على هامش ندوة " المجمع العربي للموسيقى": من قال ان الغناء القديم جيد ليصبح الجديد رديئا؟
عمّان- علي عبد الأمير اثارت النودة العلمية التي اقامها " المجمع العربي للموسيقى" التابع لجامعة الدول العربية وضمن اجتماعه الثامن العشر في عمّان 2004، نقاشا واسعا بين موسيقيين ونقاد وصحافيين حضروا الندوة وشاركوا في اعمالها لجهة تناولها سؤالا مهما " الموسيقى العربية : تسلية ام ثقافة "؟ وكان ان انقسم المشاركون الى فريقين: الأول وعماده الموسيقيون الذين اعتبروا النتاج الغنائي العربي المعاصر تسلية (على افتراض انها صفة سلبية) وان "الجديد من الألحان ردىء وضد الثقافة "، فيما كان الفريق الثاني وفيه باحثون ونقاد وصحافيون( بينهم الزميلان عبيدو باشا وصلاح حزين )، رأى الى القضية بعين فاحصة متوقفين عند علامات من الجودة الغنائية والموسيقية، على الرغم من هجومهما العنيف على "عصابات " التسويق الغنائي و"مافيات" البرامج الغنائية التلفزيونية ، بوصفها مسؤولة عن ضخ شكل معين من الغناء بات " يسطح الذائقة" ويسىء الى ملامح ثقافية عربية لطالما كان اهل الغناء والموسيقى في ازمان خلت من رموز نتاجها وتأثيرها. ورأي سائد هذه الأيام عن غناء عربي قديم بوصفه اصيلا ورفيعا ، هو كلام فيه حكم مطلق ويفتقر الدقة ، مثلما هو ذاته الكلام عن غناء هذه الأيام بوصفه رديئا ، فلا كل القديم رفيع المستوى واصيل ويرقى بالذائقة ، مثلما ليس بكل الجديد سطحي وردىء واوصل الموسيقى العربية الى الحضيض. وعودة سريعة الى ايام " عمالقة الغناء العربي" تشير الى نماذج سطحية وساذجة في الكلام واللحن والصوت ، فلا وجود ام كلثوم منع غناء من نوع " انا لسه نونو" و " رنة خلخالي" للمطربة رتيبة احمد، ولا وجود محمد عبد الوهاب منع ظهور اغنية مثل " ابوها راضي" للمطرب صالح عبد الحي مع ان الأخير هو صاحب " ليه يابنفسج" التي لحنها رياض السنباطي .
بالمقابل تحرم النظرة السريعة وغير المنصفة الى جديد الغناء العربي، تجارب لمطربين ومطربات حقها في ان تنال تقديرا هو ما تستحقه فعلا لما جاءت به من علامات موسيقية لافتة في اللحن والكلام والاداء على الرغم من الفوضى السائدة، والتي تجعل " الأخضر بسعر اليابس". ان من يرى الى النتاج الغنائي العربي الجديد بوصفه " هجينا ولا يتصل بقواعد الغناء الاصيل ويسىء الى الذوق العام"، يحرم ما قدمه الملحن اللبناني مروان خوري غير لحن رفيع وللعديد من الأصوات ، مثلما يحرمه تحية عن " كل القصايد" اغنيته الرقيقة ( لحنه وكلماته واداؤه)، كذلك تغلق تلك النظرة عينا عن اغنيات انيسة وترقى بالمشاعر وتهذبها مثل " اد الحب" للمطربة كاتيا حرب ، و" تبكي الطيور" للمطرب وائل كفوري ، مثلما يحفل غناء نانسي عجرم على خفته بملامح من الجودة كما في " لون عيونك" ، او ما اضافته جوليا بطرس عبر اغنيتها " على شو" الى ملامح العاطفة الرقيقة التي كانت طبعت بها اسطوانتها البارزة" شي غريب"، واغنية كارول سماحة " طلع فيّ هيك"، ومن المطربة المصرية شيرين تأتي اغنية " نسيني"، دون ان ننسى اغنية سامو زين " قرّبي ليّ" ، ولا اغنية عاصي الحلاني " غالي"، وبعض غناء العراقي رضا العبد الله واغلب ما حفلت به الإسطوانة الأخيرة للمطربة المصرية انغام، فضلا عن جهد المطربة اصالة ، وصولا الى الظاهرة اللحنية – الغنائية البارزة لكاظم الساهر فضلا عن اصوات انيقة نسوية في مصر: غادة رجب ، ريهام عبد الحكيم ، مي فاروق وآمال ماهر وهي اصوات من اكتشاف " مهرجان الموسيقى العربية" الذي تنظمه سنويا ومنذ العام 1991 " دار الأوبرا المصرية" ، كذلك الأصوات باتت تقدمها ورشة صقل المواهب الغنائية في برنامج " سوبر ستار" الذي ربح المستمع من اصواته اغنيتين جميلتين هما " انتي مشيتي " بصوت ملحم زين و" وبعيد صعبة اوصلك " بصوت سعود ابو سلطان .
مروان خوري: كيف نحرم صاحب " كل القصايد" انجازه الجميل؟
ان النقد الذي توجهه اصوات الباحثين والموسيقيين العرب المتمترسين في نمط ثابت يريدونه " خالدا" على الرغم من تبدلات الازمنة والمعارف والذائقة ، يسهم فعليا في ابعاد الأجيال الجديدة عن التعاطي مع غناء اصيل من انتاج مراحل لم يعرفوا عن ايقاعها الإجتماعي والفكري شيئا ، ويدفعهم الى ادمان الإستماع الى غناء يشبههم ومن ازمنتهم حتى وان كان رديئا! وفي ما يحسن الأمين العام " المجمع العربي للموسيقى" الفنان كفاح فاخوري صنعا بانفتاح مؤسسته على الحياة الموسيقية العربية وخروج ندواتها الى الهواء الطلق ، الا ان هذا لايمنع من التساؤل باستغراب وحيال ما قدمه باحثون في ندوة " المجمع" الأخيرة : كيف نعتبر كل الغناء الجديد رديئا ، ونعتبر كل الغناء القديم اصيلا مع ان الى جانب محمدعبد الوهاب كان هناك احمد عدوية وكتكوت الأمير!
* متابعة نشرت في صحيفة "الحياة" 2004
|