جاهده وهبه في " مهرجان الموسيقى العربية " رخامة الصوت اللبناني تلمع في قوالب النغم الأصيل
القاهرة-علي عبد الأمير حين اختارت المطربة جاهده وهبه ان تغني موال " عالبال ياعصفورة النهرين " في حفلها الذي شهده " المسرح الكبير" في دار الأوبرا المصرية وضمن مهرجان الموسيقى العربية 2002، فهي ارادت الإيحاء ان هناك لمسة لبنانية عميقة في عالم الطرب العربي ، وان هناك خامة صوت من النوع الذي بات نادرا يأتي من بلاد الرحابنة ووديع الصافي ليبرع في اداء قوالب الغناء العربي وكما حددتها عبقريات لحنية : عبد الوهاب والسنباطي ، وصوتية كما في ام كلثوم حين غنت لها وهبه " عودت عيني " . " الفرقة القومية العربية " التي قادها المايسترو سليم سحاب وفرت عبر سلاسة في العزف ، مرافقة موسيقية بدت في اتقانها الألحان الأصلية ، متناسبة مع حضور قوي في صوت جاهده الذي قابله الجمهور بحفاوة يستحقها . دخلت جاهدة المسرح يرافقها سحاب الذي كان بذل جهدا لافتا في تدريبات فرقته مع المطربة اللبنانية ، وكانت نظرتها الواثقة الهادئة علامة، سيكتشف الجمهور انها تستند على عمق خبرة صوتية وروحية في مقاربة الأشكال النغمية الأصيلة.وبعد موال " عالبال ياعصفورة النهرين" غنت " مادام تحب بتنكر ليه " احد الألحان الدالة على عبقرية محمد القصبجي في صوغ موسيقى ماانفكت تمتلك حضورها رغم عشرات العقود. وما فعلته وهبه في ادائها الأغنية اكد انها ليست مولعة بتقليد النسخ الأصلية للأغنيات ، انما هي تعمل على طبع لمسة شخصية في الأداء ، بحيث تبدو روحيتها حاضرة في الأصل. هذا الإسلوب " الشخصي" بدا يتضح ويتكرس كلما امضت جاهدة وقتا اضافيا في الغناء ، كأنها تشير الى انها من الأصوات المجيدة التي كلما غنت اكثر كلما رق صوتها وابدع.
جاهدة وهبي: رخامة الصوت وحساسيته
وتلوينات الأداء عند المطربة اللبنانية برزت في انتقالات صوتها مابين قوالب غنائية تنوعت مابين " آمنت بالله" التي كانت انشدتها المطربة لور دكاش ( كانت حاضرة في الحفل ، تستمع الى جوهرتها الغنائية وهى تلمع في صوت جاهده) اعتمادا على لحن من فريد غصن ، وبين اداء عميق ومؤثر لقصيدة " ياجارة الوادي " التي كنت حفلت بغناء اصوات فيروز ونور الهدى وصوت مبدع لحنها محمد عبد الوهاب . رافق وهبه في عزف لحن القصيدة على العود ، العازف المصري الشاب حازم شاهين الذي كانت موهبته لمعت في " بيت العود العربي " بتدريب واشراف العازف المتمرس والمجدد نصير شمه.
جاهده وهبة والمايسترو سليم سحاب ( كاميرا علي عبد الأمير)
تجليات الأداء في صوت جاهده تأكدت مع غناء لافت لقالب الدور الذي مثله لحن محمد عبد الوهاب "احب اشوفك " ، الحافل بهندسة بارعة في نغم يزاوج بين السلطنة والبوح الشفيف . هنا غنت باتقان وتمكن ، فانتقل صوتها من (القرار) العريض المشبع بالهدوء الى تحليق الصوت في ( الجواب) المرهف الذي من النادر ان يجد حدة في خامة وهبه. رخامة الصوت ورهافته ظهرتا مع غناء وهبة " عودت عيني " ، حين اجادت في التنويع على المسار اللحني لرياض السنباطي ، حتى انها زادت في التلوين بطريقة بدت فيها تنزاح بمسافة عن الأثر الأصلي كما حفره صوت ام كلثوم ، فوهبه ابدعت في جعل المسارات الصوتية اكثر رقة ورهافة.
*متابعة نشرت في صحيفة " الحياة" تشرين الثاني 2002 |