كاميليا جبران وفرقة صابرين: الغناء الروحي العذب يليق باحلام المتعبين

تاريخ النشر       28/11/2009 06:00 AM


عمّان- علي عبد الأمير
قدمت فرقة "صابرين" الفلسطينية درسا على "المسرح الشمالي" في جرش 2001،  درسا جديرا بان يتعلم منه موسيقيون ومغنون درجوا على وصف اعمالهم بـ"الغناء البديل" او "الموسيقى المختلفة" وغير ذلك من التسميات، فغنت كاميليا جبران بصوت عذب خضبته الالام والامال، ووقع سعيد مراد الحانا مبتكرة لكنها لا تتقاطع مع الموروث النغمي العربي الاصيل.
الوطن كان حاضرا شفيفا عذبا بلا شعارات ودون جعجعة فارغة، الارض حضرت عبر اللمسة الانسانية، ودائما في قوالب موسيقية لا تبالغ في افتراقها عن ذائقة المتلقين ، فكانت الرسالة الانسانية للفرقة، ودفاعها الحار عن كل ما هو حقيقي، منسجمين مع غناء لا "يخجل" من الطرب العربي، ومع قوالب موسيقية وغنائية عربية تنهل من الكلاسيكيات وان كانت تبدو احيانا منفتحة على روح موسيقى "الجاز" وارتجالاتها في الغناء والعزف، وعلى موسيقى "البلوز" في جوهرها الانساني القائم على تحويل المعاناة اليومية الى انغام شجية.
 
واذا كان غناء جبران ياتي في تلويحات صوت لا تخطيء الاذن شجوها وعذوبتها، والحان سعيد مراد اثبتت ان الحديث ممكن عن "شكل معاصر للمموسيقى العربية" فان العازفين: وسام مراد (عود+ايقاع)، شيرلي (تشيللو) سارة مورسيا (كونتر باص)، بشير الاسدي (كمان) ما كانوا اقل من المستوى اللافت في الغناء والالحان، وكان حضورهم مشعا كجمال الاغنيات وعذوبة الحانها.
 

كاميليا جبران: صوت طليق كما الالم، وشجي كما العاطفة
 
غنت كاميليا جبران "هل كان عندن بيت/وصورة عليها ناس معلقين بخيط/وقعوا على سطوح العمر وتلقفهن حجار/ وقعوا مثل يوقع المشمش عاولاد صغار". صوت كاميليا في الاغنية، طليق كما الالم، وشجي كما العاطفة حين تبوح اسرارها، قابلة عزف متقن على (التشيللو)، وتوقيعات حرة على (كونترباص).
والمظهر الزاهد لكاميليا يضفي على غنائها طابعا روحانيا حميما "عرفانيا"، ويتصل بجوهر ما تغنيه كما في اغنية "شجر البن" (شعر طلال حيدر) وفيها انتجت انغام سعيد مراد اجواء موسيقية محلية (تقاسيم العود) تتصل مع تنويعات موسيقى الجاز الحرة.
ومن كلمات الشاعر الغنائي المصري سيد حجاب قدمت "صابرين" اغنية "في سكوت الليل" وشعت الوانا من الاداء الغنائي الرفيع، فثمة التعبيرية الى جانب التطريب وفق بناء موسيقي يجرب مستوياته النغمية. وللشاعر ذاته غنت الفرقة اغنية "البحر" فغنت كاميليا بمتعة ونشوة مع بحر، ورفرفة طير، واندفاع موج، لتنفتح المعاني باتساع البلاد "بحب البحر" واحب الورد، واحب الناس/واحب نعيشها احرار مرفوعين الراس/ولا تفرقنا لا الالوان والاجناس/واذوب في اذان يرفرف تحضنه اجراس" كل هذا الكلام واحالاته ياتي ضمن صياغه موسيقية لا تتنازل عن شرطها الفني، فثمة تنوع نغمي وتلوينات في الصوت الغنائي، جعلت من "البحر" اغنية نادرة في جمالها.
من الجو ذاته تاتي اغنية "غنا" وفيه لا تتوقف موهبة جبران عند الغناء بل تمتد الى العزف، فتلعب اناملها برشاقة على القانون، مشيعة روحا اغنت كلمات سيد حجاب وتجلياتها.
وجاءت قصيدة "لحظة" لفدوى طوقان جوهرة حفل فرقة "صابرين" ففي غناء كاميليا اجادة لقالب غناء القصيدة من النطق السليم للمفردات وتوقيعها الرشيق الى عرب في الصوت محسوبة ودونما افراط. وفي اللحن يبدع سعيد مراد في استعارة شكل "السماعي" (احد اشكال التاليف الموسيقي العربي) مازجا به مع قالب غناء "الموشح" ومتصلا بالاثنين مع فضاء مبتكر من حرية انغام الجاز. هنا تبتكر "صابرين" مقاربة خاصة بها لغناء القصائد، فهي ضمن المختبر النغمي ذاته تقارب قصائد محمود درويش وسميح القاسم وطوقان، مبعدة عن شعرهم المغنى "غرابة" و "جفافا" غالبا ما يقع فيهما موسيقيون ومغنون فلسطينيون وعرب يتصدون بالحانهم لشعر هو يفيض اصلا بالموسيقى!
التجريب الموسيقي عند "صابرين" لا يتوقف عند القصائد الفصيحة او الدارجة او حتى الى تلك الاغنيات المتصلة بالموروث الحكائي الشعبي "عنتر عابس " بل يمتد الى تلك النماذج الغنائية المتصلة بحلقات التصوف وغنائها "صلي ع اللي" وان كانت تتضمن روحا حرة وانبعاثية تتكىء على افكار معاصرة "ان كان حفينا/ لكن فينا احلام دفينة".
 
و......"فرقة صابرين": تحديث غنائي حقيقي يشهده "مهرجان الموسيقى العربية"

القاهرة-علي عبد الامير
 اشرع مهرجان الموسيقى العربية في دورته العاشرة امواجه على تحديث حقيقي في النغم العربي، ذلك الذي مثلته "فرقة صابرين" الفلسطينية، والاداء التعبيري اللافت لصوت المطربة كاميليا جبران في عرض شهدته "دار الاوبرا المصري".
 وقدمت الفرقة التي غاب عنها ملحنها وصاحب نهجها الموسيقي سعيد مراد، عددا من الحانها الحديثة ومن بينها قصيدة "عن انسان" للشاعر محمود درويش، وفيها ابتعد اللحن عن"حماسة" تقليدية غالبا ما تسقط فيها الالحان التي تتعاطى في غنائها شعر صاحب "سرير الغريبة" وحضر التعبير والاداء والغناء الرقيق الذي قاربت فيه كاميليا فكرة الحرية والدفاع عن الوطن، بالطريقة التي تقارب فيها الاغنيات موضوعا عاطفيا محببا.
 

فرقة صابرين: حداثة غنائية في مهرجان موسيقي كلاسيكي
 
 تحديث الانغام وبشكل لا تخفى جرأته كان حاضرا في لحن سهل "كان عندنا بيت" التي صاغها شعرا، اللبناني طلال حيدر، واللحن الذي استفاد من جوهر "موسيقى الجاز" في التدفق الحر للانغام واللعب على الجمل الموسيقية، قد يكون اثار اكثر من علامة استفهام بين صفوف جمهور المهرجان الذي اعتاد تلقي الانغام وفق نظامها المستغرق في نمطية لحنية، غير انه ما لبث بعد تنويعات من اداء كاميليا جبران ان اصبح نغما قريبا من المتلقين.
و"الانسجام" بين صاخبة الشكل الغنائي الحديث والجمهور دخل مرحلة متقدمة، مع غناء كاميليا جبران قصيدتين من شعر المصري سيد حجاب، حد ان الجمهور لم يتردد في الاستجابة لطلب كاميليا في ان يشاركها الغناء مع "و..صلي".
 وكي تؤكد "فرقة صابرين" ان نهجها التحديثي للاغنية العربية لم يكن تحديثا استعراضيا فجا، وانما كان قائما على فهم عميق للقوالب والاشكال الموروثة، فقد نجحت في تقديم ثلاثة من اعمال الراحل واول المجددين في الموسيقى العربية سيد درويش، فالعازف والمؤدي وسام مراد غنى موشحا واحد "ادوار" صاحب "بلادي بلادي" قبل ان تختم كاميليا جبران باداء فيه تلوينات الصوت وطلاوة الاداء لـ"دور" اخر وبلغت فيه من الاقتدار درجة جعل الجمهور المتذوق لفنون الموسيقى العربية في "دار الاوبرا" يقف لها احتراما وتقديرا وثناء من المراتب القادرة التي يقابل فيها مطرب لم يكن "معروفا" مثلما هي حال جبران و "صابرين" عموما.
كاميليا جبران قالت لـ"الراي" ان استجابة الجمهور، كانت مؤشرا على تذوقه وحاجته ايضا للاعمال الغنائية الحديثة، وان خطوة "فرقة صابرين" الاولى هذه في مهرجان الموسيقى العربية بدت خطوة مشجعة في تاثيراتها، وانها قد تشجع على البحث عن اشكال حديثة اخرى في الغناء العربي، لكن مع احتفاظ الشكل الحديث بصلة وفهم لجوهر الموروث النغمي العربي.
 
*متابعتان نشرتا في صحيفة " الرأي" 2001


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM