مصر: أصوات نسائية شابة مقتدرة واقل منها رجالية
ومثل ما كانت مصر دائما نبعا لتجارب غنائية طبعت لفترات الذائقة الغنائة العربية ، فانها اليوم تقدم اصواتا نسائية واقل منها رجالية ، غاية في الجمال والرقة والتمكن من اداء القوالب العربية الأصيلة ، الى جانب قدرتها في التعبير عن لحظتها الراهنة عبر تقديم اعمال جديدة . واذا كانت الموسيقى العربية واشكالها هي المسيطرة على اداء الموسيقيين والمطربين المصريين الشبان فان ذلك لايعني غياب تأثير اشكال ذهبت الى التحديث ، فمن موسيقى الجاز والروك ( بلكنة عربية ) الى اعادة صوغ الموسيقى العربية في اشكال مستنبطة .
في مصر اليوم شبان بمستويات موسيقية لافتة كالذين شكل منهم عازف العود والمؤلف الموسيقي العراقي نصير شمة فرقة " عيون " التي باتت تتجول مقدمة لمسات رفيعة من الموسيقى العربية في مهرجانات عربية واجنبية الى جانب حضورها الدائم في " دار الأوبرا المصرية "، اوالذين يشكلون اليوم فرقة " بيت العود العربي " واصبح بامكانهم ان يكونوا عازفي عود منفردين مرموقين ، مبعدين نظرة تقليدية شاعت في مصر طويلا ولازمت بين عازف العود وصورته مرافقا المطربين في حفلاتهم الغنائية . ونحو احياء اشكال رصينة من موسيقى مصر وغناءها تشكلت فرقة " خماسي الحفني " مذكرة في عروضها بالحان ما برحت تجد فضاءها الوجداني على الرغم من كونها تعود الى عقود خلت .
ومع كل عام ينتظم فيه مهرجان الموسيقى العربية بدار الأوبرا المصرية ، تأكد انه بات الورشة الأبداعية للعديد من الأصوات المصرية الشابة ، فمنه انطلقت وترسخت تجارب اصوات مثل صوت المطربة آمال ماهر بخامته النادرة ، فهو من طينة الأصوات الكبيرة وهناك من يصفها بانها "ام كلثوم الجديدة ". والطابع الكلاسيكي لغناء المطربة الشابة يلقي بظلاله على مستقبلها ، فثمة تحد بانتظارها ، هو قدرتها على الخروج من كلاسيكيتها وتقديم المعاصر من الغناء.
وهذا الجانب يؤكده المطرب الشاب وائل سامي الذي يشدد على ضرورة ان يكون المطرب ابن عصره ، وان يخرج من اطار القوالب المدرسية والتقليدية على الرغم من اهميتها في بناء الصوت واشكال الإداء القويم . وسامي الذي برع في اداء اغنيات عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ ينتظر بصبر ان تفتح امامه ابواب شركات الإنتاج التي مازالت موصدة على الرغم من امتلاكه الى جانب الصوت المهذب ، حضورا رقيقا على المسرح.
ومن الأصوات الشابة التي تحقق حضورا لافتا في المهرجانات الموسيقية العربية، صوت المطربة ريهام عبد الحكيم التي كانت عرفت على نطاق واسع قبل عامين حين غنت باقتدار في مسلسل " ام كلثوم " وادت اغنيات صاحبة " الأطلال " ومثلت شخصيتها في خطواتها الأولى . ولاتبدو عبد الحكيم بعيدة في رأيها المتعلق بضرورة ان تعبر في غنائها عن ما يبديه شريكها سامي في اكثر من عرض غنائي من حماس لغناء جديد يفترق عن الشكل التقليدي ، وهي مع براعة الصوت وثقافتها الموسيقية قادرة على ان تحقق ماتصبو اليه من مكانة تليق بمقدرتها الفنية.
ريهام عبد الحكيم: أبعد من مجرد اداء اغنيات ام كلثوم الاولى في المسلسل الشهير
وفي حساسية قريبة من صوت الراحلة فائزة احمد والقدرة الأدائية للراحلة ليلى مراد ، تغني المطربة المصرية الشابة مي فاروق الفائزة بجائزة غناء القصيدة في مهرجان الموسيقى العربية العام 2000. وهي في سنواتها التي تزيد على العشرين بقليل يمكنها ان تكون واحدة من العلامات الرفيعة في الأغنية العربية خلال السنوات المقبلة .
الأردن : موسيقيون شبان يقاربون اشكال النغم الرفيع
من الغناء العربي المعاصر الى العزف على آلات " التخت الشرقي "، ومن غناء الأوبرا الى العرض الموسيقي التجريبي الحر ، هكذا يمكن متابعة نشاط الموسيقيين الشبان في الأردن وهم ينجحون في التعبير عن اوضاعهم الراهنة سياسيا واجتماعيا وثقافيا . وتتوافر في المشهد الموسيقي الأردني مواهب حقيقية كالتي تمثلها المطربة قمر بدوان الفائزة بجائزة " مهرجان القاهرة للأغنية " و مغنية الأوبرا ديما بواب التي تواصل تلقي دروسها كسوبرانو في فرنسا .كما قدمت المطربة الشابة زين عوض قدرة على المزاوجة بين الغناء الموروث والمعاصر بحسب رؤية موسيقية لافتة للملحن الشاب وائل الشرقاوي.
وفي فنون العزف نجد وعيا لأهمية التعبير في الموسيقى العربية عند شبان مثل ايليا خوري ( عود) وصلاح الدين مرقة ( قانون) الى جانب العديد من العازفين على آلات الأوركسترا الغربية الذين يكونون "اوركسترا شبيبة المعهد الوطني الأردني للموسيقى" والتي صارت واحدة من علامات الموسيقى الرفيعة ، وتشارك في العديد من المهرجانات العربية والعالمية ، آخرها في المانيا الأسبوع الماضي.
العازفان الاردنيان صلاح الدين مرقة (قانون) وايليا خوري(عود)
واذا كانت " مجموعة رم" بقيادة المؤلف والملحن طارق الناصر دلالة على تجربة اردنية ناجحة في الموسيقى المعاصرة ، فانها تكاد تكون ورشة عمل ، باتت تقدم افضل التجارب الشابة في الموسيقى الأردنية ، لا في حداثة اعمار عازفيها ومنشداتها وانما في الروح التجديدية التي يأتي فيها انتاجهم .
العراق : مواهب تبددت بين الحصار والحروب
الموسيقيون والمطربون العراقيون الشبان عانوا قضيتين اتت على امكان نضج سريع ومثمر لمستوياتهم الفنية ، فالذين كانوا داخل البلاد ،عانوا تأثير الحصار الذي افقدهم التأثير الإجتماعي في حال توفر اعمالهم على رصانة فنية ، مما جعل الميدان حكرا على الغناء الشعبي الهابط ( المطرب حاتم العراقي ومحمود العيساوي وباسم العلي )، ولذا لم يعد المجال ممكنا امام تجارب غنائية ناضجة مثل المطرب مهند محسن، عادل المنشد وماجد المهندس الذين توزعوا بين دول الخليج ومصر بحثا عن فرص افضل ليقعوا ضحية منتجين لايقدّرون مواهبهم والوانهم الغنائية التي تتنوع مابين القديم والجديد لحنا وكلاما، واغنية " الشوك والحرير " للمطرب الملحن مهند محسن ، مؤشر على براعة لم تجد من يقدّرها في هجرة بدأت الى دولة الأمارات منذ ثلاثة اعوام.
المطرب ماجد المهندس: لمسة عراقية جديدة في الغناء العاطفي
والعازفون العراقيون الشبان وعلى مختلف الالات العربية والغربية تجدهم اليوم موزعين على خارطة تكاد تغطي الكرة الأرضية ، فعازف العود رائد خوشابا في المانيا ، و عازف البيانو ترافليان ساكو ، وعازف الغيتار والمطرب سيف شاهين في كندا ، وعازف القانون فرات قدوري متجول مابين المانيا وبلجيكا . عازفون في الإمارات والأردن باتوا لكثرتهم قادرين على تشكيل فرق كاملة لوحدهم ، فرق موسيقية للجاز وللموروث العربي وللكلاسيك الغربي ايضا.
وبين تأثير الحصار والحروب تبددت قدرات من معول عليهم اغناء التجربة الموسيقية المتقدمة لبلاد موسيقيين كبار كالقبانجي والغزالي وجميل ومنير بشير وسلمان شكر وغيرهم.
*مقالة نشرت في صحيفة "الحياة" 2001 ولاحقا في مجلة "الموسيقى العربية"