ياني: مؤلف يكتب موسيقاه وفق مفاهيم من عصرنا

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       30/11/2009 06:00 AM


ياني: حوّل الموسيقى من امتياز للنخبة الى عرض مفتوح
ولد المؤلف الموسيقي المعاصر (ياني) في اليونان، وتخرج من جامعة مينسوتا الاميركية بشهادة اولية في "علم النفس"، وضمن رؤية تنبع من (الروحي) وتعقيدات الانعكاسات التي تتركها الاحداث على النفس، وتتداخل مع موهبة كانت تميل الى التناغم، واحالة المشاعر الى توافقات وتوقيعات، بدأ ياني بحثه عن وسائل معاصرة لتحقيق موسيقى برؤى معاصرة ايضاً.
سبق ياني الى ما يسمى بـ"موسيقى العصر الحديث"  NEW AGE MUISC
مؤلفون وكتاب، حاولوا الاستفادة من الانجازات البارزة التي حققها العلم، بخاصة في تقنية الصوت وتعدد مستوياته ومصادره، والكثير من هؤلاء، ربطوا بين وسائل العصر المتطورة ومفاهيمه في مؤلفاتهم، لا بل حتى في وسائل تقديم موسيقاهم، وزادوا على ذلك بان توصلوا الى نتيجة طالت في اختلافها حجر الزاوية في بناء الموسيقى، فهم يقولون بان "الهارموني" لا يتحقق بالضرورة عن طريق "السلم الموسيقي" بل انه يتحقق عبر فكرة التوافقات بين جملة لحنية واخرى عبر تأثيرها النغمي، لا عبر بنيتها الموسيقية.
ومؤلفو في تلك الموجة، استعاضوا عن وجود الاوركسترا بمجموعة بسيطة من الالات الالكترونية المحورة عن البيانو -او مايعرف خطأ بانه اورغ- وهي مجموعة من آلات "المولاف الالكتروني Synthesizers  والتي لها القدرة على حفظ اصوات كثيرة تمتد لتشمل طبيعة الاداء الصوتي لكل الات الموسيقى المعروفة في العالم، اضافة الى كل ما في الطبيعة والحياة المعاصرة ايضاً من اصوات.
وهذه الالات استخدمت احياناً بطريقة غريبة(لمجرد المغايرة) فاعتبرت بديلاً عن الاوركسترا، واعلنت عن موت الالات الموسيقية الاصلية، كذلك موت المؤلف الموسيقي وقائد الاوركسترا والموزع...الخ، وبالغت بعض الدعوات في التعامل مع الالات المتطورة في تقنياتها، ودعت الى التعامل مع ضجيج حياتنا المعاصرة وباعتباره (نغماً) معاصراً!!
ورغم ما حققته بعض تلك الدعوات من (نجاح)، وتحقيق بعضها (نفوذاً) بين اوساط الانتاج الموسيقي المعاصر، الا انها لم تستطع ان تمنع مؤلفين موسيقيين من الاستعانة بالتقنيات الجديدة دونما الانقطاع عن (سحر) الموسيقى المتوارث جيلاً بعد جيل واسلوباً بعد اسلوب، ومن هؤلاء كان المؤلف (ياني)، الذي استطاع كتابة موسيقى قائمة على رؤى معاصرة انفصلت مقاطع كثيرة منها عن الالتزام الحرفي بالسلم الموسيقي، وجددت في فكرة (الهارموني) وانتاجه.
 

ياني: موسيقى من عصرنا
 
لم تسحر (ياني) فكرة الانقطاع التام عن شكل راسخ في العرض الموسيقي وترجمة القطعة الموسيقية الا وهو شكل (الاوركسترا)، وهكذا زواج (ياني) بين تحديث القطعة الموسيقية واستخدام الات متطورة تقنياً في العزف، وبين وجود الاوركسترا الموسيقية التي تتضمن لا مجرد الالات الاصلية، بل ضم العديد من العازفين المنفردين المميزين على بعض الالات الموسيقية.
هذا الاسلوب القائم على المزج بين تأليف موسيقي معاصر يتصل برؤى عصرنا وتحدياته، وبين شكل مألوف ومتوارث في التقديم والعرض الموسيقي (الاوركسترا)، قاد (ياني) الى الوصول الى اعتاب مرحلة مميزة، وهي مرحلة تغيير الانطباع السائد عن الموسيقى و(نخبويتها) نحو جعلها (عرضاً مفتوحاً) يستقطب الاف الحضور.
في جانب العروض الحية لحفلات (ياني) الموسيقية تقول الارقام: "حتى عام 1995 قدم ياني حفلاته في 30 بلداً وحضر تلك الحفلات مليون وربع المليون من الاشخاص، وباع من اسطوانة حفلته في الاوكروبولس -عرضتها معظم شاشات التلفزة العربية- اكثر من خمسة ملايين نسخة، وباع من شريط الفيديو الخاص بتلك الحفلة سبعمائة الف نسخة كما اخذته حفلاته في المدن الاميركية خلال جولة فنية الى 46 مدينة على امتداد عشرة اسابيع وحضر تلك الحفلات اكثر من نصف مليون شخص، وباعت عموم اسطواناته ومنذ عام 1986، 11 مليون نسخة في مدون عديدة من العالم.
 
ان (ياني كريسوماليس) وهذا هو اسمه الكامل، قدم عبر العديد من الاسطوانات من بينها "الجرأة على الحلم" و"انعكاسات العاطفة" مفهوماً جديداً في الانفتاح على الحان وموسيقى من خارج دول الغرب المتقدمة، فثمة موسيقى الشرق الاسيوي، كذلك موسيقى والات سكان استراليا الاصليين، كذلك في اتصال موسيقاه مع اشكال كلاسيكية في الموسيقى، فمع مقطوعته "اريا" التي قدمها في حفلته بقاعة "البرت هول" بلندن اعاد ياني توزيع مقطع قصير من اوبرا فرنسية كتبت في القرن التاسع عشر، وكانت شبه مغمورة، واشتركت (لاين ديفز) و(فران لوغان) في غناء النسخة المعاصرة من الاوبرا، ولقوة اعادة ياني، اختارت الخطوط الجوية البريطانية هذه المقطوعة كلازمة موسيقية لحملتها الاعلانية.

هذا الاتصال مع اشكال موسيقية تقليدية وكلاسيكية، يبدو واضحاً لكل من تابع ياني في حفلاته الموسيقية، فالاوركسترا التي تصاحبه تضم 45 موسيقياً محترفاً وبمستوى عال في العزف غالباً ما يرافقونه في جولاته الفنية، ومن بينهم عازفة (الكمان) شديدة الحيوية والمنفردة الاداء كارين بريجز، والعازف راي براون على (التراومبيت)، وبيدرو يوشتاخ عازف (الفلوت)، وقائد الاوركسترا وعازف (الكمان) ايضاً ارمين آناسيان الذي يدخل دائماً في حوارات على الكمان مع العازفة كارين بريجز…

احياناً يبدو (ياني) شخصاً "استعراضياً" اكثر مما يبدو مؤلفاً موسيقياً، او قائد اوركسترا على جانب من الرصانة، فهو يخرج على حركات قائد الاوركسترا المعروفة، ويخرج على حدود الانفعال الملموسة عند عازف البيانو -غالباً ما يعزف ياني اجزاء من مقطوعاته… ويعتبر كثيرون مثل هذه الحركات (الانفعالات الاستعراضية) بعيدة عن ملامح الموسيقى الرصين، ولكنها عموماً ليست بالمؤشر الحقيقي لقياس (الجودة) الفنية، ومظهره الخارجي الصادم لذوق البعض ليس مهماً قدر اهمية تركيبة النغم الساحرة في اعماله، وقدر انجازه البارز في تحويله الموسيقي من عمل تهتم به (النخبة) الى (عرض مفتوح) يستقطب بتأثيره الفني ملايين الناس…

*مقالة نشرت في صحيفة "الرأي"  18/7/1997



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM