الاجيال الجديدة في بلاد الحصار الاقتصادي والعزلة السياسية 1991-2003 (3)

تاريخ النشر       02/12/2009 06:00 AM


الوشم او " تاتو" عند شباب عراقيين :
 في السجون يكتب اليائسون كلمات انتصارهم  على الأذرع

عمّان –علي عبد الأمير
بحكم العزلة التي يعيشها العراق، لم يعرف عدد من شباب البلاد  الذين يحملون في اجسادهم انواعا من الوشم المكونة من رسوم اوكلمات او علامات ، انهم " تقدموا" على شباب الغرب المشغول هذه الأيام برسم اشكال ورسوم ملونة على الأيدي والسيقان والصدور وبحسب صرعات لاتهدأ ضمن صرعة " تاتو" او الوشم الذي باتت فنونه ، تشغل اهتمام طائفة غير قليلة من بنات الغرب ورجاله.
 و" تفوق " شباب العراق في الوشم عند "بعض شبابنا والمراهقين" كاما تفيد صحيفة " الزمن " الإسبوعية الصادرة في بغداد جاء من تراكم الإحساس بالخيبة والعجز عن مواجهة الحياة
 " اجسادهم تراها قد تطرزت بعبارات وكلمات وصور غريبة وكأنها رد فعل لهزيمتهم عقب حب فاشل او تجربة اجتماعية اخرى لم يكتب لها النجاح فيعبروا عن العجز في مواجهة الحياة وصعوباتها بهذه الاساليب، حيث ينكفئون على الذات يجتّرون احلام البطولة الخارقة وعادة ما يقضون وطرا من حياتهم في زنزانات السجن ومن هناك يتعلمون "فنون" الوشم".
ومع ازدياد  حالات الإنكسار عند شباب العراق مابين خيبات الحروب والمواجهة اليائسة مع ظروف اجتماعية لاتني تزداد سوءا مع استمرار الحصار فقد ازداد عدد الذين " يعبرون عن احلام البطولة الخارقة " عبر كتابة المشاعر والأمنيات وعلامات القوة على  مناطق ظاهرة من الجسد . الشاب سعد عزيز الذي كانت يداه مليئة بالجمل والحروف والاسماء يقول: "توفيت والدتي بعد صراعها مع المرض الذي لم يفارقها سنوات ولشدة الحزن الذي الّم بي ، كتبت على يدي "اعز الناس امي" وبعد فترة قليلة ارتبطت بعلامة حب مع (M) فنقشت هذا الحرف على ظهر كفي لكي لا انساها الى الابد.
اما بقية العبارات المنقوشة على زندي فهي اشارة لعلاقات صداقة لم تعمر طويلا فصديقي الذي كان يمثل لي اكثر من اخ تحول فجأة الى اشد من العدو لذلك كتبت عبارة "آخ ماكو وفه(ليس هناك وفاء)".
شاب اخر رسم صورة فتاة بشعر طويل على يده اليمنى فذكر ان ذلك حصل حينما كان موقوفا في احد السجون ولان "وقت الفراغ هناك قاتل لجأت الى هذه الطريقة لبعثرة الملل كما كان يفعل الاخرون وهذه الصورة التي تمثل فتاة مجرد خيال لا اساس له على ارض الواقع وقد ندمت كثيرا على فعلتي هذه اذ كثيرا ما سخر مني الناس ويرمقوني بنظرات استهجان خاصة العبارة التي كتبتها على يدي "ابتعد عن يمنتي( يدي اليمنى) لانها قاتلة" واحاول الآن ايجاد الطريقة التي اتخلص من خلالها من هذه المصائب التي خلدتها على يدي".


العراقيون يكتبون بأجسادهم: الدم في "مبايعة" الرئيس
 
 
احد الاشخاص تجاوز عمره الخمسين عاما نزع قميصه متطوعا فعرض  ظهره وقد رسم عليه صوره لفتاة جميلة "تسلطنت" على مساحة الظهر من الكتف الى الكتف. واشار الى انها الحبيبة التي طعنته من الخلف قبل ثلاثين عاما خلت حيث كان يراها عالما من البراءة والحنان لكنها كما يقول " افعى سامة لدغته من ظهره فخلد لدغتها لكي لايصاب المؤمن من جحر مرتين".
" موشوم" حوّل كتفه وزنده الى دفتر للحكم والامثال اضافة لمقتطفات من حياته وكأنه يروم ان يجعل صدره بديلا عن البطاقة الشخصية   وبقية الوثائق اذ كتب اسمه الكامل وتاريخ ولادته واسم امه وسكنه و "R+N= حياة سعيدة" ، وبالطبع فهو لايجيب عن أي سعادة يمكنها تحقيقها وهو الخارج للتو من سجن طويل!. الا ان اغرب ما يقرأ من وشم هو المكتوب  على زند شاب كان يرتدي قميصا خفيفا باقل من ربع كم  ، وكان عبارة كتبت بخط واضح وعريض تجاوز ثلاثة سنتيمترات ((حبيبتي حمدية)) فيما كتب تحتها ((حبيبتي مارينا)) ، ويبدو  ان  حمدية ، كانت حبيبته الاولى عندما كان يسكن الريف ولكنه بعد ان وطأت قدماه المدينة اصبحت لاتناسبه بكل المقاييس فاستبدلها باخرى اكثر تحضرا وهي مارينا". عدد كبير من " الموشومين "  اكدوا انهم يشعرون بندم شديد فيما حاول بعضهم استخدام مواد كيميائية لازالة تلك الاثار فتشوهت اعضاؤهم واعتبروا سلوكهم رد فعل لسني المراهقة واصدقاء السوء بالاضافة الى تأثرهم بالكبار الذين نقشوا على اجسادهم وانهم يشعرون بالحرج الان حالما سدد احد نظراته الى اذرعهم .
 باحثة اجتماعية عراقية هي السيدة مائدة حميد حسين العزاوي مديرة قسم للرعاية الاجتماعية  تشير الى ان "المراهقين بشكل خاص يسعون دائما الى تقليد الافلام وابطال تلك الافلام الذين وشموا اياديهم ،فتراهم يسارعون الى تجسيد ذلك ينقشون الافاعي او العقارب او الالات الحادة على اجسادهم، او احيانا يتخذون ومن ذلك من منطلق "خالف تعرف" او يعتبرونها وسيلة للتعويض عن النقص الذي يعانون منه سواء داخل الاسرة او المجتمع".
ويرى استاذ علم النفس في جامعة صلاح الدين محمد سليمان البياتي ان " الوشم من الظواهر المرفوضة في المجتمع وينبغي الابتعاد عنها " مشيرا الى انها " تفشت في الاونة الاخيرة بين المراهقين والشباب واستخدامهم عبارات غريبة ليوشموا بها جسدهم ومنها "الاقارب عقارب" او اسماء بعض النساء او رسم اشكال وصور ، وهي بطبيعة الحال محرمة اصلا لكونها تشويه للجسد وتعذيب له دون مبرر مشروع".
وهذا الرأي حول "عدم شرعية الوشم" اكده الشيخ محمد حسن الخضيري والشيخ محمد خضير الركابي اللذان اشارا الى حرمة الوشم على جسد الانسان.

*نشرت في "الحياة" 2001


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM