الاجيال الجديدة في بلاد الحصار الاقتصادي والعزلة السياسية 1991-2003 (2)

تاريخ النشر       02/12/2009 06:00 AM


العراق : إنتظم في "البعث" وخذ مالا  للزواج
 
عمّان- علي عبد الأمير
بدأت السلطات العراقية تطبيق خطة لتشجيع العزاب على الزواج كان أمر بوضعهــا الرئيس صدام حسين الشهر الماضي.
وقال قادمون من العراق ان المنظمات الحزبية في بغداد والمحافظــات التي أوكل لها تنفيذ خطة تشجيع الزواج أشترطت على الشاب الراغب في الحصـول على "سلفة الزواج" البالغة مليون ونصف المليون دينار (نحو 750 دولار) توقيــع طلب ينص على الانضمام الى صفوف حزب " البعث " الحاكم.
واكد القادمون ان المنظمات الحزبية رفضت منح السلفة لكل شاب رفض توقيع طلب الانضمام الى الحزب مشيرين الى ان " تلك المنظمات وجدت في سلف الـزواج فرصة لتوسيع عملها التنظيمي بين الشباب الذين لم يبدوا استعدادا للعمل الحزبي خلال السنوات العشرين الماضية ".
وكان صدام أمر الاجهزة الحكومية والحزبية اتخاذ "اجراءات سريعة لتشجيــع الشباب على الزواج" بعد اتساع ظاهرة (العزوبية) حيث حالت الاوضاع الاقتصادية المتردية لشباب العراق عن الزواج، ما اعتبره الرئيس العراقي "مؤشرا خطيرا من الواجب معالجته"، وان كان القى باللائمة على ظواهر اجتماعية من بينها ارتفـاع المهور وضعف التثقيف الديني والاعلامي بفوائد الزواج المبكر.

الرئيس: عليكم بحفلات زفاف جماعية مجانية
 
الى ذلك أكد "الاتحاد العام لشباب العراق" استمرار نهج "حفلات الزواج الجماعي" الذي يعمل بموجبه على تشجيع الشباب العراقي على الزواج ونقلت صحيفة "الاعلام" الاسبوعية عن النائب الاول لرئيس الاتحاد عباس حمادي ان خطة وضعها الاتحاد تقضي منح القروض وبدون فوائد للراغبين بالزواج وتسهيل حصولهم على غرف النـوم والملابس وباسعار مخفضة بالتعاون مع وزارة الصناعة والمعادن.
  
الرئيس يتدخل للعلاج ... لكن الشباب العراقي عاطل من الزواج!
لم يعد مفاجئاً ان تجد عراقياً يودع ثلاثينات عمره وهو لم يزل عازباً، مثلما لم يعد مفاجئاً ان تجد عراقية تخطو نحو العنوسة ولكن من دون ان تفقد الأمل برجل يطرق بابها ليأخذها الى عالم تنتظره. في ظل وقائع سنوات الحصار وتراجع مستويات العراقيين المعيشية، بدا الشباب العراقي عاطلاً من الزواج، وهو ما شكل ظاهرة استفحلت، الى ان تدخل الرئيس صدام حسين منتقداً "مهور النساء العالية" بوصفها عقبة تحول دون زواج الشباب.
صدام قال انها "مشكلة حقيقية عزوف الشباب عن الزواج" متجنباً الاشارة الى نسبة الشباب العراقي العاطل من الزواج، منتقداً قبول الفتيات الصغيرات الزواج من رجال ميسورين من كبار السن ومؤكداً تشجيع "الزواج المبكر" عبر مخصصات مالية تدفعها تنظيمات الحزب للشبان الفقراء، واعادة العمل بمشروع "سلف الزواج" للموظفين الذي كانت تعمل بموجبه المؤسسات.
وتستغرب صحيفة "نبض الشباب" الأسبوعية الصادرة في بغداد التكتم على أرقام عزوف الشباب عن الزواج مؤكدة ان "لا ضير ولا ضرر في الاعلان عنه، فهو ليس مواد محظورة ولا صواريخ عابرة للقارات".
وفي حين تشير الصحيفة الى تنظيم "الاتحاد العام لشباب العراق" حفلات زفاف جماعية مجانية للشباب ثلاث مرات سنوياً الا انها تؤكد تفاقم الظاهرة داعية المؤسسات الحكومية الى الكشف عن "الرقم الحقيقي للعازبين، فمن دونه لا يمكن التفكير والتخطيط لحل القضية".
الأجور الشهرية المتدنية، أزمة السكن المستفحلة وحلم السفر الذي يراود غالبية العراقيين، عوامل أساسية في العزوف عن الزواج في العراق، فالشاب العراقي بالكاد يوفر متطلباته اليومية عبر عمل مضن يؤمن له في أفضل الحالات 20 ألف دينار (10 دولارات) شهرياً، واذا كان تمكن من انجاز احتياجاته الشخصية فثمة احتياجات العائلة وهذه تتسع الى حد لا يمكن معه مجرد التفكير بزواج يفتح له باباً جديداً للانفاق.
وحين يتمكن شاب من تجاوز كل هذه العقبات، تكون هناك أزمة السكن المستفحلة، فالاستقلال في بيت جديد للشاب المتزوج أصبح ضرباً من الأحلام، ما يضطر نسبة كبيرة من المتزوجين الجدد، الى الاستقرار في بيت العائلة، ولتبدأ عبر ذلك دائرة من المشكلات الاجتماعية المتداولة. وبما ان مثل هذه الاوضاع تلقي بظلالها الثقيلة والكئيبة على الشاب العراقي اضافة الى حال من عدم الاستقرار بسبب المواجهة شبه المستمرة لسلطات بلاده مع الدول المجاورة واحتمال تجدد الحرب، فإن حلم السفر الى الخارج يتعاظم ليصبح حلم الحياة الوحيد، مكتسحاً بذلك أحلاماً عادية بينها حلم الزواج.
السفر أولاً ثم الزواج تالياً، هو قرار الشاب العراقي حالياً، ووقائع عشرات الآلاف من الشبان العراقيين الذين وصلوا الى أوروبا والى بقية الدول الغربية خلال العقد الماضي تؤكد ذلك. فما ان يستقر الشاب ويحسن أوضاعه المالية والنفسية تكون مشكلة الحنين الى الوطن والزواج متداخلة، ويبدو حلها ممكناً عبر الكتابة الى الأهل في العراق الذين يبدأون رحلة اختيار "شريكة حياة حلوة ومستورة" للإبن.
فتاة عراقية تزوجت بمثل هذه الطريقة تقول انها "طارت من الفرح" ما ان تقدم لخطبتها اهل قريب لها خارج العراق. سافرت اليه بعد ان تم عقد الزواج بالوكالة، غير انها بعد حين اتصلت بأهلها لتخبرهم انها نادمة ولم تكن تعتقد ان الحياة في الغربة صعبة الى هذا الحد، فضلاً عن كونها لم تستطع ان تتقبل من طارت من الفرح حين تقدم لخطبتها، زوجاً لها.
 السيدة هـ . ع تقول:"لم أتردد في القبول بزوج يكبرني 15 عاماً ولا يمتلك أي صفة من صفات الوسامة التي أحلم بها لكنني قبلت به لمجرد انه مقيم في الخارج"، هذه السيدة ومثلها مئات بل آلاف الحالات تعكس رغبة في الخلاص الفردي، ولكنها لا تغفل رغبتها في تحسين الأوضاع المعيشية لعائلتها داخل العراق.
 عوائل عراقية تجبر بناتها على زواج الأقارب المقيمين في الخارج كنوع من توفير مصدر مالي يقي تلك العائلات العوز والحاجة، وتقول السيدة ش.أ انها وبعد عقد قرانها بالوكالة على رجل لم تعرفه الا عبر الصور، سافرت للقاء زوجها الذي فوجئت بحاله المتدنية فكرياً وسوء تصرفه وأخلاقه الفظة، ما جعلها تقرر العودة الى العراق وهو ما رفضه والدها الذي اصطحبها مؤكداً لها انها ستلقي بعائلتها الى التهلكة وتحرمها مصدراً مالياً.
 شبان عراقيون قد يتزوجون نساءاً ولكن أكبر منهم سناً في مقابل حال مادية جيدة تتمتع بها الزوجة من دون النظر الى مستواها الاجتماعي والثقافي أو مستويات الجمال، مثلهم شابات عراقيات يتزوجن رجالاً كباراً في السن،, ولكن المهم هو وضعهم المادي الجيد، ليس مهماً ان يكون رجلاً دميماً ولا حتى متزوجاً من امرأة ثانية أو ثالثة، مثل هذه الحالات يؤكد باحثون اجتماعيون انها غير مستقرة ومرتبطة أصلاً بما يعارض الطبائع السليمة، فالقاعدة تقتضي ان يكون الزواج قائماً على عناصر تماثل.
 صحيفة "الاتحاد" الأسبوعية تؤكد ان "الدولة قادرة على علاج مشكلة العزوف عن الزواج"، مشيرة الى أن على مؤسسات حكومية "تقديم تسهيلات كبيرة وامتيازات للمتزوجين الجدد"، وتلفت الى قضية مهمة، فهي توصي بأن تكون رعاية الدولة متوجهة :لمن يتزوج من الفتيات من مواليد الستينات، ثم السبعينات" أي اللواتي تطرق أشباح "العنوسة" أبوابهن.
نسبة العزوف عن الزواج في المدينة تزيد بأضعاف عمّا هي في ريف العراق، ولذلك أسبابه الاجتماعية والاقتصادية، حيث تتضاءل الرغبات عند المتزوجين حديثاً بالاستقلال عن العائلة، كما ان وضعاً اقتصادياً أفضل لأبناء الريف الذين يعملون بالزراعة وما تعود به من مال وفير، جعلهم يتجاوزون العائق الأكبر عن الزواج، حتى ان حفلات الزواج التي تشهدها الفنادق الكبرى في بغداد اليوم هي حفلات شباب الريف الذين تمكنهم أوضاعهم الاقتصادية من تأمين متطلبات الحدث الأكبر في تكوين الحياة الشخصية المستقرة.
 
*نشرت في "الحياة" الثلاثاء 19 حزيران 2001


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM