علي عبد الأمير ماذا وراء فتح مخازن وزارة التجارة المليئة بالمواد والسلع والبضائع امام المواطنين, وعرضها للبيع بناء على توجيهات ( القائد الضرورة ) في هذا الوقت بالذات؟ ما هو الهدف الحقيقي من تفريغ ( الخزين الستراتيجي ) الذي كان يفخر به صدّام؟ للاجابة على التساؤلين المشروعين, لا بد من زيارة جناح وزارة التجارة في معرض بغداد الدولي, وسوقي جميلة والشورجة ومقرات الجمعيات الحكومية المنتشرة في انحاء عديدة من العاصمة, والاطلاع على حركة البيع فيها ونوعيات البضاعة المعروضة, فقد اكتشف المواطنون الذين سارعوا الى جناح الوزارة والاسواق والجمعيات, ان المواد والسلع المعروضة للبيع وبأسعار تقل عن عشرين أو ثلاثين في المئة عن أسعار السوق السائدة, هي مواد تالفة وملوثة ولا تصلح للاستخدام البشري. فالرز ... مثلا, ذو رائحة عفنة من جرّاء خزنه لعدة سنوات, ومادة العدس مليء بالحصى والتراب, ومعجون الطماطم فاسد, واستخدامه يؤدي الى تسمم والتهابات معوية, وقد حذرت المصادر الطبية العراقية من مغبة تناول هذه المواد والاطعمة, لأنها مضرة وخطيرة على الصحة واستخدامها يؤدي الى الاصابة بأمراض تسمم، وفي هذا الصدد, يتناقل المواطنون انباء نقل اعداد من الاطفال والشيوخ خاصة الى المستشفيات بعد تناولهم المواد والاطعمة التي باعتها الحكومة, ضمن حملتها التي تزعم انها لتوفير الغذاء وضرب الاحتكار والحصار. وحسب معلومات اتحاد الغرف التجارية العراقية, فان المواد والسلع الغذائية التي طرحتها وزارة التجارة للبيع المباشر, كانت مخزونة في اماكن غير صحية منذ صيف 1991, عندما بادرت الحكومة الى تخزين كميات كبيرة من هذه المواد, تحسبا لتطورات سياسية كانت متوقعة.
وقد أدت الفترة الطويلة لعملية الخزن الى تلفها وتلويثها وبالتالي اصبحت غير صالحة للاستخدام, ولم تجد حكومة صدّام من وسيلة للتخلص منها غير طرحها للبيع الى المواطنين وبأسعار تقل عن اسعارها في السوق بنسبة بسيطة, وبهذه العملية فقد تخلصت من هذه المواد التالفة والملوثة, وحصلت على مبالغ عالية جراء بيعها, فجناح وزارة التجارة باع لوحده وخلال اسبوع واحد من هذه المواد بقيمة تسعة مليارات دينار, كما اعترف بذلك وزير التجارة محمد مهدي صالح في تصريحات نقلتها الصحف المحلية, نهاية الاسبوع الماضي. ومثلما خدعت الحكومة, المواطنين, بالمواد والسلع الغذائية التالفة والملوثة لجأت الى خدعة اخرى بشأن قيمة الدولار مقابل الدينار العراقي, فقد صدرت صحيفة "الجمهورية" الناطقة باسم الحكومة العراقية, صباح الاربعاء 31/1/1996 وعلى صدر صفحتها الاولى عنوان كبير وباللون الاحمر يقول:"أمريكا تلغي فئة المئة دولار" وذكرت الصحيفة في نبأ "خاص" بها, انها علمت بأن حكومة الولايات المتحدة الامريكية قد بدأت او ستبدأ قريبا بتوزيع ورقة جديدة من فئة مئة دولار, لتحل محل الورقة الحالية المتداولة بسبب عمليات التزوير التي لحقت بالاخيرة على نطاق واسع في العالم.
وقد تسبب الخبر الصحفي في اشاعة اجواء القلق في الاوساط التجارية والمصرفية العراقية, خاصة وان صحيفة ( الجمهورية ) تصدر عن وزارة الثقافة والاعلام وتعتبر الناطقة الرسمية باسم الحكومة العراقية. وأدى نشر الخبر الى تدفق المواطنين الذين يحملون مبالغ قليلة من الدولار على المصارف الحكومية بعد ان امرت الاجهزة الامنية مكاتب وشركات الصيرفة الاهلية بالامتناع عن شراء الدولار, وخصصت ضابطين من الامن الاقتصادي في كل محل او شركة للصرافة الاهلية. ويقول عضو في غرفة تجارة بغداد, ان البنك المركزي العراقي اصدر تعليماته الى المصارف الحكومية بشراء الدولار بأقل الاسعار, بعد ان علم بأن خبر صحيفة الجمهورية ابتلعه عدد من التجار ورجال الاعمال السذج والمواطنين البسطاء, وانتظر المواطنون والاوساط الاقتصادية والتجارية والمالية, نفيا من الدوائر الامريكية لنبأ الصحيفة الحكومية, ولكن الذي حدث ان الجهات الامريكية تجاهلت النبأ تماما ولم تعره اي اهتمام, رغم ان نشر مثل هذه الانباء التي لا تستند الى المصداقية, عملية غير اخلاقية وتسيء الى عملات الدول واقتصادها.
وبعد يومين من نشر الخبر الكاذب, فاخر صلاح المختار, رئيس تحرير الصحيفة الحكومية بأن الفضل في خفض قيمة الدولار, يعود اليه والى صحيفته وقال لعدد من مسؤولي المصارف الاهلية الذين احتجوا على نشر الخبر المختلق لا يهم ان كان الخبر كاذبا او مختلقا "المهم اننا نجحنا في الحاق لطمة لأمريكا وعملتها".
* نشرت في صحيفة "بغداد" المعارضة لنظام صدام 9 شباط 1996
|