القاهرة –علي عبد الأمير هاجم باحثون واكاديميون راهن الغناء العربي المعاصر خلال ندوة اقامها على مدى يومين في " دار الأوبرا المصرية " مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية الحادي عشر ( 1-10 تشرين الثاني 2002) ، مؤكدين ان مايسمع اليوم من اغنيات لايتصل بالتقاليد الفنية للغناء العربية الأصيل ، ويشكل بمجمله هجينا يتنكر لمرجعياته العربية. وفي ما غاب" اصحاب القرار " في النتاج الغنائي العربي المعاصر ( المنتجون ، الملحنون ، المطربون ، ممثلو محطات الإذاعة والتلفزة ) عن الندوة كان المساهمون الذين مثلول مختلف الدول العربية قد مضوا في هجاء جماعي للغناء المعاصر ، ولم يتردد غير واحد منهم في اعتبار " الإنحدار الذي اصاب الأغنية العربية المعاصرة ، جزءا من خطط معادية للعرب تنفذها العولمة " . الجلسة الأولى في الندوة التي شاركت فيها " الرأي " تراسها وكيل المعهد العالي للنقد الفني ( مصر) د. زين وحاضر فيها د.معتصم عديلة( فلسطين) الذي اشار الى ان" لايمكن الحديث عن تاريخ الأغنية الفلسطينية المعاصرة الا عبر العودة الى بدايات القرن العشرين . الأغنية الفلسطينية بحسب استاذ الموسيقى في جامعة القدستنقسم الى اغنية محترفة ( الأغنية المتفنة) والأغنية الشعبية التي ترددها الناس بتلقائية. ورآى عديلة ان الأغنية الفلسطينية المعاصرة عاشت مراحل زمنية: مرحلة بدايات القرن العشرين الى 1948 .ومرحلة اغنيات العودة من 1948 الى النكسة في العام 1967 ومن ذلك حتى العام 1994 ( قيام السلطة الفلسطينية ) . ملمحا الى اللحظة الراهنة "عودة الإنتفاضة ومعها عادت الأغنية النضالية ". وسلط الباحث د. عبد الله السباعي، الضوء على واقع الغناء العربي المعاصر في ليبيا معرفا باربعة انواع من الغناء فهناك غناء التراث (الذكر ، المديح ، المألوف) ثم عرض الى انواع من الغناء المعتمد عند اصحاب الطرق الصوفية ، قصائد المديح وغناء " نوبة المألوف" وهي التي تعرض مقامات الموسيقى الأندلسية السائدة في ليبيا وعرض للغناء الشعبي المتعدد بتعدد الأمكنة والمناسبات ، كما وتوقف عند الغناء الطرابلسي ( الأذاعي ) المتأثر بالغناء المصري ، والمختلف عن الغناء السائد في ليبيا . ثم انتقل الى الغناء الليبي الوطني بعد قيام حكم القذافي ، كما وعرض الى اللون "الشبابي" بحسب المغنين: احمد فكرون و ناصر المزداوي . اسعد مخول : توحيد الغناء العربي ! ودعا العقيد الموسيقي في الجيش اللبناني أسعد مخول الى اغنية عربية واحدة وبملامح مصريا . وقال ان " الأغنية العربية المعاصرة لايمكن اعتمادها ، مؤشرا لروحية عربية ، فهي حالة ايقاعية صاخبة " داعيا والحال هذه ، الى " ضبط البث الغنائي وفق الأصول الصحيحة ، واعتماد اسلوب لجان الفحص في الإذاعة والتلفزة وتقديم التراث ( كما الأمم الراقية ) و اعتماد النقد الفني المتخصص ".
وفي الجلسة الثانية التي ادارها الباحث والمؤرخ الموسيقي اللبناني د. فيكتور سحاب ، قدم الناقد والباحث التونسي محمد الكحلاوي ورقة تتحدث عن راهن الغناء العربي مركزا فيها على تحول الغناء العربي الى مجرد قيم ايقاعية راقصة تركزها الأغنية المصورة " الفيديو كليب" . من جهته اعتبر العازف والباحث العراقي دريد الخفاجي ان الأغنية العراقية المعاصرة تنقسم بحسب البيئات الى اغنية المدينة واغنية الريف ، واغنية البادية . معتبرا ان الغناء المعاصر في العراق شهد هجنة في لهجته ، فثمة تأثيرات الألحان الاسبانية والتركية والهندية .وان الآلات المستخدمة في عزف الألحان تشير الى انحسار الآلات العراقية والعربية . وفي تساؤله :كيف نعمل تأصيل الهوية الوطنية للغناء العراقي اوضح : علينا استخدام السلالم العربية ونحي الإيقاعات العراقية التي " طواها النسيان " . استاذ الموسيقى المسرحية والملحن العراقي د. علي عبد الله قال " لوخيرت ان اعيش غير زماني ، لأخترت زمان القصبجي ، سيد درويش و القبانجي" مشددا على ان مالحق بالغناء العربي " مخطط له ضمن خطوات العولمة الأميركية واعوانها". وعن ظاهرة تصوير الأغنيات في مناطق خارج الوطن العربي قال عبد الله : كأنه لا مكان جميلا في الوطن العربي ، فذهبت الأغنيات الى شرق آسيا" وهاجم استخدام الأطفال في الأغنية "الخطورة عبر الإستعانة بالإطفال واستغلال البراءة ".
وتواصلت الندوة ليوم آخر فأدار رئيس المجلس الدولي للموسيقى ، والأمين العام للمجمع العربي للموسيقى ، المؤلف والباحث الموسيقي كفاح فاخوري جلسة تحدث فيها د. عباس السباعي وطاف خلالها بالحديث عن الشخصية المميزة للأغنية السودانية . واعتبر عميد المعهد العالي للموسيقى في الكويت د.بندر عبيد في ورقته " واقع الأغنية المعاصرة في مختلف البلاد العربية"ان هناك طائفة من التحديات تواجهها الأغنية العربية المعاصرة منها"استبعاد المقامات العربية ، الفيديو كليب ، تركيب الأيقاعات عبر التقنيات ، واضافة العناصر التلوينية ودائما ليس عبر المهارة الإنسانيةوخلو الأغنية المعاصرة من القيم ".
وعرض الباحث د.نبيل شورة ( مصر) في بحثه " ورقات في الغناء العربي عبر القرن العشرين" لمراحل من التغييرات التي واكبت الغناء العربي المعاصر ، وتأثيرات استخدام التكنولوجيا: الغرامفون ، السينما ،المسرح والالات الكهربائية ". وفيما عرض شورة لنمط من الأداء الغنائي الذي تميز بتحديث الأعمال الأصلية دون الخروج عليها " محمد عبد الوهاب وهو يغني دور انا هويت لسيد درويش " فأنه اوضح ان هذا المسار من الإضافات يمكن ان يحقق للغناء العربي مواصلة التحديث دون افتراقه عن الأصول . وتساءل الباحث التونسي د. صالح المهدي بغضب " ما أوصلنا الى هذه الحالة في الإنتاج الموسيقي ؟ اين التجاوب بين المطرب والفرقة ، و بين العازف والجمهور ، اين الأرتجال ؟ " مشددا ان " على المختصين ، توجيه نصيحة للمغنين ان يكونوا باعة خضار او ان يصبحوا روؤساء جمهوريات ، فهذا افضل لهم ويريح الأسماع والأرواح " .
مطربون مجيدون يعيشون كالكلاب! عميد معهد الموسيقى العالي في سوريا د. نبيل اللو قال " حين اصف الأغنية السورية المعاصرة ، فلن اجد غضاضة في القول انها بحال سيئة " مؤكدا على وجود فرق بين مستويين من الغناء " الأغنية التي تلحن في المعهد ، ليست في خطر ، بل هي الأغنية خارج اطار المؤسسة الأكاديمية " وتوقف اللو عند الضرر الفادح الذي تحدثه "الأصوات غير المدربة ، بعض المغنيين ، لايحضرون تدريبات الفرقة ، فانا اعرف حالات يحضر فيها تدريبات الفرقة الحارس الشخصي للمغني او المغنية ، زوجها واحيانا صديقها" . ويستمر استاذ اللسانيات في جامعة دمشق في نبرة الأسى قائلا"ان هناك من قدم محاولات جادة منذ النصف الثاني من القرن الماضي في الغناء السوري ، انموذج مضيء لكنه مغيب ، انه المطرب والملحن نجيب السراج الذي يعيش عيشة الكلاب ، جريمة هذا الأنسان انه لايلحن غير القصيدة والأرتقاء بقيمة الغناء ". وفي بحثه " تأثير العولمة والتكنولوجيا المعاصرة في الغناء العربي المعاصر " ، قال كفاح فاخوري موجها حديثه الى الباحثين والأكاديميين من اهل الموسيقى العربية " نحن لسنا اصحاب القرار ، ميوزيك بوكس ، روتانا ، محسن جابر ، اي ام آي وغيرهم من اطراف الإنتاج هم اصحاب القرار في توجيه دفة الغناء العربي اليوم " . وركز مدير المعهد الوطني للموسيقى على التربية الموسيقية و الأدارة الموسيقية من اجل تغيير الرؤيا الى الموسيقى معتبرا ان العلم هو الحل وليس مجرد تسويق الصوت حتى مع وجود الموهبة ".
الباحثة والناقدة د شهرزاد قاسم حسن: التأثر بالغرب أوصلنا الى ما نحن عليه!
من جهتها ردت الباحثة في تاريخ الموسيقى العربية القديمة د. شهرزاد قاسم حسن ( العراق )على دعوة فاخوري في اعتماد التربية الموسيقية وفق اسس غربية ، مشيرة الى ان "انقطاع الحضارة العربية المعاصرة عن امتداداتها الإسلامية واهمال النظرية التربوية الموجودة في الحيز الإسلامي والتأثر بالغرب ، هو الذي اوصلنا الى مانحن فيه ". واكدت استاذة الموسيقة التقليدية في جامعة باريس ان" المشكلة يمكن ان تجد حلا عبر استبعاد التقنيات الغربية في تربية الصوت واعتمادالتواتر الشفاهي الذي كان معتمدا عبر القرون " لافتة في هذا الصدد الى ان " تعلم القراءات القرآنية ، افضل من المناهج الغربية في صقل الصوت".
*متابعة نشرت في صحيفة " الرأي" 2002 |