الاجيال الجديدة في بلاد الحصار الاقتصادي والعزلة السياسية 1991-2003 (11)

تاريخ النشر       04/12/2009 06:00 AM


لغة ومشاهد صنعتها سنوات الضيم في العراق
"القفّاصة" و"النكرية" يتربصون بالمواطن لبيعه الأوهام

 
عمّان- علي عبد الأمير
الاسواق المكتظة بالناس في بغداد، مناطق مفضلة لدى النصابين والمحتالين " القفّاصة " وممن يمارسون انواعاً من  الغش والضحك على الذقون" التقفيص" من اجل كسب الرزق (…)، وهم متوزعون مابين الأسواق الشعبية :  " الشورجة " ، " النهضة " ، " سوق مريدي " و" الباب الشرقي " . وعلى المواطن الداخل هذه الأسواق ان يكون حذراً جداً لانه قد تشتري "كيس نفايات" على انه سترة جلدية او قطعة قماش قديمة على انها قميص، او علبا مملوءة بزيت المحركات المستخدم على ان زيت الطعام المستورد وبالغ النقاء . وبما ان اهل بغداد اكتووا من ممارسات " القفّاصة " الذين بدأوا نشاطهم الإحتيالي منذ سنوات الضيم الأولى التي اعقبت الحربين وبدأ تأثيرات الحصار الكارثية ، فقد اصبح الوافدون من المحافظات الى العاصمة العراقية  اغلب ضحايا "التقفيص". هذه المشاهد تتكرر يومياً وسط " تنسيق " مابين النصابين وافراد دوريات الشرطة في المنطقة . واذا كانت مفردة " القفاصة" احدة المفردات التي ابتكرتها سنوات الضيم في العراق ، فان " التنسيق " مع الأجهزة الحكومية لغض النظر عن المخالفات ، له تسميات عدة من ابرزها : " التوريق " ومعناها " عد اوراق النقود  وتسليمها للموظف او الشرطي او الضابط " ومفردة " إدهن السير " أي جهل الطريق مدهونا بشيء يخفف الموانع ، وهو المال بالطبع . وتسمية الشخص الواقع عليه الإحتيال " مضروب بوري " أي ان انبوبا طويلا دخل فيه ، في اشارة الى فداحة خسارته .
 
وتنقل صحيفة " الإتحاد " الإسبوعية الصادرة في بغداد ( السبت 21-9-2002) عن  المواطن ابراهيم نعيم من محافظة الكوت ( واسط) معاناته من محترفي الإحتيال  فيقول: " وقعت بشباك الغش والاحتيال حيث كنت احمل صندوقا  كبيرا يحتوي على مواد وحاجيات مختلفة وغير واضحة، ففاجأني رجل كبير السن يتكئ على عكازة ومعه سيدة وقال لي ارجو ان تحجز لنا مقعدين في السيارة لانني معوق وزوجتي لاتستطيع ان تتدافع مع الرجال للحصول على مكان في السيارة ، فتركت معه صندوق اغراضي وبدافع الشفقة والرأفة  صعدت الى السيارة وبعد ان حجزت لهم مقعدين عدت لانادي عليهما للصعود الى السيارة فلم اجدهما ولم اجد الصندوق بالطبع ، ولا ادري كيف عرفوا بالبضاعة الثمينة في الصندوق".
المواطن علي اسماعيل من (قلعة سكر) في محافظة  الناصرية (ذي قار) احد الذين تعرضوا الى عملية "تقفيص" و يقول "في احدى زياراتي لبغداد كنت اقصد "سوق الشورجة" للتبضع وقد لفت انتباهي شابان كانا يقتفيان اثري حتى لحقا بي وطلب احدهما الحديث معي فسألني عن سعر الذهب بدعوى أن لديه كمية من الذهب وينوي بيعها لرفيقه (الاردني) وهو لايعرف سعر الذهب وكان صاحبه يتحدث باللهجة (الشامية) فعلاً فطلبت منه ان يريني المصوغات وعندما شاهدتها سألت عن ثمنها فقال لي اذا كنت تريدها فأبيعها لك بسعر اقل من سعر (الاردني) وفعلاً اشتريت الذهب والذي تبين في ما بعد انه فافون( المنيوم مطلي بلون ذهبي ) وهكذا وقعت ضحية الاحتيال".
وضحايا " التقفيص " ليس بالضرورة ان يكونوا من ابناء المحافظات غير المعتادين مهارات الإحتيال في بغداد ، بل هناك ضحايا من بين " اهل السوق" كما في حال  ضياء توفيق ،صاحب محل في " سوق الشورجة"الذي وقع ضحية احتيال . يقول توفيق : " جاءني اثنان من زبائني الدائميين يتبعهم رجل ثالث لامعرفة لي به ،ودعوتهم الى الجلوس وشرب الشاي وكان الثالث معهم يشترك بالحديث عن السوق والبضائع بشكل اعتقدت انه معهم ، واشترى زبائني  بضائع بمبلغ اربعمائة  الف دينار ثم دفعوا لي المبلغ وتركوا البضاعة على ان يعودوا  ثانية لاخذها. وبعد مرور نصف ساعة عاد (صاحبنا) الثالث وقال لي ان الجماعة ارسلوه لاخذ البضاعة وفعلاً اعطيت له البضاعة وبعد مرور ساعة عاد زبائني يطلبون مني البضاعة فاخبرتهم انها بيد زميلهم الذين تبين انه "لابالعير ولا بالنفير" وانما وهو "قفّاص" استخدم اسلوباً جديداً في الإحتيال".
فاروق الزيدي يؤكد  ان بحث الناس عن بضائع رخيصة تتناسب ومداخيلهم المتدنية يوقعهم ضحايا عمليات النصب والإحتيال ، فاسعار البضائع لدى " القفّاصة " اقل مما هي عند المحلات الموثوق بها . ويروي الزيدي  قصته قائلاً: كنت في احدى المرات قد اشتريت كمية من سمن الطعام  في علب معدنية تحمل الماركة التجارية الشهيرة وكان سعر  السمن  السائد في السوق مرتفعا واشتريت كمية من تلك العلب  بعد ان فحصت واحدة كعينة، وبحضور عدد من المنافسين حصلت على تلك الكمية بعد ان دفعت اكثر من سعرهم ومن ثم حملت البضاعة وقمت ببيعها في منطقة سكناي في محافظة الناصرية (ذي قار) ثم جاءني الذين اشتروا عبوات السمن يطالبونني بارجاع المبالغ اذ تبين ان العبوات مملوءة بالجص والبورك( مواد تستخدم في البناء) وخسرت جراء ذلك كل رأس المال الذي اعمل به، وعدت الى الشورجة ابحث عن "القفّاص" فقضيت  مدة،  اراقب المكان الا انني لم اعثر على شيء".
مدرسة " النكرية "في الباب الشرقي
في منطقة"الباب الشرقي" وسط بغداد يشيع  لعمليات النصب والاحتيال اسم شهرة متطور الا وهو "النكرية" وكل يوم يتعرض الكثير الى عمليات "النكر" او " النقر" أي سرقة المواطن بسرعة ورشاقة على طريقة " نقرات الطائر". وهؤلاء متوزعون  في سوق "البالات" ( الملابس المستخدمة) او محلات بيع وتصليح الاجهزة الكهربائية او "حديقة الامة".
 

ليس بعيدا عن مأثرة جواد سليم(نصب الحرية): حيث تنشأ لغة التراجع القيمي

(ع.ع) يعمل في سوق الباب الشرقي يحدد اساليب تشخيص " النكرية " قائلا :" نحن نعرف هؤلاء النكرية من اشكالهم ونشاهدهم حين يقومون بعمليات النصب والاحتيال ولكننا لانستطيع منعهم لانهم شريرون وقد يضربونك بموس ( شفرة حلاقة ) او اكثر لذا فنحن نتحاشى هؤلاء المجرمين، واغلبهم يقيمون في "حديقة الامة"، وهم من المدمنين ومستنشقي "الثنر"( مادة طيارة تستخدم في تخفيف الأصباغ ، تستخدم كنوع  من المخدرات)  ويعيشون على الاستجداء و"النكر" واذا مر شخص يحمل كيساً في الاوقات التي يكون فيها الشارع خالياً يتعرضون له ويسرقونه عنوة وفيهم المتخصصون ببيع الساعات والمسجلات بطريقة الغش وتعتمد على رؤية البضاعة والاتفاق على السعر ومن ثم استبدالها ببضاعة مغشوشة وان اكتشف احد الضحايا ذلك قد يتعرض الى القتل لانهم يعملون على هيئة (عصابات) ومنهم من يبيع العظام على انه (عرق السواحل الجالب للحظ) ومنهم من يعرض (الحصى) على انه (خرزللسعد).
 

سوق الحرامية في الباب الشرقي: اكاديمية "النكرية" و"القفاصة"
"نكرية" في باصات الركاب
روى احد  الصحفيين العراقيين انه كان الباص (62) والمنطلق من "ساحة النصر" الى "الكاظمية" في بغداد " وقفت قرب الباب الخلفي للباص وشاهدت احدهم يمد يده في جيب احد كبار السن ويأخذ نقوده، وعندما لاحظ اني اراقبه، حاول تدارك الأمر معي عبر اشارة  فهمت من خلالها انهم ثلاثة واذا نطقت بكلمة فأنهم سيقطعون يدي وامرني بالصعود الى الطابق العلوي فنفذت امره ولم اجرؤ على ان اخبر الرجل الضحية. وبعد أن نزل "النكرية" في "باب المعظم "اخبرت الجابي( قاطع التذاكر) بالذي حدث فتبين انه يعرفهم ولايستطيع منعهم مكتفيا بكلمة " كول على "( مفردة تدعو الى التغاضي والنسيان)، و" النكرية" على مايبدو زبائن دائميين على خط باص الركاب هذا ".

 
*نشرت بملحق "شباب" في "الحياة" 2002


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM