مقالات  



رقة الخريف التي لا تحتمل

تاريخ النشر       25/12/2009 06:00 AM


علي عبد الأمير عجام

الى: عبد الله صخي
مثلما كان انبثق في صحو بغداد الجميل، طل عليّ وانا على بوابة خريف جسدي. انبثق مكللا باللون الاصفر و"ذهب ايلول" في امتداد الغابات والافاق الخضر، مثلما انبثق من خريف "الوزيرية" المدهش بدفئه الغامض الحميم. هاهو سيد الإنتظار في خريف " سبرنغفيلد" الآسر الشجي كما امرأة عاشقة تنتظر حبيبها الجندي الأعزل في الحرب، لكنها تخرج الى الصباح بقلب مبتهج.
ربع قرن من الصخب والقسوة والنأي والنفي والهجرات لكن رقة كللت كتفيه. السنوات التي ابكت الامل في ثناياي، فاقمت وصوله الى رابية يغطيها العمر بحكمته، وبفجر هادىء وبسيط ليس بالضرورة مقرونا بالغياب .
فيه اليوم سيرة الأمل وان كانت محنية الظهر، مثلما فيه دروب آلام تبدأ من مكان نظر فيه بغضب الى راهن ابشع من ماض، ولاتنتهي في منعطف من حجر وزجاج يؤثثان وحشته في " كريستال سيتي"، حيث نافذته المطلة على غابة تحتضن بالفة عجيبة كنيسة ما انفكت تؤسره بضوء ازرق شفيف ترسله على اجنحة  من تراتيل عذارى ينشدن: قلبك الكسير يقلل وحشة هذا العالم .
 

من نافذة بيت عبد الله صخي في " كريستال سيتي" قرب واشنطن (كاميرا علي عبد الأمير)
في ظهيرة تحت سماء داعبتنا بغيوم تعرف كم من صحارى الهجرات مشينا، وكم من شموس تحجّر فيها صحو ايامنا، وكم مدينة اودعتنا خديعتها رغم اننا لم نملك غير صدق ارتعاشتنا وقلوبنا اللائبة من الخوف، في ظهيرة كانت خطواتنا فيها اخف على الرصيف من خطوات طائر حذر كسر جناحه فحط مرعوبا كأن الأرض صارت فخاخا لاتنتهي، بتلك الخطوات البطاء عبرنا تيجان الاشجار وقد انزلها الخريف ذهبا على الأرض، عبرنا الى مكان منفتح على غابة من ايامنا وقد احتضنت بألفة عجيبة كنيسة كآبتنا، فيما التراتيل كانت ترسلها فتيات ضحك القداح في اعناقهن ذات يوم ببغداد.
 

عبد الله صخي عند ضفة نهر بوتامك قرب واشنطن

تقف دمعة دائماعلى طرف قلبه، فيما عقله يزن بلدا،  صحيح ان الكدمات ارخت سدولها على ليله وصحيح انه ينظر الى يديه كلما فرغ من اخبار الفجيعة في عراقه خشية دم يلاحقه وان وصل قطب الله البعيد، وصحيح جدا ان قوارب من اللاجئين تحطمت على ضفة احلامه، الا انه صحيح ايضا ان فيه من بياض الصباحات قدر ما غطى الحزن افق البلاد بعباءات سود، وفيه من السعادة ما يملأ محيطات الأرض سفنا ومرافىء آمنة .
هنا بين ثناياه رقة خريف لاتحتمل، هنا بين ارجاء بيته الحميم استعدت نكهة كونتني، هنا كنت مطمئناعلى سيرة الألم والهجرات، على فكرة عنه كانت جديرة بان اعبر المحيط كي اصل اليه، هنا وصلت الى قلبه الكسير الذي يقلل وحشة العالم.


* نشر النص للمرة الاولى في موقع كيكا 2005



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM