم واسعة لتجمعاتهم في منطقة البتاويين المحاذية لـ"الباب الشرقي". غير ان لدى باعة الأسلحة طرقهم في الوصول الى قاتل ينفذ تهديداً بات، يستخدمه عراقيون في عراكاتهم قائلين: "ثمن قتلك لا يكلف غير (ورقة)100 دولار".
المخدرات حاضرة في سوق بل اسواق "الباب الشرقي" وهي على انواع: منها ما يشم عبر انابيب الصمغ "السيكوتين" ومنها ايضاً الحبوب المخدرة وأخيراً دخلت المخدرات الأفغانية التي يروجها تجار ايرانيون (يعتمدون على تحريم الكحول) عبر وسطاء عراقيين.
تزوير الوثائق الرسمية الذي تخصصت به "سوق مريدي" في "مدينة الصدر"، وجد له فرعاً هنا، ولكل محتاج جنسية عراقية، بطاقة تموينية، جواز سفر، اجازة سوق عراقية او دولية، شهادات جامعية دنيا وعالية، ودائماً بكفالة تؤكد انها "اصلية وغير قابلة للتزوير".
صحيح ان المجتمع العراقي يعيش بحكم السيطرة الدينية الأصولية تحولاً الى الثقافة الإسلامية، الا ان اسطوانات الأحكام الشرعية والمراثي الشيعية تجد منافساً قوياً لها في "الباب الشرقي" الا وهو اسطوانات الأفلام الاباحية وبحسب "تصنيفات" تبدأ من "بلو 1" الى " بلو 3" وصولاً الى "الفيلم الثقافي".
سوق تختصر حال بغداد والبلاد بأكملها، سوق فوضى وخروج على القانون ومخاطر جدية تطرق ابواب المجتمع العراقي الآخذ الى عدم الإلتفات الى اي رادع.
 
* تقرير صحافي نشر في "الحياة"2004/10/30



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM