الاجيال الجديدة في بلاد الحصار الاقتصادي والعزلة السياسية 1991-2003 (1)

تاريخ النشر       02/12/2009 06:00 AM


شباب عراقيون"مقتدرون" يسافرون الى خارج البلاد ويثيرون نقمة اقرانهم*

عمّان-علي عبد الأمير
يثير الشبان العراقيون القادرون على السفر الى خارج البلاد والذين يعودون محيطين أنفسهم بهالات من الاعجاب بين غالبية العراقيين الذين يصعب عليهم السفر، نقمة اقرانهم الذين لا يعرفون مشاهد المطارات ولا ملامح المدينة المتطورة، فيبدو العائد وهو يتحدث عما شاهده في أوروبا أو الولايات المتحدة وكأنه قادم من "بلاد العجائب".
وتقول صحيفة "نبض الشباب" الأسبوعية الصادرة في بغداد ان "هناك من يتلذذ من الشبان العائدين من سفرة الى بلجيكا أو هولندا أو أميركا في الحديث عن المسرات التي عاشها والملابس التي عاد بها واللذائذ التي تذوقها مسبباً الألم والاحساس المضاعف بالحسرة لأولئك الذين يسعون ليل نهار وراء لقمة العيش والرزق،  ويتوزعون الأسواق والأرصفة، وان كان بينهم من هو ذو كفاءة علمية،  وقد دفعته الحاجة الماسة الى ان يبدو اقل حظا من اولئك الذين يتلذذون بالمسرات".
 "العائدون" كما تسميهم الصحيفة، فيهم من ابتسم له الحظ،  ليُخلقْ وفي فمه ملعقة من ذهب، من أبناء تجار الحروب والحصار وأبناء المتنفذين، وفيهم الأطباء الجدد الذين يعوضون غياب الخبرة بالإعلان عن كونهم حصلوا على شهاداتهم من الخارج، كي يثيروا لدى متلقي الإعلان "مشاعر النقص" جراء ما يعرفون انهم حرموا منه، كذلك هناك المطربون الذين يحلو لهم الحديث عن جولاتهم خارج العراق فيما "المشاهد الجالس أمام التلفزيون يصاب بصدمة نفسية وبذهول حاد مصحوب باصفرار وقشعريرة ويميل الى التقيؤ بخاصة إذا كان المطرب غير معروف وان صوته وصورته لا يصلحان للإستهلاك الخارجي".
تتساءل الصحيفة: هل من احترام لمشاعر الذين لا يعرفون عن السفر شيئاً؟ وهل من مراعاة لمشاعر من يتصورون ان المطارات هي "كراجات النهضة" (مكان انطلاق الباصات من بغداد الى المحافظات) وان الطائرات هي الاسم الآخر لباصات "تاتا"؟ (باص نقل الركاب الهندي المنشأ والأكثر شيوعاً في بغداد حالياً).
*نشرت في "الحياة" 2000
 
تجارة"الذهب الاحمر"... شبان يمدون أذرعهم لبيع دمهم في بغداد**
عمّان-علي عبد الأمير
حيال معدلات بطالة هي الأعلى في العراق منذ قيام دولته المعاصرة عام 1921 ، وحيال تدهور في المستويات المعيشية يلجأ شبان عراقيون الى بيع دمائهم بسعر زهيد لا يتجاوز عشرين ألف دينار (عشرة دولارات) لعبوة الدم الواحدة (500 ملليمتر).
وكشف تحقيق نشرته صحيفة "نبض الشباب" الأسبوعية الصادرة في بغداد قبل ايام عن "الاسرار الخفية لتجارة الذهب الأحمر". المشهد الذي يضم "أسرار" بيع شبان لدمائهم يبدأ من باعة توزعوا الى جوار "المركز الوطني لنقل الدم"، وهؤلاء الى جانب قيامهم ببيع بضائع الأغذية والحلويات والسجائر هم "وسطاء" بين أهل المرضى الذين يحتاجون الدم وبين شبان يعرضون "قوة عملهم" للبيع.

مشهد من بغداد العام 2000 (ارشيف خاص)
 
وقوة عمل هؤلاء الشبان، هي أذرع ممدودة من الهواء الطلق، أذرع نابضة بالدم الذي هو "ذهب احمر" توفر ملليمتراته الخمسمائة ما تعجز أوقات عمل مضنية على مدى شهر أو أكثر من توفيره.
أهل المرضى بدأوا "يفهمون اللعبة" فهم يذهبون الى الباعة المنتشرين قريباً من "المركز الوطني لنقل الدم" لتبدأ بينهم وبين باعة الدم مساومات لحسم السعر الذي يتراوح بين 20 و 30 الف دينار بحسب الحال التي يمر بها صاحب الطلب وحرجها.
اللافت ان وسطاء وسماسرة بيع الدم لم يعودوا الباعة فقط بل صار موظفو "المركز الوطني لنقل الدم" جزءاً من العملية، فهم يعرضون خدماتهم ما بين محتاجي الدم وباعته وهو ما كشفته الصحيفة حين أشارت الى ان موظف الأمن من المركز وموظفاً آخراً في مركز صحي مجاور يتوليان توفير الدم من شبانٍ يبحثون عن عمل مؤقت ومربح وسريع.
 نقص الدم في المستشفيات العراقية قابله عرض وافر عند من لا يجدون عملاً أو من يمرون بضائقة اقتصادية يعجزون عن حل سريع لها، ولأن الأمر "لا تتدخل فيه السلطات العراقية" ومتروك لتصرف اهل المرضى لذا كان بيع الدم من بين ظواهر مسكوت عنها. تعتبر جزءاً من ظواهر الحصار ونتائجه الاجتماعية التي لا يبدو حلها ممكناً في المدى المنظور.
طبيب في مركز نقل الدم يظهر قدرة في تبرير الظاهرة, فهو يشير الى نقص حاد في مخزون مركزه من الدم في مقابل حاجة متجددة من مرضى لا يجدون من بين ذويهم وأقاربهم لأسباب قد تتعلق بعدم مطابقة صنف الدم، أو رفضهم التبرع لأسباب صحية نفسية، وأسباب تدفع الى الاستعانة بمن هو مستعد لـ"التبرع بالدم" في مقابل ثمن!
أحد الذين باعوا كميات من دمهم ست مرات خلال الفترة 1993 – 1996 قال لـ"الحياة" ان الظاهرة بدأت بخجل خلال السنوات الاولى للحصار إلا انها تفاقمت لاحقا مع تفاقم الحال المعيشية ومع تفاقم الحال الصحية للعراقيين.
وفي حين تدعو الصحافة العراقية الى "اجتثاث الظاهرة" والى تدخل السلطات في فرض رقابة صارمة على المتبرعين "بحيث تبعد من يقدمون الدم في مقابل المال وتنهي شبكات السمسرة. الا ان الظاهرة أبعد من قرار حكومي بمنعها على ما يبدو، وهو ما يؤكده موظفوا "المركز الوطني لنقل الدم" الذين يؤكدون على ان كميات قليلة من الدم في المستشفيات العراقية ستظل العنصر الحاسم في الظاهرة وان منع بيع الدم بالقوة لا يحل حاجة المرضى الى الدم.
 باعة الدم, شبان بعضهم نال قسطاً كبيراً من التعليم، وبعضهم أيضاً من "أصحاب السوابق" الذين يجدون ان 500 ملليمتر من الدم مقابل 20 ألف دينار "حلاً مناسباً" لأوضاع اجتماعية متدهورة يعيشونها.
موظفو "المركز الوطني لنقل الدم" وأطباؤه يقعون حيرى حين يقرروا ضعفاً جسدياً وصحياً عند بعض المتبرعين "البائعين" فتوسلات هؤلاء التي تكشف حاجتهم للمال وتوسلات اهالي المرضى، تضغط على المختصين للموافقة على اجراء عملية نقل للدم فيها مخاطر صحية على المتبرع وقد لا تكون مفيدة للمريض!

** نشرت في "الحياة" الثلاثاء 29 ايار(مايو) 2001


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM