مجتمع (سوق النفايات) في بغداد 2001

تاريخ النشر       04/12/2009 06:00 AM


مجتمع "سوق النفايات" في بغداد:
مصادر رزق يتفنن شبان بالعثور عليها بين تلال المهملات

عمّان- علي عبد الأمير
يسمع العراقيون كما باقي الناس في اصقاع الأرض ان هناك " نفايات نووية " تنتقل من بلد الى آخر لطمرها ، ولتكون تلك النفايات بابا لصفقات وعقود ضخمة، غير انهم ماتوقعوا ان تكون نفاياتهم المنزلية مصدر صفقات بين سائقي شاحنات جمع النفايات التابعة الى " امانة بغداد" وبين مجموعات من الشباب والفتيان الباحثين عن مصدر للرزق حتى وإن كان بين تلال النفايات.
 المكان هو في (خان بني سعد) بين بغداد ومحافظة بعقوبة، حيث تنقل نفايات احياء العاصمة العراقية لطمرها، وماان تصل شاحنة نقل النفايات يبدأ السائق ومن معه بمساومة الشباب،  فلكل نفاية سعر، والشاحنة القادمة من المنصور( احد ارقى احياء بغداد) بسعر يختلف عن سعر الشاحنة الحاملة نفايات مدينة الشعب، وسعر الشاحنة القادمة من احد الأحياء الصناعية يظل الأعلى بين لائحة النفايات.

نفايات في حي ببغداد تتحول "تجارة" الباحثين عن الرزق
 
صحيفة " الزمن" الإسبوعية الصادرة في بغداد تابعت ملف "مجتمع سوق النفايات" لافتة "بعد ان سمعنا ان سيارات امانة بغداد التي يكتب عليها(حافظ على نظافة مدينتك) تقوم ببيع النفايات التي تجمعها ..قمنا بمتابعتها لمعرفة حقيقة هذا الامر ولنكذب الخبر الذي تعاف النفس تصديقه ولدى وصولنا الى المنطقة التي يتم بيع النفايات فيها الواقعة على طريق (خان بني سعد)القديم انتابنا احساس بالالم المر اذ من يصدق ان امانة بغداد التي تريد ان تحافظ على نظافة المدينة ترمي نفاياتها على ابواب مدينة اخرى ، وكأن الاخيرة ليست من البلد ".
 للسخرية يسمي سائقو سيارات الأجرة مكان طمر النفايات التي لاتطمر وتظل معرضة للتنقيب والنبش، "حديقة الزهور" بسبب تناثر اكياس النايلون الملونة (الاحمر والاصفروالأزرق والوردي وغيرها من الألوان) لتبدو تلال النفايات من بعيد  لوحة ملونة تختلط فيها  خطوط المدارس الواقعية  بالسوريالية.
وتفيد الصحيفة " لقطع الشك باليقين التقينا باحد"تجار هذا السوق " ولم نعرف من اسمه سوى (علاوي) وسألناه :هل صحيح انكم تشترون نفايات المنازل من سيارات امانة بغداد؟ اجاب نعم ، وعن طريقة الشراء، قال:عندما تاتي سيارات النفايات نعرض على سائقها سعرا وعند الاتفاق معه يقوم بتفريغ الحمولة .ونحدد سعر حمولة السيارة بحسب المكان القادمة منه،  فالحمولة التي تصل لنا من منطقة راقية او صناعية يكون سعرها غاليا مثلا ان سعر الحمولة التي تصل من منطقة المنصور او اية منطقة راقية يبلغ سعرها من 7 الى 15 الف دينار او اكثر اما التي تصل من المناطق الصناعية فيصل سعرها احيانا الى 20 الف دينار ".
ويوضح " تاجر النفايات" اساليب معرفة كيف يتعرف الى ان هذه السيارة قادمة من من المنصور؟ وتلك من الحارثية او هذه من منصقة "جميلة الصناعية" فيقول "اولا الخبرة بالنظر ثم خبرة حاسة الشم ثم باب السيارة الذي عادة ما يكتب عليه اسم البلدية والمركز البلدي ، واحيانا.ما يصرح به السائق ،فالثقة موجودة بيننا واقولها بصراحة ان سائق الحمولة لا يستطيع ان يخدعنا لاننا لن نشتري منه في المستقبل ".
المكان يعج بالفتيان الذين يقومون بعزل النفايات .(طارق) الذي لم يتجاوز عمره العشر سنوات تقريبا ،يقوم بعزل الصفائح وقناني العطور وعلب الكارتون والخبز كل حسب  نوعه لان "كل سلعة تباع بسعرخاص" .
وعند سؤاله لمن تبيعون ، يجيب "يأتي الكثير من التجار الى هنا منهم من يشتري قناني العطور ويبلغ بسعر القنينة التي تحمل ماركة عالمية معروفة حوالي 500 دينار او الف ويأتي من يشتري الصفائح الخاصة بدهن الطعام التي تتحول الى مدافئ كهربائية ومحافظ واشياء اخرى.والخبز  يشتريه؟اصحاب المعالف الذين يحولونه علفا للحيوانات. والنايلون والبلاستك يشتريه اصحاب  معامل النايلون  التي تقوم باعادة انتاج هذه الاكياس بعد ان يضاف  لها لون داكن لإخفاء ملامح استخدامها والأوساخ العالقة بها.والزجاج المهشم نجمعه ويأتي من يشتريه منا على اساس الوزن والنوعية فـ (الستاندر) بسعر والمعاد(اعيد صنعه) بسعر اقل وهذا الاخر فنبيعه الى اصحاب معامل الزجاج الاهلية لاعادة تصنيعه كأوان واقداح واكواب ".
المنقبون من الشباب والفتيان يروون حكايات عن حسن الطالع وإن كانت تلال النفايات مصدره ، وهو ماحصل لماجد الذي يقول:اشتريت حمولة انا وزميل لي وبعد تفريغها اجرينا عملية العزل لتصنيف ما هو مفيد وعند فتح احد الاكياس وجدنا بعض قطع الخبز مغلفة بـصحيفة وعند اخراج الخبز سقط خاتم من ذهب ولم اصدق ولكن بعد تنظيفه بعته بـ 120 الف دينار ولم اعد الى العمل الا بعد مرور شهر تقريبا".
و" مجتمع سوق النفايات" يحاول ان يتكامل في دورته ، فثمة اكواخ للإستراحة والمبيت وطهي الطعام على الرغم من ان " حديقة الزهور" تصدر روائح نتنة يبدو ان من اعتادها لايستطيع تمييز عفونتها. وثمة مقهى صغير تنبعث منه اصوات الأغنيات الراقصة في النهار، والأغنيات العراقية الحزينة في الليل حين يهجع المنقبون على امل النهوض فجرا والبدء ثانية برحلة البحث عن مصدر رزق يبدو تائها بين تلال النفايات.
*نشرت في "الحياة" 2001


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM