الموسيقى العراقية في نهايات القرن العشرين 2

تاريخ النشر       26/11/2009 06:00 AM


الفرقة السيمفونية العراقية" هجرها ابرز عازفيها:
 تفتقر الى قاعة متخصصة بعد اكثر من 50 عاما على انغامها الرفيعة

عمّان –علي عبد الأمير
منذ تأسيس "الفرقة السمفونية العراقية"مطلع الاربعينيات من القرن الفائت والتي شكلتها "جمعية بغداد الفلهارمونيك" بمعهد الفنون الجميلة وحتى الان، "لم يتمتع المستمعون من رواد حفلاتها بأي صوت موسيقي نقي.. ولاأقصد هنا العيب في الفرقة ذاتها، ابداَ، بل لان العزف يسمع مقتولاَ والصوت رديئاَ في كل القاعات التي قدمت الفرقة فيها عروضها الموسيقية. والسبب يعود الى بداية انشاء هذه القاعات إذ لم يفكر المعماريون في كونها او على الاقل واحدة منها ستكون خاصة بالعروض الموسيقية والغنائية. وبذلك جنى المستمعون سوء احوال السمعيات والصوتيات في القاعات كافة، واعني هنا بالنسبة للعروض الموسيقية والغنائية".
هذا مايورده عازف التشيللو والباحث والمؤرخ الموسيقي حسين قدوري في تعليق له على المستوى الضعيف الذي باتت عليه احدى اعرق الأوركسترات في العالم العربي والمنطقة بعامة ، ويؤكده قائد الفرقة السيمفونية الوطنية العراقية السابق محمد عثمان صديق الذي يقود "اوركسترا المعهد الوطني للموسيقى" في الأردن منذ العام 1994 .
 وكانت "السميفونية العراقية " تنقلت بين اماكن عدة في بغداد الا ان جميعها خلت من "الأكوستك" او حسابات الصوت والصدى في البناء المعماري للقاعة. ويقول صديق ان " تصاميم القاعات التي عزفت فيها الفرقة لم تكن مخصصة للعروض الموسيقية على مستوى الإحتراف وهذا يؤدي الى اظهار الإختلاف بين آلة واخرى ويعطي انطباعا بان لامستوى احترافيا لعازفي الأوركسترا " .
 

اوركسترا المعهد الوطني الاردني: قائدها وابرز عازفيها عراقيون مهاجرون

 من جهته يرى قدوري الذي كان من ابرز مجايلي الفرقة السيمفونية العراقية  ان "الصوت الجيد في قاعات الحفلات الموسيقية والغنائية ينتج عن القاعة نفسها كالة موسيقية كبيرة او على الاصح كصندوق صوتي لالة موسيقية. ولما كان لكل جسم مادي رنينه الخاص الذي تحدده ذبذبات صوتية محددة او ترددات محسوبة، فكذلك توجد لكل قاعة موسيقية تردداتها السمعية التي يحددها حجمها ونسب بنائها والمواد الداخلة في تكوينها، والدرجة والابعاد التي تتردد بها خلالها خطوط الموجات الصوتية ومقدار ونوعية ماتمتصه الجدران والاجسام التي تصدم مسارات الصوت، وايضا مقدار ونوعية الامتصاص من هذه الاصوات او درجة الانعكاسات والتكبير لهذه الاصوات ذاتها ومكوناتها. وينتج عن ذلك الطبيعة الصوتية السمعية للقاعة التي تجعل منها مصدر سحر وجمال واضافة حية للاداء الموسيقي والغنائي".
اننا نلاحظ بان أمهر وابدع العازفين في العالم يكون اداؤهم الموسيقي براقاَ ورائعاَ عندما تكن لديهم الة موسيقية ثمينة، او ان يكون اداؤهم ميتاَ بالة موسيقية رديئة. كذلك الحال بالنسبة الى سمعيات القاعات الموسيقية والغنائية ، فهي اما ان تؤدي الى قتل هذا النتاج الانساني الرائع او ان تثري هذا العطاء جمالية ورونقاَ.
 فالفرقة السمفونية الوطنية العراقية والتي تجاوزت الخمسين عاماَ من العطاء التربوي والثقافي والاعلامي، تبدو" بأمس الحاجة الى قاعة تتناسب وطبيعة هذا النتاج الانساني الثر". كما يشير قدوري متأسيا على حال اعرق اوركسترا وهي تعيش اوضاعا متردية ، تبدأ من غياب القاعة ولاتنتهي بهجرة ابرز عازفيها خلال السنوات العشر الماضية مرورا بإنشغالها باداء اعمال فنية لاتتعاطى مع الجانب الموسيقي الرفيع الذي تتطلبه الأوركسترا ، كما في عزف الفرقة بقيادة محمد امين عزت مقطوعات خاصة باحتفالات عيد ميلاد صدام حسين نهاية نيسان الماضي وتقديم الموسيقى التصويرية لمسرحية " زبيبة والملك " المأخوذة عن رواية بالعنوان ذاته كتبها الرئيس العراقي ، فضلا عن عزف مقطوعات في كانون الثاني ( يناير ) من كل عام ضمن " مسابقة ام المعارك ".
الى ذلك تمكن العازف الشاب جعفر الخصاف احد اعضاء الفرقة السمفونية الوطنية العراقية، والذي درس في "مدرسة الموسيقى العسكرية" آلة الفلوت وتخصص في السنتين الاخيرتين من دراسته في آلة السكسفون، من ان يضع لها مكانا ضمن الفرقة السمفونية العراقية اضافة الى عزف الموسيقى العربية والشرقية،وهو يعد اول عازف شرقي لهذه الالة.
 وبالرغم من اصلها "الغربي "،وصوتها البعيد عن الأجواء "الشرقية"، تمكن الخصاف من تطويعها وجعلها تحمل شكلا غربياً ومضمونا شرقياً. "بعد ان عزفت اجمل موسيقى الجاز، أعزف اليوم اصعب المقامات العراقية والعربية مثل البيات والصبا والمحمداوي".
وعن ندرة عازفي السكسفون في العراق " الالة لا تدرس الا في مدرسة الموسيقى العسكرية، والمتجهون اليها كثر ولكنهم لا يستطيعون دراستها الا من خلال هذه المدرسة، ولايوجد جيل من الشباب يدرسها ويقوم بتدريسها فيما بعد..لهذا عازفوها نادرون"  .
وحول اذا ماكانت آلة السكسفون معتمدة ضمن "الفرقة السمفونية الوطنية العراقية"يقول العازف الشاب"يقال انها لم تدخل ضمن العزف السيمفوني لهذا كانت غائبة عن  تشكيلة آلات الفرقة ، و يعودالسبب  لعدم وجود مقطوعة موسيقية تدخل فيها هذه الالة  ضمن برامج عروض الفرقة" .
وانتظر عازف السكسفون حدثا غير عادي كي ياخذه الى " الفرقة السيمفونية " وهو ماتحقق حين قاد  مايسترو فرنسي زائر"السيمفونية العراقية"، وتضمنت احدى  المقطوعات انغاما تؤديها آلة السكسفون، فطلب وجود عازف عليها " لم يتوان مدير الفرقة من تقديمي له وفعلا شاركت في الحفل وعزفت المقطوعة ، وأثنى المايسترو على امكانياتي  العزفية ".
 
* متابعة نشرت في صحيفة " الحياة اللندنية" 2001


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM