تضمنت قصيد نثر للشاعر انسي الحاج "رسائل" ماجدة الرومي: أغنيات من ينابيع الفن الرفيع
كتب:علي عبد الامير
في مجموعتها الغنائية الصادرة حديثاً والتي حملت عنوان "رسائل" تأتي الفنانة ماجدة الرومي بمجموعة من التعبيرات الرفيعة لاتبعدها عن موجة الرداءة التي تكتسح غناء هذه الايام فحسب بل تبقيها في صف من ينتج فناً رفيعاً، فهي اختارت لاغنياتها شعراء لا خلاف على اصالة تعبيراتهم وملحنين قدموا امثلة كثيرة على تقدم فنونهم الموسيقية.
والاغنية الاولى في المجموعة كانت بعنوان "سمراء النيل" ولحنها قارب اجواء الموشحات وذهب النص اى اجواء وتوصيفات غالباً ما نسمعها عن مصر مثل (صبية) و(بهية) الى جانب صور شعرية موفقة ابدعها جورج جرادق مثل: "ثوب تلعب فيه الريح" و"صباح تمرح فيه الشمس".
وجاءت اغنية "لوّن معي الايام" من صلب البناء اللحني العربي الشرقي واغتنى ذلك البناء بتعبيرية لطالما اجادت الغناء فيه ماجدة الرومي واعتماداً على موسيقى جمال سلامه، حيث ضخامة التوزيع الاوركسترالي واشتراك (الكورس) كجزء اساسي في الصوت الغنائي الى جانب المغنية والكلمات والتي كانت من النوع الذي يحض على اكتشاف الحياة والبحث عن مباهج المحبة فيها والتي كتبها هنري زغيب.
وعملاً بذات النهج التلحيني لجمال سلامة تأتي اغنية "حبك" التي كتب كلماتها انور سلمان والتي لو توفر لها لحناً اكثر هدوءاً وبطأ مما ظهر عليه لحن سلامة لظهرت بغنى اكثر ولاستطاعت ماجدة الرومي ان تلاحق مدياته الشعورية، فهي الاخرى لم تتمكن من ملاحقة الكلمات بسبب سرعة اللحن وعجالته.
ماجدة الرومي في "رسائل": متعة روحية انيقة
واستطاع الملحن جوزيف خليفة، ان يقدم بناء لحنياً رضياً لنص غنائي بعيد كل البعد عن التناول التلحيني التقليدي، فهو نص من الشاعر انسي الحاج (قصيدة نثر)، وصعوبة وضع الموسيقى لمثل هذا النص تأتي من كونه يفتقر الى الموسيقى الخارجية (الوزن والقافية) والتي تسهل بتراتبهما عملية بناء الموسيقى اللحنية له، لكن مهارة جوزيف خليفة استطاعت ان توجد مثل هذا التناغم لنص شعري مثل "شعوب من العشاق".
ومن نثر انسي الحاج الى لهجة لبنانية رقيقة من كلام ايلي بيطار الذي رسم شفافية عاشقة اجادت ماجدة الرومي التعبير عن هواجسها ووفق اللحن التعبيري الهادئ لجمال سلامة، وذلك في اغنية "شو بحب اسهر".
ومن شعر انور سلمان الذي كتب لها كلمات "حبك" غنت ماجدة الرومي اغنية ، "عيناك" وحفلت بتعبيرات وصفية موفقة للحب والغزل المعاصرين وان قاربت اجواء نزار قباني احياناً ولحنها الشرقي (من وضع جمال سلامة) منحها رشاقة في الحضور وخفة محببة في صوت ماجدة الرومي.
وفي عودة الى ينبوع اللحنية الشرقية يقدم عبده منذر معالجة موفقة لكلام جميل باللبنانية الدارجة يكتبه رفيق روحانا وتغني ماجدة الرومي "من لما التقينا" ليغدو الحب فسحة رحبة لمشاع الجمال والخير والتفتح، ومثل هذا الكلام يبدو قريباً لاغنية "بدي قلك" التي كتبها هنري زغيب ولحنها جمال سلامة.
وتعود ماجدة في شريطها الجديد الى تراث والدها الموسيقي الراحل حليم الرومي وتختار اغنية "ميمي" التي كتبها الرحابنه شعراً، حيث تفيض الرومانسية في التعبير عبر الكلام عبر اللحن، الاغنية هي من نوع "التنويمات" الرقيقة حيث الحكايا السحرية تتلوها الامهات قرب مهاد البنات الصغيرات قبل النوم.
وكتب ايلي شويري كلاماً ولحن اغنية "مارح تخلص الحكاية" بروح شعبية قوية طالت الكلام والموسيقى وفيها نادت ماجدة الرومي على العديد من المعاني التي تحكم صيرورة الشعب الذي يرفض الظلم والموت "لوح بالخير اللي كان… لوح بحقوق الانسان".
وتلك الاغنية مهدت لاخر الاغنيات في مجموعة "رسائل" وهي اغنية "قانا" التي سبق ان شدت بها ماجدة الرومي في مهرجان جرش في دورته الاخيرة، وقاربت الاغنية مشهد المجزرة في قانا بالجنوب اللبناني، واعتماداً على شعر هنري زغيب ولحن مؤثر من ايلي شويري.
*متابعة نقدية نشرت في صحيفة "الرأي" 10/12/1996
|