غلاف اسطوانة "جذور الفلامنكو"
الحركة الاولى من مقطوعة "جذور الفلامنكو" جاءت وفق "مقام جهاركاه" المتداول في المقام العراقي في بغداد ويعقب ذلك منوعات واجناس مختلفة من هذا المقام تستخدم في شمال تركيا واذربيجان وكازخستان وغيرها من البلدان التي تأثرت بالموسيقى العربية العباسية اثناء الفتح العربي الاسلامي اضافة الى مؤشرات في حركة النغمات الموسيقية الشائع استعمالها في اسبانيا.
وفي الحركة الثانية من المؤلفة التي تبلغ (62) دقيقة ينتقل بشير الى (مقال الحجاز كاركرد) هذا المقام القديم والمستعمل في المشرق العربي وتركيا وبلدان آسيا الوسطى والهندو كما يعتبر من اهم المقامات العربية التي اثرت في بناء الموسيقى الاندلسية نفسها وبخاصة موسيقى الفلامنكو.
وفي الحركة الثالثة ينتقل الى (مقام حجاز كار) الذي يعتبر من اقدم المقامات العربية وتمتد جذوره الى الحجاز والجزيرة العربية وهو من المقامات ذات الاشكال الكثيرة في الاساس الواحد، وقد استعمل في الكثير من الالحان الدينية قديماً ولا يزال يعتبر من المقامات الاساسية في الموسيقى العربية وقد نقل الى اوروبا من خلال انتقال الحضارة العربية الاسلامية الى اسبانيا وبعض بلدان شرق اوروبا واليونان وجنوب ايطاليا.
وبمثل ما بدأ مولفته بمقام (الجهار كاه) ينهي منير بشير بالمقام ذاته حيث يقوم عبر عوده بالانتقال بهذا المقام في اتجاهات جغرافية مختلفة في حضارتها الموسيقية وبخاصة الموسيقى التي تسمى بالفلامنكو في اسبانيا:
"الفلامنكو موسيقى اندلسية وليست غريبة علينا، لان اصولها عربية رغم اختلاف البيئة وربما لهذا السبب يطلق عليّ نقاد الموسيقى بانني فنان تشكيلي على آلة العود، ولي محاولات في تأسيس فرقة موسيقية للبحث عن الموسيقى الاوروبية التي تأثرت بالموسيقى العربية".
عمر بشير:
اي موقع للعود ما بين المؤثرات الاليكترونية وبين فرانز ليست؟
عازف العود الشاب، عمر بشير، نجل الفنان العراقي الكبير الراحل منير بشير، اقام له (معهد العالم العربي) في باريس قبل فترة امسية، قدم فيها عدداً من معزوفات وقعها والده، او تلك التي كتبها العازف الشاب، وغيرها من المقطعوات التي تنهل من موروث الغناء والنغم العراقي والعربي.
واستطاع عمر بشير المولود في بودابست عام1970 ، ودرس العود وهو في الخامسة من عمره على يد والده، ان يلفت الانتباه الى شخصية تعود اليه وتعكس علاقة خاصة بالعود واسلوب العزف عليه، رغم انه خرج من اكبر مدرسة للعود عراقياً وعربياً.
ومن امسيته الموسيقية تلك الى اسطوانة جديدة "من الفرات الى الدانوب" صدرت له في بيروت التي يزورها هذه الايام، وفيها يذكرنا عمر بما فعله والده الراحل من استخدامه العود برفقة مجموعة من المؤثرات النغمية الاليكترونية (وكانت جديدة في حينها) اثناء اقامته في بيروت اواخر الستينات، فيبدأ عمر الاسطوانة بمعزوفة "ام سعد" التي كتبها الراحل منير بشير، وتعكس تدفقاً روحياً عبر رشاقتها الايقاعية، ولكن عمر لا يعزفها على عوده حسب بل يدمج ذلك مع الات ايقاعية اليكترونية، بدت منفصلة عن جو اللحن، رغم ان التوزيع حاول ان يبقى على مساحة خاصة للعود، وقد يقصد عمر بشير من اعتماده شكل التوزيع الموسيقي هذا، تقريب العود الى اجيال جديدة من المستمعين، فهو يجعلهم من خلال اطار ايقاعي سائد يدخلون الى اجواء العود، وانغامه وسحر اجوائه.
عمر بشير: أساس موسيقي ينتمي الى مدرسة بشير الاب
ومثل هذا المعنى ليتأكد من خلال المقطوعة الثانية التي حملت عنوان "ليالي بغداد" وكتبها عمر بشير نفسه، وفيها (تقاسيم من مقام النهاوند مع سماعي)، وصاحبت العود في تنفيذها، مؤثرات والات موسيقية اليكترونية، وزعها قاسم الصابونجي.
ويوجه بشير تحية الى الموروث الهنغاري، بعزفه على العود مقطوعة من فرانز ليست "جارداش"، حضرت فيها الات موسيقية اعطت اللحن هويته الاصلية.
والى عيون الموروث الغنائي العراقي يتوجه عمر بشير، ليعزف بمصاحبة الـ"كي بورد" و توزيع قاسم الصابونجي، لحن اغنيتي "جي مالي والي" و" تجفي وتصل لعداي"، فيظهر فيهما روحية اسرة تتعلق بغنى وتنوع العراق بينة لحنية وموسيقية واجتماعية.
وينهي عمر بشير اسطوانته التي حملت عنوان من "الفرات الى الدانوب" في اشارة الى تنوع حياته ما بين مكانيت ومؤثرين: الولادة في بودابست والنشوء والتكوين في العراق، ينهي اسطوانته بمعزوفة "ذكرياتي" التي تبدو كأساس لحني منتمية الى مدرسة بشير الاب، بقوة وتتصل بجذر موسيقاه القائمة على اظهار (الصمت) في العمل الموسيقي والعناية به كأحد الملامح الرئيسية للموسيقى العربية.
فلحن المقطوعة الذي جاء على قالب السماعي وما حفلت بن من تقاسيم من مقام الحجاز كاركرد، بدأ مهتماً بهذا الملمح، الذي يؤكد التمهل والمراجعة، ومن ثم ينقل السامع عبر (الصمت) الى لحظة عميقة هي اقرب الى التأمل الوجداني.
يذكر ان الفنان الشاب عمر بشير، قد بدأ في سن السابعة بدراسة الموسيقى في (مدرسة الموسيقى والباليه) في بغداد، وعزف منفرداً لاول مرة على آلة العود وهو في التاسعة من عمره في احدى الحفلات التي تقدمها المدرسة، وواصل بعد تخرجه من مدرسة الموسيقى والباليه دراسته الفنية في معهد الدراسات الموسيقية وقدم خلالها عدة امسيات في العزف المنفرد على العود، ثم واصل دراسته في جامعة العلوم -قسم الموسيقى باختصاص تدريس الغناء الكورالي والصولفيج في هنغاريا.
و واكب عمر بشير تشكيل (فرقة البيارق الموسيقية)، التي اسسها الراحل منير بشير لتصبح منبعاً لافضل عازفي الموسيقى العربية الشبان في العراق، وشارك في مهرجانات فنية عربية مثل بابل (العراق) وجرش (الاردن) والموسيقى العربية بدار الاوبرا (مصر) الى جانب امسيات في العزف المنفرد على العود في كل من معهد العالم العربي ودار ثقافات العالم (باريس) ومهرجانات في هولندا وسويسرا وهنغاريا وحفلات متفرقة في تركيا، روسيا، المغرب، تونس، الاردن (اثنان منها مع والده الراحل منير بشير) اضافة الى سوريا ولبنان.
*متابعة نشرت في مجلة "الموسيقى العربية" 1998