اغنيات (الهارد روك) هل اعطت الحب اسماً رديئاً؟

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       30/11/2009 06:00 AM


وصفت كبيان غير مكتوب لاجيال الغضب
اغنيات "الروك".. هل أعطت الحب اسماً رديئاً؟

منذ السبعينات ظهرت اغنيات "الهارد روك" لتشكل بنصوصها الغاضبة وجحيم موسيقاها الصاخبة، بياناً غير مكتوب لاجيال الغضب في اوروبا والولايات المتحدة على وجه التحديد بل  انها كاغنيات كانت تظهر وكأنها تؤازر دعوات الشباب الرافض للتجنيد والموت في ادغال فيتنام وغاباتها اثناء الحرب.
انها كاغنيات كانت تدفع الاحساس باللاجدوى نحو احساس بالغضب على تجار الحروب وشركات الاسلحة، على كل القيم التي تدعو لتقديس الموت وان كان ذلك يتم تحت شعارات وطنية، وفي الوقت ذاته ترثي اوقات الحب والاحلام المقبورة ضمن مقابر تتسع لضحايا الحرب.
وقد يتذكر مشاهد فيلم Hair للمخرج السينمائي ميلوش فورمان كيف وظفت الاغنيات الجارحة في الفيلم لتعكس قوة الازمة التي كان يحسها الشباب الامريكي وهو ينظر نحو جثث متصلة فيما (المجتمع الرسمي) يقيم احتفالاته وامسياته ببرود تام، وهنا تولت الاغنيات لا الحديث اليائس حسب بل اظهار سياق موسيقي جديد قام على وجود عدة غيتارات زاعقة، وطبول لا تهدأ في ضرباتها، ومغنين وموسيقيين بشكل خارجي لا ينتمي الا الى الغربة التي تحقق الصدمة.
 
بالمقابل كانت مشاعر الحب في اغنيات "الروك" غاضبة هي الاخرى، لا ميوعة فيها لا وصف تقليدياً عن الهيام والسهر بقلق او العناقات الحالمة، هنا مشاعر الحب تأخذ صياغات اخرى، فيها التهكم من نمطية المحبين ومحدودية مشاعرهم، وعوضاً عن "رومانسية" فياضة يدعو العاشق في اغنيات الهارد روك الى ان "تدع حبيبته رقبته بعيداً عن حبال الماضي التي تحاول شنقه بها!"
وجاءت اغنية فريق الروك بون جوفي، التي حملت عنوان "انت اعطيت الحب اسماً رديئاً"
You give love abad name  لتعطي احساساً بان الحب هو ما يتجاوز فكرة (العاشق والمعشوق) وصولاً اى وصفه كمدخل واسع لتغيير حياة الكائن ودفعه نحو افاق جديدة لحياته الشخصية بعيداً عن فوضى الايقاع العادي واليومي المكلل بالضغائن والتفاهات.
 

حين صارت اغنية فريق بون جوفي ايقونة في الثمانينات
 
وقيل عن هذا النوع من الاحساس بالحب بانه مصاب بانفصام شديد، فهو اذ يدعو الى لحظة صفاء كالحب، يملأ المستمعين بضجيج لا ينتهي هو صلب الموسيقى في اغنيات "الهارد روك" وكان هذا النقد الاحتجاجي احادي النظر في تعامله مع غناء الهارد روك، فثمة الحان لا تنتهي كانت تبدعها فرق عديدة تعتمد ما يسمى  بـ"Slow Rock  "وفيه نتعرف على "ميلوديات" لحنية وان كانت لا تتخلى عن صفة الحد والقوة، فاغنية مثل is this love? للفريق الغنائي 
white snake  لا تنسى ان تحسس سامعها برهافة مشاعر الحب فيها، لكنه بالتأكيد لن يجد فيها ميوعة الباحثين عن عناق وقبلات لا تنتهي، انها تتساءل عن حب آخر، حب متوقد الدهن مدهش، غريب غامض، مفاجيء ويحيل التخاطب بين الرجل والمرأة الى تجاذب (مشترك) بين كيانين مستقلين.
وقد يصبح الحب مخنوقاً وفي ازمة حقيقية قد يعبر عنها المكان الضيق، كما في اغنية"الحب في مصعد" Love in alavator التي غناها فريق الهارد روك Aerosmith  بل انه نمط من مشاعر الحب القريبة لايقاع عصرها تماماً، عصر مخنوق ومضغوط عليه من كل جانب عصر محكوم على الانسان فيه ان (يصعد) و (ينزل) بآلية تتحكم فيه بقوة.
انها مشاعر مأزومة ايضاً في اغنية November Rain للفريق الغنائي
  Roses and Guns وان حاولت الموسيقى عبر الاستعانة بشكل التقديم الكلاسيكي (الاوركسترا السيمفوني) ان تعطيها ملمحاً وجدانياً  عريضاً شكل المقدمة اللحنية للاغنية، والتي ما تلبث ان تتراجع امام زحف متصل من زعيق الغيتارات الحاد، كناية عن تراجع البراءة لصالح الفوضى والتمزق.
هكذا هي الحال ايضاً في اغنيات (غاضبة) عن الحب عند الفريق الغنائي Leppard def فهي ترثي الانسان الذي حوله عصره المأزوم الى كائن ممسوخ فاقد القدرة على اثبات انسانيته مثلما فقد ضارب الطبول في الفريق ريك الين ذراعه التي قطعت في حادث! بل انه كما تصوره احدى اغنيات الفريق قد تحول الى كائن شبه الي لا يجيد الا فتح فمه والصراخ رعباً واحساساً متواصلاً بالخوف.
وفي هذا المنحى يتحول الحب الى رثاء للاحلام الشخصية في وقت لم تعد فيه الاحلام (قابلة للصرف) وذلك في اغنية "حتى تضرب نبضة قلبي على بابك "
 Till my heart beat down your door  التي غناها الفريق السكندنافي "يورب" في مجموعة حملت عنواناً قائماً على المفارقة "سجناء في الجنة"
 Prisoners in paradise ومن خلال هذه المفارقة التي تجيء بها الاغنيات ومشاعرها يضعنا الفريق في اجواء الرفض والامتعاض التي تزخر بها اغنيات "الهارد روك"، الرفض للاغتراب الانساني والامتعاض الشديد من ندرة الحب وقسوة الحياة في ايقاعها اليومي على بني البشر.

وصولاً الى ما يشبه الخلاص، حاولت بعض الاغنيات البحث عن المحبة في مدار اليوتوبيات والتوحد الصوفي كما عند اغنيات الفريق الغنائي Nirvana  فهي تقارب عجز الفرد (الملبد بغيوم الحاضر) وتدعوه لشيء من عدم الاكتراث، فحياته او موته سيان، سيرة متواصلة عليه ان يبحث من خلالها في بواعث كينونته، من هنا يمكن فهم انتحار مغني الفريق كيرت كوبين، وليس استجابة لدعوات شيطانية كما اشيع في اوساط صحافية تعتمد الاثارة وتغليبها على الحقيقة.

ترى من الذي "اعطى الحب اسماً رديئاً" اغنيات "الهارد روك" ام عصرنا المأزوم بفوضى البحث اليائس عن مكان خارج الانانيات المتصاعدة لمصادر القرار فيه والتي تعامل البشر كاشارات رقمية ووفق مفهوم "القطيع"؟

* مقالة نشرت في صحيفة "الرأي" 19-9-1997



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM