كتب: علي عبد الامير
في مزيج من الالحان تاتي المجموعة الغنائية "احبك وبعد" للمطربة ماجدة الرومي وهذا المزيج لم يكن دلالة تنوع حي على امتداد اغنيات المجموعة، بل كان اقرب الى عدم التناغم منه الى الانتقاء الدقيق الذي تقف خلفه الرومي عادة وتكون حريصة عليه في اعمالها الغنائية.
فالى جانب الحان د.جمال سلامة الذي عرفته الرومي في الكثير من اغنياتها الناجحة: "كلمات" و "كن صديقي" وغيرها نجد الحانا من كاظم الساهر ومن د.عبد الرب ادريس ومن عبدو منذر وكذلك نجد من الحان والدها الراحل حليم الرومي.
ووسط هذه العلامات المتداخلة موسيقيا ولحنيا، نجد نصوصا شعرية مغناة متداخلة ايضا، فثمة نصوص بالعربية الفصيحة وهي الاغلب، وقعها شعراء كالراحل نزار قباني والناصر وهنري زغيب واخرى باللبنانية الدارجة، وهي تشير لتنوع يفتقد التناغم في احيان كثيرة، فلا شيء يشبه مفردات الشاعر (الناصر) الغنائية بما عند زغيب او حتى نزار قباني، ناهيك عن كلمات الصحافي والكاتب اللبناني الشهير غسان توتيني.
المطربة ماجدة الرومي في لقاء صداقة مع الملكة نور الحسين في كواليس مهرجان جرش
وسط هذه الانتقالات في الالحان والكلمات، تؤكد ماجدة الرومي ضرورتها الغنائية، كعلامة انيقة وسط خراب ذوقي يحيط بالغناء العربي من كل الاتجاهات. فهي في اولى اغنيات المجموعة "احبك وبعد" التي كتبها الناصر، ولحنها د.عبد الرب ادريس كانت تحاكي في ادائها، صورا شعرية جميلة حرص النص الغنائي على اظهارها، فيما نجحت ايضا في اعطاء صوتها مقاربة لجو محلي صرف، حاول الملحن ادريس اضفائه على لحن الاغنية، حين اكسبه طابعا (خليجيا) في احد مقاطع الاغنية، التي لو قر قرارها على لحن واحد رئيسي لكانت اكثر وقعا.
والملاحظة ذاتها يمكن الخروج بها في لحن اغنية "طوق الياسمين" الذي وضعه المطرب-الملحن كاظم الساهر، فهو لحن مال الى تحقيق رغبة ماجدة الرومي في اداء (درامي) لقصيدة نزار قباني، فثمة تصوير لامراة لاهية لاتهتم بل وتسخر من هدية حبيبها البسيطة وهي "طوق الياسمين"، وبين تحقيق هذه الرغبة وبين وعي موسيقي لقالب (القصيدة المغناة) يأمله الساهر في اعماله الغنائية واللحنية، وجدنا لحن اغنية "طوق الياسمين" وهو يقفز من مدخل موسيقي تعبيري حديث الى قالب (التانغو) اللاتيني، ثم الى جملة موسيقية عربية سليمة وهي ما افتقدت اليها غالبية اغنيات الرومي في مجموعتها الجديدة !. واختيار الرومي لالحان (غريبة المنشا) يتاكد في اغنية اخرى ضمن المجموعة الجديدة، فوالدها الراحل حليم الرومي كان قد وضع في مقاربة لقالب "الفالس" لحن اغنية "اليوم عاد حبيبي" وتمشيا مع اجواء سادت في خمسينات الاغنية العربية من هذا القرن، حين بأت موجة الانفتاح على موسيقى الغرب والحانه الغنائية. ويزيد التوزيع الموسيقي الذي تولاه الدكتور جمال سلامة على هذا الطابع الغربي للحن الاغنية.
وغربية القالب الغنائي انطلاقا من لحن لاعلاقة له بالموسيقى العربية، وروحية الاداء في الصوت الغنائي، اضافة الى التوزيع الموسيقي القائم على وجود اوركسترا غربية ضخمة اثناء عزف الالحان، هو مايميز اعمال د.جمال سلامة اكان ذلك لماجدة الرومي ام لغيرها ويبدو ان ولع سلامة بالطبول والنحاسيات الصداحة والكورال الانشادي المقلد لمثيله الغربي، احال بعض اغنيات مجموعة ماجدة الرومي الجديدة الى مارشات عسكرية، والحان (المواجهات المصيرية الحاسمة) وان كانت الاغنيات تذهب الى ورقة العاطفة وجمالها المتخيل كما في اغنيات "القلب المفتوح" و "انت الماضي".
اما اغنية "سيدي الرئيس" التي كتب كلماتها الشاعران هنري زغيب وحبيب يونس فان المستمع يجد نفسه وسط (اوبريت غنائي) كاللون الذي كان سائدا في المحطات العربية اثناء معاركنا (الحاسمة) التي لم تنته حتى اليوم والتي قادتنا بالطبع من نصر الى نصر!! ووسط حماسة اللحن والذي بدا كانه "لحن الانتصار" للايطالي فيردي ضاع صوت ماجدة الرومي، واختفت بعض الصور الوجدانية والانسانية في النص الغنائي، الذي ارادت من خلاله ماجدة الرومي ارسال صوت ولو مكتوم الى من هم في (موقع المسؤولية) يدعوهم للمراجعة والنظر الى شعوبهم باحترام واطلاق حرياتهم المكبوته كي تكون تلك الشعوب جديرة بحق بمعاني الانتصار واثبات الوجود.
وفي اغنيتين ضمن اغنيات المجموعة، بدا صوت ماجدة الرومي محققا لذاته في مهمة الارتقاء بالتعبير عن المشاعر الرقيقة وهما: اغنية "انت الماضي" و "انا لما بورد" وفيهما رقة صوت الرومي ولعب بجذل على جوانب اللحن، وبالذات في الاغنية الثانية الذي قدمه بمحلية لبنانية لطيفة غير منغلقة الملحن عبدو منذر.
باغنيتين جاءت الينا ماجدة الرومي تحمل وردتها اللطيفة فنحييها، وان كنا نأمل منها اكثر من ذلك.
*متابعة نقدية نشرت في صحيفة "الرأي" 11/12/1998
|