الاجيال الجديدة في بلاد الحصار الاقتصادي والعزلة السياسية 1991-2003 (5)

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       02/12/2009 06:00 AM


العراق يبدأ خطة "زج الشباب في المواجهة"
مراكز  ولجان تحاول ضخ الدماء الجديدة في نظام عتيق*
 
عمّان- علي عبد الأمير
من النادر ان تجد الكوادر الشابة في العراق طريقا الى احتلال مواقع قيادية بارزة في الدولة (يشذ عن تلك القاعدة، ابناء الرئيس وابناء اخوته واصهاره واقربائه)، ويبدوان معدل اعمار القيادات الحكومية العراقية البالغ 60 عاما بحسب موظفين عراقيين كبار ابعدوا عن السلطة، دليل على " نظام عتيق " يحكم العراق،  ومن خلاله تم تكريس نظرة تتعاطى بارتياب مع الكوادر الشابة حتى تلك التي حققت حضورا في اعادة بناء ماتهمد من مشاريع ومؤسسات خلال حرب الخليج الثانية 1991.
في قيادات الحزب الحاكم، رموز عتيقة مثلها تلك التي تدير مؤسسات الدولة ووزاراتها، وهو ما كرّس احساسا بالإبتعاد عن طاقات الشباب من العراقيين الذي عوضوا ذلك بالبحث عن فرص لتطوير مهاراتهم وكفاءاتهم في دول عربية واوروبية.
ومن اجل " ضخ دماء جديدة " في جسد النظام الحكومي العتيق في العراق بدأ مؤخرا تنفيذ " الخطة العشرية لهيئة الشباب والرياضة"، وهذه الهيئة كانت تشكلت قبل عامين واوعز الى القائد السابق لقوات الحرس الجمهوري الفريق اياد فتيح الراوي لرئاستها، ثم تولى بعده  شخصية سابقة قادت العمل المهني الطالبي " الإتحاد الوطني لطلبة العراق"، هو كريم الملا،  تسيير دفة العمل في الهيئة التي كانت تتردد من بدء العمل في مشاريعها " خوفا من التقاطع" مع رئيس اللجنة الأولمبية ، عدي النجل الأكبر للرئيس العراقي الذي يتولى منذ اكثر من عشر سنوات الإشراف الفعلي على نشاط الطلاب والشباب ، حيث يرأس اتحاديين مهنيين رسميين .
" الخطة العشرية"  للهيئة الشبابية لم تتضمن ما وعدت به حين تم تأسيسها ، من دعم لوجود الشباب في مرافق الحياة داخل العراق ، فجاءت متخصصة بدعم المؤسسات الرياضية، فرئيس الهيئة قال لوكالة الأنباء العراقية انه   خصص مبلغ 144 مليارا و 450 مليون دينار( نحو 72 مليون دولار) لتنفيذ الخطة الاستثمارية العشرية لهيئة الشباب والرياضة" .
ويؤكد رئيس "هيئة الشباب والرياضة" كريم محمود الملا ان "التخصيصات انتقالة لتعزيز مسيرة حركة الرياضة والشباب" .

حروب صدام: وقودها شباب العراق
 
وفي ما يفتقد الشباب العراقيون ملاعب وصالات رياضية حديثة (الملعب الرئيس في بغداد " ملعب الشعب" بناه العام  1966 البرتغالي  كولبنكيان الذي كان يملك خمسة بالمائة من نفط العراق)، ركزت الخطة على تطوير العمل الرياضي والشبابي  فهي  تشمل انشاء 22 مسبحا من بينها ثلاثة مسابح اولمبية مغلقة مع انشاء سبعة مراكز ثقافية نموذجية واربعة معسكرات للشباب، وكذلك انشاء 23 قاعة وتسعة ملاعب اولمبية بسعة 20 الف متفرج فى محافظات القطر مع ثلاثة اندية للرياضات الخاصة بالمعاقين اضافة الى عشرة اندية رياضية نموذجية جديدة.
واشار الملا الى ان الخطة تشمل انشاء المدينة الرياضية بجميع مرافقها وتامين التأثيث اللازم لمنشاتها الرياضية والشبابية حيث ستقوم وزارة الاسكان والتعمير بتنفيذ اعمال الخدمات لـ"مدينة صدام الرياضية" بكلفة اجمالية قدرها ثلاثة وثلاثون مليار دينار.
من جهته بدأ عدي النجل الأكبر للرئيس صدام حسين عملا مقابلا في الحقل الشبابي من خلال رئاسته " الإتحاد العام لشباب العراق " فأمر  بتشكيل سبع روابط شبابية،  بحسب ما نقلته الصحف الإسبوعية التي تصدر في بغداد "بما يؤمن الارتقاء والتطوير الدائمين للحركة الشبابية،  ويعزز الموقف والاصرار والصمود الشبابي".
روابط الشباب الجديدة، وهي"رابطةالحاسوب والمعلوماتية"، "رابطة التراث الشعبي"، "رابطة الاطباء الشباب"، "رابطة الموسيقيين الشباب"، "رابطة الموسيقيين الشباب"، "رابطة السياحيين الشباب"، "رابطة المترجمين الشباب "و "رابطة المحامين الشباب"، أجرت "مناقشات وطروحات عديدة بخصوص الانشطة والفعاليات المستقبلية التي سينفذها الاتحاد والتي تنسجم وروح العصر وتقترب من هواجس الشباب".
ولكن العمل الشبابي " المعاصر" ظل مرتبطا بالفكر الذي اسهم فعليا في ابعاد شباب العراق ، فالروابط الجديدة وبحسب ما أكده نائب رئيس اتحاد الشباب عباس فاضل حمادي ستعمل ضمن " اهداف الحزب القائد مستنيرين من الفكر النير والتوجيهات السديدة للسيد الرئيس القائد المجاهد صدام حسين (حفظه الله ورعاه) لقطاع الشباب".
الشباب وقود حروب العراق
وفي ما تستعد البلاد لحرب وشيكة ، تصعد المؤسسات الحكومية والحزبية والمهنية من عملها التعبوي والتحريضي بين قطاعات الشباب ، فالرجال ما بين الثامنة عشرة وحتى الخامسة والثلاثين يكونون وقود أي مواجهة عسكرية قد تشهدها الأرض العراقية ، وهذه الأعمار ذاتها هي التي طحنتا سنوات عقد الثمانينات في حربين مدمرتين. واستعداد المؤسسات لزج الشباب في الحرب عبر الجيش والحزب و"فدائيو صدام" اخذ في الإسبوع الماضي شكل "مؤتمر قطري" عقد في البصرة ( جنوب) معتمدا شعار "دماؤنا وارواحنا فداء للوطن والقائد" ونظمه "الاتحاد العام لشباب العراق"  بمشاركة مجالس الشباب في المحافظات.
بدأ المؤتمر  باستعراض عسكري مثل اختتم به،  شاركت فيه مجاميع كبيرة من الطلائع والفتوة والشباب كما تضمن" اوبريت التحدي" وفعاليات فنية والعاب رياضية للفنون القتالية. التعبئة العسكرية العراقية  تعتمد قدرات الشباب التي تغيب دائما حين يخف ايقاع الحروب، وضمن هذا الوضع، تلقى شباب العراق غيابا منظما عن اداء دورهم في بناء وطنهم و اتخاذ القرار عبر مؤسساته المدنية،  بينما كانوا في حروب الوطن "مشاريع استشهاد" كما يثبت ذلك الشعار المرفوع في مناطق من بغداد والمحافظات.
*نشرت في "الحياة" الثلاثاء 4 آذار 2003
 
تصاعدت احتمالات الحرب فحلت البطالة باشباحها على شباب العراق
 
عمّان – علي عبد الأمير
جاءت احتمالات الحرب في العراق لتنهي حركة اعمال وجد فيها عشرات الآلاف من الشباب فرصا وان كانت محدودة في تأمين متطلبات الحد الأدنى من العيش ، فاقفلت بحسب حازم المرسومي الذي وصل عمّان الإسبوع الماضي، للقاء قريب له قادم من اوروبا لم يره منذ سنوات ، محال صغيرة يديرها شباب في بغداد ، مثلما توقفت حركة عمل ناشطة لبيع قطع غيار السيارات بالتجزئة والتي نشط فيها شباب في منطقة  "الخلاني" وخف الإقبال على تجارة الكومبيوتر وتفاصيلها الكثيرة حيث يتسيدها جيل جديد من الشباب العراقي ، وتحولت اعداد من العاطلين عن تلك الأعمال الى قطاع تجارة المواد الغذائية المتخم باعداد كبيرة من الأيدي العاملة التي جزعت من وعود حكومية بايجاد حل للبطالة .
وتشير صحيفة " الزوراء " الإسبوعية الصادرة في بغداد الى المعضلة " شباب يملؤهم العزم والطموح وتتفجر في دواخلهم كل طاقات الابداع، سرعان ما يخيم عليهم اليأس والاحباط والخيبة لكونهم لم يجدوا عملا في هذه الوزارة او تلك او هذه الدائرة او غيرها،فيصبحون عاطلين عن العمل ويضطر بالبعض منهم من اجل المعيشة القاسية وخصوصا اولئك المسؤولين عن  العوائل ، الى تقديم التنازلات تلو التنازلات فتراهم يعملون تحت رحمة بعض الجهلة ممن خدمهم الحظ وامتلأت المصارف وجيوبهم ،عمالا او صناعا وغيرها من المهن الاخرى كالبيع على الارصفة والتي لا تتناسب مع مستواهم العلمي المنشود في خدمة المجتمع والوطن، وهم يندبون حظهم العاثر الذي جعلهم يكملون تحصيلهم العلمي ولم يحترفوا اية حرفة اخرى تدر عليهم ذهبا"!
الوزارات العراقية بدأت ترفع في اقسام الإستعلامات الخاصة بها يافطات تشير الى انها " غير محتاجة لإختصاصات عمل جديدة " ، ويقول احد الذين صطدمهم الإعلان "انا مهندس منذ عام 1991 ولم افلح بعمل في دوائر الدولة مما اضطرني للعمل في مجالات اخرى خارج اختصاصي ولكن اريد العمل ضمن اختصاصي ؟ " تنهد الشاب بحسرة والم وخرج من الوزارة حائرا اين يمضي!!
وفي كل صباح يتجمهر المئات امام كل دائرة ومؤسسة ووزارة . هؤلاء ممن تخرجوا في  ثمانينات العقد الماضي ومازالوا حتى اليوم يبحثون في فرصة عمل تناسب دراستهم العلمية في دوائر الدولة ، مثلما بينهم من الشباب الذين انهوا تحصيلهم العلمي مؤخرا .
المرسومي الذي يعمل في وزارة التجارة  قال ان الوعود الرسمية بتشغيل الشباب وان صدقت الا انها لم تسجل نجاحا في خفض اعداد العاطلين عن العمل ، فبعد كل بضع مئات من العاملين يجد الآف الشباب ممن ينهون دراستهم والخدمة العسكرية انفسهم في دوامة البحث عن فرصة للعمل .
وتشير الصحيفة العراقية الإسبوعية في عددها الأخير الى  ان" العاطلين الذين يصل تعدادهم الى الالاف ، يتجمعون امام دوائر ووزارات ومؤسسات الدولة كافة، ولكن يجري ما يجري عليهم من كلمة واحدة هي الرفض والتعيين يكون فقط لمن لديهم (!!!!!)" والإشارة هنا الى تدخل اصحاب النفوذ في تعيين اسماء معينة دون غيرها .
الملاحظات التي تثير الشجون لاعداد من الشباب والشابات الذين يحلمون بالحصول على فرصة عمل ينصرفون اليها طلبا للرزق وتأمين العيش الكريم يقابلها مسؤول حكومي في " هيئة التخطيط " بالقول: "خلال السنوات المنصرمة بدأنا بخطة تقضي باجراء تعيين مركزي للخريجين واحالتها الى الوزارات والمؤسسات والدوائر المعنية لغرض تعيينهم، ولكن احيانا يوجد فائض في احد هذه الوزارات او تشكيلاتها فيتم اعادة تعيينهم ضمن دوائر اخرى وتتأخر اجراءات تعيينهم.. اما بالنسبة للمتخرجين السابقين فبأمكانهم التعيين مباشرة ضمن الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية او مراجعتنا مباشرة او المؤسسات الاخرى ذات الصلة لغرض توظيفهم وتعيينهم، كون خطتنا تقضي بأن لا يكون هناك اي عاطل عن العمل في بلدنا وان شاء الله ان نستأصل البطالة ومسبباتها من جذورها قريبا".
وعود المسؤول الحكومي تكشفها اعداد المتجمهرين يوميا على ابواب المؤسسات الرسمية التي اقفلت هي الأخرى بعض دوائرها ، و العديد من المصانع فككت منذ منتصف العام الماضي، خوفا من تعرض البلاد لضربات عسكرية ، مكائنها وانهت اعمالها واعطت للعاملين فيها اجازات مفتوحة افقدتهم المورد المالي الذي كانوا يعتمدون عليه ، وهو مايعرف ب " الحوافز " الذي كان يقدر بعشرات اضعاف الرواتب الشهرية المتراوحة ما بين 6-10 الاف دينار .
اخبار الحرب وتصاعد احتمالاتها في العراق انقضت على الأساليب الذاتية  الهشة التي ابتكرها الشباب في مكافحة البطالة كما يشير الى ذلك صاحب ستديو للتصوير ومكتب لتصوير الوثائق في بغداد وجد فيهما بالاضافة الى شقيقيه فرصة عمل طيبة  " الناس غير مهتمين حاليا بشراء اشياء غير الغذاء وبعض المواد الأساسية مثل معدات الإضاءة  النفطية واصلاح الدراجات الهوائية القديمة او شراء المستعملة ، فهي وسائل خبر العراقيون اهميتها في حربهم الأولى مع اميركا والحاجة ضرورية لها اذا وقعت الحرب الثانية ".
وضمن هذا الإيقاع تباطأت سوق الملابس وسوق الأليكترونيات ، في ما راجت معدلات استهلاك المشروبات الكحولية بين الشباب فتصاعت فرص اصحاب المصانع غير الرسمية لأنتاج العرق لاسيما ان قناني مشروبهم " المغشوش " تباع باسعار ارخص بكثير من المنتج تخت اشراف رسمي .
ومن بين المهن التي راجت مؤخرا ، بيع الراديوات الصغيرة النقالة ،فهي مصدر العراقيين على المعلومات التي ترسم ما قد تحمله الأيام المقبلة من احداث تكاد الحرب تختصرها ، ويبدو منظر مئات الشباب العراقيين في " الباب الشرقي " وهم يعرضون انواعا كثيرة من اجهزة الراديو للبيع امام زبائن متعطشين لمعرفة الأخبار ووسائل بثها ، فرصة لعرض مواصفات اجهزتهم التي تلقتط حتى " الإذاعات الممنوعة " كما يقول المرسومي الذي يصف ذلك المشهد بانه " خليط غريب ، فيه التجارة والغش والسياسة ، مثلما فيه مؤشر على ابتكار الشباب العراقيين وسائل للعيش تبتكر من خرافة بيع الهواء في القناني".  
* نشرت في "الحياة" كانون الثاني 2003   


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM