كتب: علي عبد الامير
برحيل سيد مكاوي، تخسر الموسيقى العربية، احدى علاماتها المهمة التي مزجت بين عنصري التحديث والاصالة، فالراحل "شيخ سيد" كما يسميه الاشقاء المصريون، خرج من مدارس التلاوة الدينية التي تعلم منها اساليب الانشاد المرسل والانتظام النغمي ومن هذه البداية الى خطوة اكثر اهمية، حيث تعرف عبرها على نوابغ الموسيقى الشرقية والعربية في الاربعينيات ومنهم زكريا احمد، محمد القصبجي… دون ان ينقطع عن الاستزادة من تراث المجدد الكبير للموسيقى العربية، سيد درويش الذي ابعد الموسيقى العربية عن تقليد مضجر للموسيقى التركية وقوالبها.
ونقل سيد مكاوي (1928-1997) تجربته في التلحين والغناء الى تعبيرية جديدة خرجت عن القوالب التقليدية (الطقطوقة) و(الادوار) لتصب في اشكال تميزت بانفتاحها على استعارات اجنبية كشكل الاوركسترا المرافقة له، اثناء الغناء، او التي تقوم بتنفيذ الحانه حين يؤديها فنانون لهم حضورهم في الاغنية العربية.
وفي الالحان التعبيرية نتذكر له تلك اللمسات اللحنية المبهرة التي قدمها لمقطوعات من شعر صلاح جاهين (توفي في نفس يوم رحيل سيد مكاوي ولكن قبل 11 سنة) وحملت تلك المقطوعات عنوان "رباعايات صلاح جاهين" وأداها علي الحجار بتمكن لتغدو موسيقى على حدة في تجربة سيد مكاوي اللحنية.
وقد تكون لصلاح جاهين قوة حضوره على فكر وذائقة سيد مكاوي، والتي دفعت فيه ميول التجديد والجرأة في الاقتراب من موضوعات يومية وشعبية، كما في العمل الخلاق الذي دخل عميقاً في ذاكرة اجيال عربية متعاقبة والمعد اصلاً لمسرح العرائس "الليلة الكبيرة" او في محاورة موضوعات تأملية وذهنية كما في ألحانه لرباعيات جاهين.
"شيخ سيد": من التلاوة الدينية الى الحداثة النغمية
غنى لسيد مكاوي الملحن الذي يعني بالزخرفة الجميلة في الحانه وبما يمنحا شرقية /عربية اصيلة، الكثير من المطربين، تتقدم سيدة الغناء العربي ام كلثوم، وردة الجزائرية، فايزة احمد، شادية، وصباح، وكانت من اولى الحانه قد ذهب الى المطربة الراحلة ليلى مراد ومنها اغنية "حكايتنا احنا الاثنين".
واذا كان لحنه لام كلثوم "يا مسهرني" هو الابرز في الحانه خلال السبعينات، فلا يمكن لمتابعه الا ان يتذكر نضج الحانه "تفرق كثير" لنجاة، و "اوقاتي بتحلو" لوردة الجزائرية في الثمانينات، والتي كثف من خلالها ظهوره الغنائي وفي حفلات نقلته الى عواصم عربية عديدة اخرها كانت بيروت، التي شهدت اصابته بالتهاب رئوي حاد استدعى فتح قصبته الهوائية كي يتسنى له التنفس.
وقد تميز حضوره الجميل والانيس في الاردن عبر مهرجان الفحيص السابع 1996 بتقديمه لعدد من الاغنيات التي قربته من جمهور غفير حضر للاستمتاع بطريقته في الغناء وكان لانشاده "الارض بتتكلم عربي" الوقع الخاص عند الجمهور، نافس ذلك التواصل الذي حصل حين غنى مقاطع من عمله الاثير"الليلة الكبير".
"الليلة الكبيرة" لسيد مكاوي: حين يكون اللحن الموسيقى اسطورة شعبية
سيد مكاوي… القريب الى بداهة الروحية المصرية والعربية كان لا يتردد من اقتحام اشكال تلحينية عديدة، فمن توقيعات "المسحراتي" الذي ظل يلعب شخصية في الاذاعة ولاكثر من 20 عاماً اعتماداً عى قصائد فؤاد حداد الى وضعه الحان اغنيات تصاحب الاعمال الدرامية التلفزيونية او حتى (الفوازير)! وضمن تلك اللائحة المتعددة من الاشكال اللحنية، لا يمكن للمستمع الا ان يجد فيها حلاوة النغم وقوة الطرب والصدق التعبيري…
هكذا يرحل سيد مكاوي بهدوء تاركاً لنا "ليلة كبيرة" من الالحان.
*متابعة نشرت بعد يومين من وفاة سيد مكاوي..صحيفة "الرأي" 27/4/1997 |