"غرباء" في الكليات العراقية : ضباط وحزبيون وتجار جدد يبحثون عن مغامرة في الحرم الجامعي عمّان –علي عبد الأمير
انه "وباء منتشر في الكليات " وهو " اعتداء على الحرم الجامعي " ، هكذا تعرض طالبات جامعيات عراقيات ظاهرة دخول " الغرباء " الى الكليات في بغداد والمحافظات ، في قصد لايحتاج الكثير من الجهد لكنه اسراره ، انه استعراض معالم الرجولة في مكان يشهد اكبر تجمع للنساء الأنيقات والجميلات في مكان عام . و" غرباء " الجامعات العراقية هم على الأغلب ، ضباط في الجيش والأمن ، ومسؤولون حزبيون ، لايمكن ايقاف نفوذهم لاسيما ان سيلا من الحجج و" المهام الرسمية" يمكنهم تقديمه في حال تعرضهم للسؤال عن سبب دخولهم " الحرم الجامعي " الذي لم يعد كذلك منذ ان شهدت الجامعات العراقية ، حملات اعتقال وتحقيقات سياسية لم يتردد ضباط الأمن في العراق على تنفيذها داخل الجامعات ودائما تحت غطاء المنظمة الطالبية " الإتحاد الوطني لطلبة العراق " ، واضيف لأصحاب النفوذ الرسمي ، نوع آخر ، يمثله التجار الجدد الذين ظهروا خلال الحرب والحصار ، ومعظمهم اضفى على نفوذه المالي ، نفوذا رسميا ، فهم اما يمت بقرابة لمسؤول او انه " ينسق" معه، ويتمتع بحمايته. وعن انتهاك " الحرم الجامعي " تفيد صحيفة " نبض الشباب " الإسبوعية الصادرة في بغداد "كلنا يعلم ان لكل بيت (حرمة) يجب ان تصان وتحترم من قبل الاخرين، ولايجوز لاي احد منا دخول اي بيت كان ان لم يكن منتميا له، اذ يعدّ غريبا، وتعد فعلته هذه انتهاكا صارخا وتجاوزا سافرا للاعراف والتقاليد الاجتماعية ،والجامعة .. هي مدرسة كبيرة تحتضن سنويا الاف الطلبة كي يتلقون العلم والمعرفة تحت سقوف كليات متعددة الاختصاصات لذلك فان مسألة دخول (الغرباء) الى الحرم الجامعي تعد قضية مهمة بل وبمنتهى الخطورة لما فيها من مفردات سلبية ترمي بظلالها على سير العملية التربوية برمتها".
في مجمع كليات "باب المعظم" التابع لجامعة بغداد يروي الطلبة بغصة تفاصيل دخول "الغرباء" فيقول عماد محمد من كلية التربية "دخول الغرباء الى الوسط الجامعي ظاهرة يجب اجتثاثها والقضاء عليها نظرا لما يسببه اولئك الغرباء من فوضى داخل الكلية ،وهناك من يدخل مع الطلبة عند بداية الدوام ويظل حتى نهايته يتجول في المجمع براحته من اجل قضاء وقت فراغه".
مبنى رئاسة جامعة بغداد
"غرباء متنكرون" واذا كان التزام الطلبة في الجامعات بالزي الموحد جعلهم مميزين عن غيرهم ، فان "الغرباء"وجدوا في الأمر وسيلة لتسهيل حركتهم في الجامعات ، وعن هذا يقول الطالب فهمي نجم " كنا نتوقع ان تطبيق نظام الزي الموحد سيقف عائقا في طريق الغرباء الا ان ذلك لم يتحقق ، فهناك الكثير من غير الطلبة يلبسون الزي الموحد بل ان الغرباء الذين اعتادوا على ارتياد المجمع اصبحوا يتنكرون بهذا الزي لغرض تسهيل مهمة دخولهم من باب المجمع الرئيسي، وبات التعرف عليهم من قبل موظفي الاستعلامات ليس سهلا نظرا لاعداد الطلبة الكبيرة ". ومشاهد " الغرباء " في الجامعات العراقية تتنوع مابين "الوجداني" المتأجج الى الفضول القاتل وما بينهما " من يقوم باداء مهام رسمية تتعلق بمراقبة طالب او استاذ ". طالب في "كلية الاعلام" يقول: كنت واقفا مع مجموعة من زملائي خلال مدة الاستراحة الفاصلة بين المحاضرات فاقبلت علينا احدى زميلاتنا ووقفت بجانبنا ورحنا نتحدث معا حول احد الموضوعات وبعد لحظات فوجئنا بشاب اقتحم مجموعتنا وامسك بيد زميلتنا وراح يصرخ بوجهها ويقول "كم مره اخبرتك ان لاتتحدثي مع أي طالب " ثم سحبها بقوة واخذها بعيدا عنا بعد ان انصاعت لأمره. تصورنا ان هذا الشاب قد يكون شقيق زميلتنا وقد يكون حذرها من عدم الوقوف والاختلاط بالطلاب! وبعد ايام عرفنا ان لاهذا ولاذاك بل ان هذا الشاب له علاقة غرامية بزميلتنا كما اسرتنا بذلك احدى صديقاتها وهو يأتيها من خارج الكلية ويبدأ بمراقبتها". رقابة عاطفية احدى الطالبات تقول عن "الرقابة العاطفية" التي تتعرض لها " مشكلتي ليست مع الغرباء ، بل مع ابن عمي الذي يأتي الى كليتي مع انه ليس طالبا ولا اعرف السر الذي يمكنه من الدخول وقتما يشاء . ومع اعتزازي بصلة القرابة التي تربطني به الا انني لا اعتز به كشخص ولا اطيق رؤيته وقد احرجني مرارا امام زميلاتي ظانا نفسه وصيا عليّ". "الغرباء" من الشباب ،وهم كثر ويتواجدون في كل مكان بالكلية بل يزاحمون الطلبة في الجلوس بالنادي ويبدأون معاكسة الطالبات ، والجامعة اصبحت للعديد منهم ، مكانا يقضون فيه اوقات فراغهم الطويلة لاسيما ان الدوام المسائي يوفر مبررا لوجودهم حتى الليل . الطالب هيثم سهيل يقول : " اغلب الغرباء الذين يدخلون المجمع ،يتواجدون في (السنتر) نتيجة لاكتظاظه بالطلبة الذين يتجمعون من مختلف الكليات وباعداد كبيرة مما يتيح فرصة للغرباء بالتغلغل وسط الطلبة فضلا عن تواجد بعضهم في (النادي) ،وفي حقيقة الامر فان هذه الظاهرة اصبحت مشكلة نعاني منها جميعا لاسيما الطالبات اللواتي يتعرضن للمعاكسات من قبلهم وهناك العديد من الامور التي تساعد الغرباء على ارتياد الكليات بينها دعوة بعض الطلبة اصدقاءهم لزيارتهم الى الكلية ومحاولة تقريبهم من الطالبات وتعريفهم بهن".
سيارات …وبنات في العام 1981 وزعت السلطات العراقية سيارات فارهة باسعار رخيصة لضباط الجيش ، وهؤلاء لم يكذبوا خبرا ، فتحولت الجامعات الى امكنة مفضلة لاستعراض رجولتهم المصحوبة بالسيارات الفارهة ، والذاكرة العراقية المعاصرة تحمل حوادث كثيرة عن " اشاوس" كانوا يترجلون عن صهوات "جيادهم" اليابانية والأميركية واجبار الفتيات على نزهة كان " نجوم" المجتمع العراقي آنذاك يروها حقا طبيعيا طالما انهم يدفعون دمهم . واليوم تستعاد المشاهد ذاتها وان كان " النجوم تغيروا " ، فالتجار الجدد الذين افرزتهم المنعطفات الخطيرة التي سلكها الناس بعد الحرب والحصار ، صاروا قادرين على شراء كل شيء ، وفي ما يتحسر المواطن على ركوب الباص بشكل يحفظ له آدميته ، يتمكن التجار الشبان في "مجمع الجادرية الجامعي" من التبختر بسيارات فارهة لايتمكن حتى الموسور في الغرب من شرائها، كسيارات الفيراري ، والبورش ، والنادر من المرسيدس ، وعن وجود هؤلاء في " المجمع الطلابي " تفيد صحيفة " نبض الشباب " الصادرة عن " الإتحاد العام لشباب العراق " : نظرا لكبر مساحة مجمع الجادرية وسهولة دخول السيارات فيه "نجد ان اغلب "الغرباء" يدخلون بسياراتهم الخاصة ويقومون بمعاكسة الطالبات وملاحقتهن في شارع الجامعة الرئيسي فضلا عن وقوفهم بالقرب من كلية التربية للبنات لاسيما قبل نهاية الدوام المسائي ويلاحظ المتابع لذلك، انواع السيارات الفارهة ذات الموديلات الحديثة وهي منتشرة بشكل كبير داخل شوارع المجمع الذي يشكل الحرم الجامعي ". سرقات جامعية تنقل الصحيفة عن طالب جامعي : " كنت جالسا مع احد زملائي في كلية الهندسة فاذا بصرخات طالبة وهي تستنجد وتستغيث فهرعنا مسرعين نحو مصدر ذلك الصوت الصادر من خلف بناية اخر قسم بالكلية وعند وصولنا مكان الحادث وجدنا الطالبة تبكي، وشابا راح يركض بعيدا فتبعناه الا اننا لم نتمكن من الامساك به بسبب المسافة التي قطعها قبل مجيئنا ، وقد رأيناه يوقف سيارة اجرة ويفر فيها ، وعند سؤالنا الطالبة عنه قالت بانها لاتعرفه وقد جاء نحوها وحاول قطع سلسلتها الذهبية وسرقتها الا انه لم يتمكن من ذلك، بعد ان اربكه صراخها". ويقول الطالب(ع . ب) من كلية التربية الرياضية: "نشاهد العديد من الغرباء الذين يدخلون الى المجمع بسياراتهم الحديثة وعندما يركنونها جانبا ويترجلون منها ، نلاحظهم يرتدون البسة مختلفة وهناك اثنان يمتلكون سيارة حديثة يتجولون فيها داخل الجامعة وهم يرتدون ثيابهم الشعبية " الدشداشة" في تصرف اقل مايقال عنه انه لايليق بتقاليد جامعة عريقة يتدخل عامها السبعين قريبا". ويوضح الطالب محمد هلال من قسم الاذاعة والتلفزيون في " كلية الإعلام" لونا آخر من " الغرباء " حين يقول ان انتهاك الحرم الجامعي ليس حكرا على الرجال ، فثمة " غريبات " يستعرضن مواهبهن امام الطلبة: "لايقتصر دخول "الغرباء" على الشباب فقط بل هناك العديد من الشابات اللواتي نشاهدهن يرتدين الملابس غير المحتشمة التي لاتتناسب والحرم الجامعي يتجولن بين اروقة الكليات مما يثير انتباه الطلبة ويدفع بعضهم لعدم دخول المحاضرات من اجل متابعتهن ". الجامعات … سوح قتال و "من اجل منع "الغرباء "من الدخول الى المواقع الدراسية وضرورة الحفاظ على هيبة الحرم الجامعي " تقترح الصحيفة "يجب تشكيل لجان خاصة بمتابعة هذا الامر تكون رديفة بعملها لعمل موظفي الاستعلامات تتالف من اعضاء الفرق الحزبية الطلابية فضلا عن اعضاء اللجان الاتحادية في الكليات لغرض القضاء على هذه الظاهرة باقرب وقت ،من خلال ردع كل من تسول له نفسه انتهاك حرمة الحرم الجامعي وسوح العلم كما هي سوح القتال ولا مكان لمن يعيثون فسادا فيها وستظل الجامعة للطلبة فقط".
*نشرت في ملحق "شباب" بصحيفة "الحياة" 2002 |