قسوة الواقع تجفف ينابيع الحنان في البيوت العراقية

تاريخ النشر       04/12/2009 06:00 AM


عمّان –علي عبد الأمير
يبدو ان قسوة الواقع العراقي واضطراب القيم الإجتماعية جراء ماعاناه الناس من نتائج حربين مدمرتين وحصار طويل ، تمكنت من تجفيف ينابيع الحنان في البيوت العراقية ، ولم يعد غريبا انشغال الأب عن ابنائه وبناته ، والأم عن بناتها والأخ عن اخته ، مثلما لم تعد المفردات العاطفية تجد مجالها الواسع للإستخدام في لغة التخاطب مثلما كانت في سابق عهدها قبل حروب البلاد ما عاشته من دمار .
وبحسب شباب عراقيين فانهم  يعانون "الحرمان العاطفي" رغم انهم يعيشون في أسرهم و بين ذويهم ، فالفتيات عادة" يعانين من الحرمان  من حنان الأب بصورة خاصة ، فتشعر بعضهن أن والدها مشغول دائماً في عمله وأنه دائماً لديه اهتمامات كثيرة بعيدة عنها هي ، أما الأم فهي أيضاً مشغولة إما بعملها أو زياراتها الاجتماعية أو أنها في حالة ضجر دائمة بسبب انشغال الأب عنها وتحمل أبنائها سبب بقائها في هذا البيت واحتمالها هذه الحياة، مما يشعرهم في الغالب بالذنب تجاه تعاسة الأم .. أما الفتى ، فهو الآخر يعاني من الحرمان العاطفي ، للأعتقاد السائد بأن "الدلال" و كلمات العاطفة قد تجعل "عظم الولد رخوا" لاسيما ان الحياة في البلاد تحتاج " خشونة" في مواجهة شظفها.
 الكثير من الشباب العراقيين ، يعانون من الحرمان العاطفي الذي "يعرضهم للأخطار في بحثهم عن اللمسة الحانية أو كلمة الإعجاب التي يسعون اليها لأثبات ذواتهم خارج اطار الأسرة ، ويعد ذلك من أبرز مشاكل الأسر التي يعاني أفرادها من صعوبة التعبيرعن المشاعر وكأنهم يخجلون من الحب" كما تذهب الى ذلك صحيفة " الزمن " الإسبوعية الصادرة في بغداد.

                   قلوب لاتبض بالحب كثيرا
و لعل من أبرز نتائج الحرمان العاطفي داخل الأسرة العراقية ، هو اتساع  الإعجاب بين الفتيات والفتيان في اماكن العمل والدراسة وباقي الإمكنة العامة حين تبدو سيطرة العائلة بعيدة نوعا ما ، وهو يؤدي الى " مشكلة خطيرة لأنها أحياناً تتجاوز إطارها المقبول وتدخل الفتاة في بعض السلوكيات غير السوية" حين تفتقد الفتاة للعلاقة السليمة مع والدها، الذي يرفض "مصادقة" الابنة ويعتبر أن إظهار المشاعر لها نوع من الترف ، وأن هذا من شأن الأم فقط، مع  أن الفتاة تحتاج لصداقة والدها ،خاصة في مرحلة المراهقة والشباب ،تلك الصداقة التي تشبع الكثير من الاحتياج العاطفي عندها وبالتالي فأنها ستكون اكثر ثقة بنفسها في اختبارات عاطفية  .
 القسوة والقلوب التي لاتعرف الحب  من شأنها دفع الأبناء بعيدا  من أسرهم ،  وثمة " فجوة بدأت تكبر بين افراد الأسرة وبالذات في وقت الأزمة الثقيلة التي تعيشها البلاد ،  فكل واحد له عالمه الخاص الذي يعيش فيه لوحده ، والعاطفة الاسرية  لايعرف طريقها احد" كما يقول  احمد الربيعي ( 26 عاما ) الذي يواصل دراسته الجامعية مساء ، فنهاره للعمل تأمينا لمتطلباته التي باتت ثقيلة على العائلة مؤكدا ان "كل فرد من الاسرة اصبحت له حياته الخاصة، وهذا يفقد المجتمع ميزته بانه مجتمع متماسك ومترابط تجمع بينه أواصرالموده والحب في علاقة الأفراد فيما بينهم ،وخصوصا أفراد الأسرة الواحدة ". 

 
                                  بيوت باردة
يرى عراقيون "اصبحت الاسرة هذه الايام عند البعض، مجرد منزل يجمع عدد من الافراد تمت تسميتهم :اب وام واخ واخت بدون ان يكون لهذه الاسماء المعنى الحقيقي لها , فالاب مشغول بعمله واموره الشخصية , والام تركت مسؤوليتها وتبعت مشاغلها وفلانه قالت وفلانه عملت ... الخ, واما الابناء فحدث ولا حرج :الابن يدور في الشوارع والمقاهي ،ولاهم له سوى اللعب والراحة، لاطموح يدفعه الى الأمام فكثير من الناجحين علميا بالكاد يتوفرون على لقمة الخبز   ، وبالتالي فلا حاجة به الى اتعاب ذهنه بالتفكير في العمل وحمل المسؤولية , واما الابنة فهي الشخص الوحيد المظلوم في هذه العائلة ، فقدت الاب الحنون ونصائحه وحنان الام العطوف وصحبة الأخ المتفهم ".
 (ابنة التاسعة عشرة: س.ص.ع) تقول " امي هي المشكلة في حياتي ،انها لاتعطف علي ولا تحسسني بحنانها،كأنها تكرهني، فكلماأحاول التقرب منها تبعتد عني ، انها دائمة الأنتقاد لتصرفاتي و فكرتها عني سيئة للغاية حتى انها جعلتني أكره نفسي ،وخصوصا  بعد أن فشلت في الحصول على معدل جيد في الثانوية، فزادت المشاكل بيننا بحيث صارت تكرهني وتلقبني بالفاشلة" .
 حيدر كاظم الخفاجي (21 عاما) يقول انه يعاني من قسوة تصرف الأب 0 مهندس زراعي ناجح في عمله )، فهو يريد من ابنه " نسخة " عنه ، في ما يرى الأبن ان " وقتي ليس وقت ابي ، وانا اريد ان انجح في عملي في مجال الكومبيوتر دون اكمال دراستي الجامعية ، بل انني تمكنت من توفير المال اللازم لدفع البدل النقدي كي ابتعد عن الخدمة العسكرية ، وبالرغم من كل هذا لم يزل ابي يعاملني كفاشل في حياتي ، ولم تنفع محاولات والدتي في تخفيف غضب ابي الذي بات بعيدا عني رغم احترامي له".
الفشل هنا يعيده احد الباحثين النفسيين الى " الجفاء العاطفي داخل العائلة "مع تأكيده"صحيح أنه لا يمكن أعتبار الحرمان العاطفي ،السبب الوحيد في انحراف الفتاة عن الخط القويم ،ولكنه بالتأكيد أحد الأسباب المهمة التي بأمكان الأسرة تلافيها بسهولة،وخاصة الأبوين دون أن يتحملوا تبعات صعبة بل على العكس،فالعطاء العاطفي للأبناء من شأنه أن يسعد الأبوين ويحقق لهم الاستقرار العاطفي والنفسي، ولعل تلك الإيجابية تجاه الأبناء تكون أيضاً سبباً في تحقيق الوئام فيما بين الزوجين ، وتمتين الروابط بينهما".
ويضيف حين تتخلى الأسرة عن بنائها الصحيح ، ويتخلى أفرادها عن مسؤوليتهم ، تمسي أجسادنا الأسرية كالصحارى ، فتصبح الحياة جافة،وبأحاسيس متبلدة :أب صارم،حديثه أمر وصمته خوف،أم ساخطة شاكية دائما ، أخ قربه ألم ،لأنه عدو في الصغر، متجبر في الكبر. ومع اجواء كهذه تختنق روح الشباب... فمعهم لا حوار، لا حميمية ،لا روح عائلية حقيقية ، فقط واجبات تؤدى وفروض دينيه ودنيوية... بعدها يفر المراهق ليبحث عن بديل وكذا المراهقة وحتى رب الأسرة يغرق في عمل أو صداقات ..والأم تدفن نفسها بكثرة الخروج علها تجد بعض ما فقدت. من المؤسف أن نحتال لنحيي عواطفنا المقتولة ، ونشيع ذواتنا الساخطة على عالمها الصغير ".
 
* نشرت في ملحق "مجتمع" بصحيفة "الحياة"2002


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM