ابو عزيز بعد ان صار نجما "بغداديا"
المطرب الريفي ناصر حكيم كان قد سبق حضيري في الوصول الى اوساط الموسيقى والغناء في بغداد ، و دعا حضيري الى مقهاه في منطقة "علاوي الحلة "التي كانت مركزا لتجمع مطربي الريف وقتذاك - حيث كان يتردد على هذا المقهى الكثير من المطربين مثل عبد الامير الطويرجاوى وجخير سلطان والسيد محمد وعبادي العماري وحسن داود .وهناك توالت طلبات شركات التسجيل على مطربي الريف مثل شركة "كولومبيا" و "راديون" و"بيضافون" وسجلت لهم الكثير من الاسطوانات التي ساعدت على رواج غنائهم وانتشاره في العراق و البلدان العربية ، الامر الذي دعا الاذاعة العراقية لتخصيص حفلة اسبوعية لمدة نصف ساعة لبث اغانيهم عبر المذياع على الهواء مباشرة يوم لم تكن لاذاعة بغداد اجهزة تسجيل وكان ان ضاع الكثير من ابداع هؤلاء الرواد في الغناء الريفي ، وكان حضور ابو عزيز الى الاذاعة ، سببا لتجمهر المعجبين قرب باب الاذاعة لتحيته وابداء آيات الاعجاب بالفنان القدير الذي استحوذ على اعجابهم ، ونال منهم الثناء والتقدير.
ومن اغاني ابو عزيز التي ظلت ترددها الأسماع حتى الان :" حمام يلي"، " ياعنيد يايابا "، "هلي يظلام" ،"عاين يادكتور" وعشرات الاغاني الشجية التي تجد فيها النفوس راحة أثيرة ، ومن بينها نفوس افراد الجيش العراقي في فلسطين العام 1948 حين اشترك مع عدد من المطربين والممثلين العراقيين في الحفلات التي كانت تقام للترفيه عن الجنود، وكان بصحبته المطرب الكردي علي سرحان وناصر حكيم وناظم الغزالي وعزيز علي وفاضل رشيد وحسين علي و "فرقة الزبانية" المؤلفة من الفنانين الراحلين الحاج ناجي الراوي وحامد الاطرقجي وحميد المحل وجميل الخاصكي وسواهم.
وفي خمسينات القرن الماضي سافر صاحب " الورد " الى بيروت ، للتعرف الذائقة اللبنانية الى نمط غنائي جديد ، الى غناء الريف العراقي الذي استطاع، رغم محليته الثقافية والإجتماعية، من ان يكتسح مسارح الغناء في بيروت ، وسارعت نجمات الغناء اللبناني الى ثنائيات تجمعهن بأبي عزيز الذي حصد النجاح ذاته في القاهرة . وكان لـ" فصاحة" الحان جميل بشير وخضير الشبلي تأثيرها في مغالبة نمط من الصعوبة تصاحب عادة التلقي العربي للغناء العراقي ، والريفي منه على وجه التحديد .
وضع ابو عزيز اغلب الحان اغيلته على الرغم من كونه "مطربا فطريا" لم يدخل معاهد الفن ومدارسه، اجاد معظم الاطوار الغنائية الريفية المستقاة من نهر "المقام العراقي" مثل "الشطراوي والمحمداوي والمثكل والصنداكي والحياوي والغافلي والحسيني والصبّي والمجراوي والملائي "، اضافة الى "الفراكيات والابوذيات" وله اجادة متميزة في لون "غناءالمربّع" المعروف بأسم المربع البغدادي بايقاعاته واشطره الشعرية .
وفي نهاية ستينات القرن الماضي ، تمكنت الشيخوخة من مطرب الورد ، فيما اخذت تظهر ملامح جيل جديد في غناء الريف العراقي ، وظهر مغنون جدد : عبد محمد وعبد الجبار الدراجي وجواد وادي وعبد الواحد جمعة وعبد الصاحب شراد وشهيد كريم وعبد الامير محمد ومجيد الفراتي وسلمان المنكوب وغيرهم . ولعل المطرب الراحل ستار جبار كان خير مقلدي حضيري ابو عزيز على كثرتهم ولكن جبار كان اكثرهم قربا من صوته وروحية ادائه .
واذا كان الرائد الغنائي ابو عزيز قد رحل الى دار البقاء والخلود اوائل سبعينات القرن الماضي ، فانه خلّف ثروة غنائية ستظل مصدر متعة للاجيال القادمة ،ثروة معطرة "بالورد الجوري" العراقي .
أي ملامح لصاحبة " كلما أمرّ عالدرب " ؟
كانت من عائلة تهوى الطرب والغناء تغني في مجالس النساء " القبول البغدادي "، قبل دخولها عالم الفن ممثلة و مغنية في فيلم "الدكتور حسن" مع الممثل الراحل ياسين علي ناصر، و نجحت مائدة نزهت في تقديم اغنية في الفيلم، هي "جاني من حسن مكتوب"، ليكون هذا النجاح مدخلا لسيرة في الغناء ، بدأت منذ افتتاح التلفزيون العام 1956 وانتهت منتصف الثمانينات مع اعتزالها.
مائدة نزهت: من الرعيل الثاني من مغنيات بغداد في القرن العشرين
خلت ساحة الغناء العراقي من صوت طليق ، ومن حساسية رقيقة في الإداء ، واصبح اعتزال مائدة نزهت، مادة للأقاويل والشائعات ، فمنهم من قال انها "نية مبيتة ،وان اعتزالها وهي في ذروة نضوجها ونجاحها امر مدبر ومخطط له لتبقى هي فوق القمة ، فهي اختفت والساحة خالية من الأصوات النسائية المتمكنة، وتركت وراءها فراغا لم يمتلئ حتى الان، وهناك من قال انها اعتزلت خوفا من تاثير تقدمها في السن، وقالوا انها تحجبت وتعيش حالة من التصوف".
المطربة مائدة نزهت ، تعيش حاليا في عمّان في عزلة تامة مع وزوجها وديع خونده وابنتها رولا ، وكانت قصدت " بيت الله الحرام " للحج، وانقطعت الى العبادة وارتدت الحجاب . وهي تواصلا مع نهجها الجديد كانت قد طلبت من " الإذاعة والتلفزيون " في بغداد ، سحب اشرطتها الغنائية الصوتية والمرئية ، الا ان طلبها قوبل بالرفض ، كون اعمالها باتت تمثل جزءا من الأرشيف الغنائي العراقي ، وهي ليست ملكا شخصيا للمطربة.
تعتبر صاحبة اغنية " كلما امرّ عالدرب" من الرعيل الثاني من مغنيات بغداد وتاتي بعد سليمة مراد وبدرية انور ومنيرة الهوزوز وزكية جورج ، ولدت في الكرخ "الجعيفر" العام 1938 وتاثرت باغاني كبار المطربات مثل ام كلثوم، واخذت تردد ما تسمع وتشاهد من الاغاني العربية من خلال الافلام حتى لقاءها في بداية الخمسينات حيث مع الملحن القدير سمير بغدادي (وديع خوندة) الذي لحن لها عددا من الاغاني ، بينها"اسألوه لاتسالوني" ،"يا ام الفستان الاحمر" وكانت من اوائل المغنيات التي ادت "المقام العراقي" بمختلف الوانه وسجلت عدد من "البستات البغدادية " ثم انضمت الى "الفرقة القومية للفنون الشعبية" كمغنية ، وتعتبر من كبار مغنيات بغداد و صوتها هو صوت"السوبرانو" ، فيه "جوابات وقرارات" متكاملة.
مائدة نزهت: صورة ابنة المدينة في الاغنية العراقية كما في اغنية "ام الفستان الأحمر"
ثمة من يرى ان "عامل الكبر في السن هو السبب الذي دفع نزهت الى الإعتزال" ، فالغناء يحتاج الى طاقة جسدية ونفسية واجتماعية كما انها " أدت كل الالوان الغنائية العراقية ، وقد تكون وصلت الى قناعة انها اعطت للغناء الشيء الكثير وهذا يبدو كافيا لها" لاسيما انها "من مغنيات بغداد المتقدمات ولايوجد صوت جديد يمكن ان يحل محلها او ان بديلا لها" فقد ظهرت مطربات ولكن ليس بنكهة المطربة الرائدة مائدة نزهت التي غنت من الحان الراحل احمد خليل "أصيحن آه والتوبة" و"بالبصرة حنتهم" ،ولحن لها الفنان فاروق هلال "سألت عنك" ولحن لها عباس جميل اغنية " حلوين" و"ياكاتم الاسرار" و ناظم نعيم اغنية "محتارين" فيما اعادت باقتدارتسجيل اغاني ناظم الغزالي .
*متابعة نشرت في صحيفة " الحياة" 2002