مهرجان البحرين العاشر للموسيقى

تاريخ النشر       24/12/2009 06:00 AM



انغام تطلع من بيئتها لتمتد عربيا دون اغفال بعدها الانساني

المنامة – علي عبد الامير
شهد "مهرجان البحرين العاشر للموسيقى" 2001 سعيا حقيقيا في "تاكيد الدور الحيوي للموسيقى وتلبية رغبة الجمهور البحريني وتوقه للتعرف والاطلاع على الموسيقى الراقية والفن الرفيع" بحسب الوكيل المساعد للمجلس الوطني للثقافة والتراث د.عبد الله يتيم. وسعي الجمهور تمثل في انه احتفى اولا بالموروث البحريني واكد على امتداد المكان وثقافته مع افقه العربي والخليجي بمشاركة فرق من الاردن والكويت ومصر، وانه ايضا منفتح على تجارب اجنبية عبر عروض من الهند وتركيا والاتحاد الاوروبي .
وعبر تأكيده علامات رصينة في الموسيقى والاحتفاء بعروض مفارقة للسائد من النغم فان المهرجان يقف الى جانب تظاهرات فنية عربية تختفي بالنغم الرفيع، وبذلك فهو يتجه الى عمل وحيوية ولايكتفي بمجرد اعلان الياس من الواقع العربي الموسيقي .


مع الاكاديمي والباحث د عبد الله يتيم
 
ويوضح يتيم لـ "الحياة" ان "المهرجان يلتقي فيه المبدعون والفنانون من دول العالم، لينعشوا روح التنوع، ويضفوا الحيوية والغنى، ويقدموا فنا شتى، واساليب متنوعة من تقنيات العزف والاداء فيما يرى ان "المهرجان ومنذ انطلاقته الاولى عام 1992، قدم العديد من الموسيقين البحرينيين وعرفهم للجمهور، واتاح لهم فرصة الاحتكاك بموسيقيين محترفين، كما وثق خطواتهم الاولى نحو طريق الفن الاحترافي، من اجل تهيئة الفنان البحريني، وتجسيد التفاعل الفني والحضاري من خلال الاتصال مع عازفين عالميين" .
وتأمل البحرين من خلال تطور مهرجانها الموسيقي وتناميه الى ان يصبح "واحدا من اهم الانشطة الموسيقية على صعيد منطقة الخليج من حيث توفير المناخ الموسيقي الجاد".
وكان المهرجان وعبر دوراته السابقة ارس اسسا وتقاليد ثقافية رصينة، تمثلت في تكريم "ابناءالبحرين المبدعين" الذين كان لهم سبق الريادة في الموسيقى والغناء والثقافة الموسيقية، فكان قد كرم رواد الجيل الثاني للاغنية البحرينية: يوسف فوني، احمد خالد، علي خالد، وعبد الواحد عبدالله . كما كرم رائدا من رواد العمل الثقافي المتصل بالموسيقى في البحرين محمد حسن صنكور، والمؤلف الموسيقي البحريني مجيد مرهون واول مؤسس لمعهد موسيقي في البحرين جاسم العمران .
وتواصلا مع نهجه، كرم المهرجان في دورته لهذا العام الفنانين: احمد الجميري ابراهيم حبيب، ومحمد علي عبد الله .
 

المطرب احمد الجميري
 
انغام موروثة ومعاصرة
وقدمت "فرقة البحرين للموسيقى العربية" عرضا تضمن معزوفات واعمالا غنائية من الموروثين البحريني والعربي فضلا عن اشكال من الغناء العربي الحديث واكدت فيه مهارة في العزف (18 موسيقيا) والانشاد (14 منشدا ومنشدة) الى جانب مهارات العزف المنفرد فيصل الكوهجي على العود وحسين اسيري على القانون والغناء المتقن (حسن الحمد ونجمة عبد الله) .
وقاد الفرقة التي تأسست عام 1997 المايسترو احمد عبد اللطيف بدر وهو من الاسماء المصرية المعروفة في مجال الموسيقى العربية الجادة. ومن هنا جاءت اختياراته في عرض الفرقة، شاملة لاشكال الموسيقى العربية فهناك "اللونجا" و "المقطوعة الموسيقية" و "الموشح" و الموروث الغنائي البحريني والخليجي "عذبني المكحل" و "العود ليمن ترنم" و "ياناعم العود" كذلك الموروث الغنائي العربي "يامسافر وحدك"و"افرح ياقلبي"التي ادتها بصوتها الطليق نجمة عبد الله و "حسدوني" التي اداها بصوت مدرب وحميم حسين الحمد. كما حضر الغناء البحريني الحديث عبر اغنية "توه النهار" للمطرب المعروف احمد الجميري .
وكان اول ظهور لـ"فرقة البحرين للموسيقى العربية" في عرض حمل عنوان "تجليات شرقية" في عام 1997، لتستمر عروضها حتى اصبحت الفرقة الممثلة لدولة البحرين في المحافل المحلية والدولية .
وتامل الفرقة ان تتحول الى ورشة عمل دائبة، تختبر فيها قدرات العازفين والمغنين وفق اساليب سليمة في المعرفة والخبرة، ضمن هدف يجمع بين "اعادة صياغة اغاني التراث القديم وتقديم المواهب الواعدة في جميع المجالات الموسيقية العربية في خدمة حركة الثقافة والفنون في البحرين" .
وتميز عرض " اوركسترا المعهد الوطني الاردني للموسيقى" بقيادة المايسترو محمد عثمان صديق باكثر من ملمح لافت، اكان ذلك لجهة الاتقان في العزف فرديا وجماعيا ام في مقاربة اشكال موسيقية تمتد مابين الموروثين الاردني والبحريني وصولا الى شكل مبتكر مثله "كونشرتو الناي والاوركسترا" الذي كتبه صديّق وعزفه بحساسية العازف الحاذق وخبرة المتمرس، حسن الفقير .
وفي العرض الموسيقي ذاته، رقّ صوت المطربة الاردنية قمر بدوان (الجائزة الذهبية لمهرجان الاغنية في القاهرة 2000) وظهر اداؤها صافيا وهي تغني من الموروث الاردني "ياموالف الدار" لتوفيق النمري، مثلما ظهرت متمكنة من غناء القصيدة كما في "عد لي" التي لحنها وائل الشرقاوي .

بدوان تغني مع اوركسترا بقيادة محمد عثمان صديق
 
وجالت بدوان بين الوان الغناء العربي، فغنت "اسال علي" وايقظت نغما ايقاعيا بين صفوف الجمهور حين غنت من فيروز لحنا كان ابدعه زياد الرحباني "عودك رنان"، لتطوف لاحقا مع رقة صوت شادية وتعطى لاغنية "وحياة عينيك" رقة مضافة .
تقديم الالوان الغنائية والموسيقية الشعبية هو ما اندرجت فيه "الفرقة الوطنية الكويتية للموسيقى" بقيادة احمد حمدان الحربي، غير انها ادارت ظهرها لموروث لحني كويتي وخليجي لتختارعددا من الاغنيات الكويتية المعاصرة، ومثل هذا الجانب (العناية بالموروث) التفتت اليه "فرقة محمد بن فارس" البحرينية حين عنت في عرضها بتقديم "فن الصوت" وبحسب اداء احد رموز هذا الفن الغنائي المعروف بحرينيا وخليجيا محمد بن فارس . وادت الفرقة الوانا مختلفة من الفنون التراثية وهي "الصوت" و "البسته" و "الخماري" وغيرها من الاغاني االشعبية .
صورة منيرة المهدية وسيد درويش
وضمن هذا المدار الذي يعنى بالموروث النغمي والموسيقى جاء عرض "فرقة طرب زمان" الذي قدمه عدد من المطربين والمطربات واستعاد صورة الاغنيات الشعبية السائدة في مصر خلال العشرينات والثلاثينات من القرن الغائب . ويحرص العرض الذي تشرف عليه الدكتورة رتيبة الحفني وتعمل على تقديمه في دورات مهرجان الموسيقى العربية في القاهرة، على استعادة لا اسلوب الاداء الغنائي لمنيرة المهدية وصالح عبد الحي وسيد درويش ومحمد عبد الوهاب وام كلثوم وحسب، وانما استعادة حتى الشكل المناسب لظهور المطربين والمطربات ولوازمهم في الاداء في استعراض لايخلو من اشكال المسرح الغنائي .
السورية ايمان باقي ادت بطريقة مسرحية اغنيات لمنيرة المهدية ورتيبة احمد، فيما ادى باتقان المطرب محسن فاروق اغنيات وادوار سيد درويش، وبرع اشرف العزب في استعادة صورة صالح عبد الحي في اغنيات من بينها "ليه يابنفسج" واستعادت ريهام عبد الكريم صورة ام كلثوم في بداياتها، والامر ذاته تولاه وائل سامي في ادائه اغنيات من محمد عبد الوهاب .
وبعيدا عن الموروث البحريني والعربي جاء عرض "فرقة البحرين للفلامنكو" وفيه اقتراح اربعة شبان على الغيتار وبرفقة ضارب خبير على الايقاعات اللاتينية "مدخلا بحرينيا" لموسيقى الفلامنكو. وتاكيدا لسعي محمد خليل محمد وصالح عيسى وعادل ادهم وعيسى خليل في الاتصال بموسيقى الفلامنكو، فانهم لم يتوقفوا عن عزف لامع في بعض نغماته كما في عزف محمد خليل محمد وانما ذهبوا عميقا الى كتابة اعمال خاصة بهم تحايث مقطوعات اصلية كالتي كتبها باكوبينا وباكودي لوثيا اللذان عزفت لهم الفرقة اثنين من ابرز اعمالهما "رومبا" و "زرياب" .
 

فلامنكو بحريني
 
وفي حين جاءت معرفة العازفين الاربعة على الغيتار الكلاسيكي (الهوائي) عبر تعلم العزف من بعض الاصدقاء ومن خلال شرائط فيديو تعليمية الا ان للفرقة حضورها وجمهورها من بين متذوقي الموسيقى في البحرين، ومقترحهم الشخصي لموسيقى الفلامنكو سيكون اعلى شانا لو توفرت لهم فرضة الاقتراب من ينابيع هذا الشكل الموسيقي ومصادره الاصلية .
وجاء عرضا عازف العود التركي تاندوجان باشكوب وعازف (البامبوفلوت) الهندي جاجديش براساد فارمان، على درجة من الرتابة واحادية الصوت، فلا عازف العود باشكورت عرف بملامح المدرسة التركية في العود ولا فارمان قدم غير المعروف عن النغم الهندي الخفيض .
وتوفرت لجمهور المهرجان الاستماع لمنتخبات من الموسيقى "الكلاسيكية" الغربية عبر حفل لـ لاوركسترا الاتحاد الاوروبي لموسيقى الصالة... وان كان الحفل بدا مع اولى الضربات التي تعرضت لها افغانستان، حين سرب احدهم خبر الضربات الى الجمهور لتسري همهمات بين الحضور ليبدو الجميع وكان جمرا تحتهم .
وبالصدفة جاءت سيمفونية باخ العميقة الرؤى المتوثبة في انغامها العاصفة (الحركة الاولى منها تحديدا) باكثر من مؤشر للالم، جاءت مع الصور التي تتركها في الذهن الضربات الجوية الاميركية.
تنفس الجمهور الصعداء مع نهاية السيمفونية بحركاتها الاربع وتصاعد الحديث عن اتجاه الضربات الاميركية، ليغادر قليلون القاعة فيما كان المشهد مشوشا مع بدء الاوركسترا في عزف "كونشرتو الكمان والاوركسترا" للمؤلف موتسارت غير ان البراعة التي كانت عليها عازفة الكمان المنفرد اليزابيث ويبر جعلت الجمهور يخرج من اضطرابه ليعد مجددا الى الموسيقى، ولتتالق العازفة في اكتشاف المكنونات الحية لموسيقى موتسارت وتقدمها سلامة وعذوبة وفصاحة نادرة .

أوركسترا الاتحاد الاوروبي واداء متقن بمشاركة عازفين بحرينيين

وكان حضور موسيقيين بحرينيين في عرض اوركسترا الاتحاد الاوروبي، له لمسته المؤثرة في شد الجمهور الى متابعة الحدث الموسيقي رغم اندلاع حدث اخر اكثر اثارة، هو حدث بدء الغارات الاميركية على افغانستان فكان ان اشتراك العازفان احمد الغانم (فلوت) ومحمد خليل (غيتار) الاوركسترا في تقديم "كونشرتو الفلوت والغيتار والاوركسترا" للمؤلف فيفالدي، بينما كانت المشاركة البحرينية الاكثر تميزاعبرمقطوعة عزفتها الاوركسترا كتبها المؤلف الموسيقي عصام الجودر وحملت عنوان "رحابة الحزن" وجاءت مقطوعة مكتوبة بتمكن ضمن شكل الكتابة للاوركسترا السيمفوني، ولم يفقدها شكلها (الغربي) روحيتها التي جاءت شرقية حميمة قريبة من ايقاع بيئتها وملامح اهلها .
 
* متابعة نقدية نشرت في صحيفة "الحياة" تشرين الاول 2001 والصور (عدا الاولى) بكاميرتي


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM