حين يرثي الملحن محمد جواد اموري ... الاغنية العراقية

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       25/11/2009 06:00 AM


أموري: ( الجهلة ) قائمون على الغناء والشباب عاجزون عن اداء روحي صادق

عمّان – علي عبد الأمير  
يطلق الملحن العراقي المعروف محمد جواد اموري، النار على ( مؤسسة الاذاعة والتلفزيون ) التي تخلت عن دورها، كما يقول في تصريحات صحافية مؤخرا في بغداد واصفا حال الاغنية العراقية اليوم بانها اصبحت نهبا ( للجهلة ) دون ان يستثني احدا من الاسماء الجديدة سوى ابنه نؤاس !!
 
واذا كان أموري الذي صاغ الحان ابرز اغنيات المطربين المعروفين عراقيا في عقد السبعينات الماضي : ياس خضر، حسين نعمة، حميد منصور، امل خضير وغيرهم، انشغل خلال العامين الماضيين في ملاحقة اصوات عربية ( سطت ) على الحانه فانه لم يكف في الوقت ذاته عن اعادة تقديم الحانه بصوته رغم جفافه وخشونته معتبرا ذلك رغبة في ان (اوصل احساسي والحاني بصدق وان يعرف الجمهور ان هذه الالحان لي).

محمد جواد أموري: الجهلة استولوا على الروح العراقية
 
ونفى اموري بحسب ما نشرته صحيفة ( الاعلام ) الاسبوعية ان يكون المطرب ياس خضر ارتبط بالملحن طالب القره غولي الذي لحن له اغنيات مثل "البنفسج" و"روحي"، مؤكدا انه هو الذي لحن لياس خضر اكثر من عشرين لحنا كانت ابتدأت مع اغنية "على شط  الفرات".
 ووصف صاحب لحن اغنية ( ياحريمة ) التي غناها المطرب حسين نعمة تجربة الهام المدفعي ( بالجهل ) لافتا الى ان الاخير ( سمح لنفسه ان يعبث بالاغاني الشعبية العراقية التي هي ليست من الحانه ومن ضمنها بعض الحاني ) في اشارة الى اغنية ( مالي شغل بالسوق ) التي يغنيها المدفعي في عروضه ويقدمها في اسطوانته بوصفها ( من التراث العراقي ). غير ان اموري وهو يؤكد ان المدفعي ( جاهل موسيقيا ) بدا متعسفا حين جعل الامر ملزما بين اجادة الموسيقى والانغام وبين دراستها، فاكبر مغني الاوبرا في عصرنا وهو لوتشيانو بافاروتي لا يقرأ النوتة ولم يكن درس الموسيقى في معهد او اكاديمية، وانه اعتمادا على ( قانون اموري ) ممكن القول ( بافاروتي جاهل موسيقيا )!! كما فات اموري ان الفنان الهام المدفعي بدأ تجربته في تقديم الموروث الغنائي العراقي والعربي احيانا، ضمن رؤية موسيقية جديدة قبل نحو ثلاثين عاما، وبدت آلات ( الغيتار والاورغ والدرامز ) في فرقته وهي تؤدي الحانا بغدادية شعبية، تعكس توقا عند جيل من العراقيين كان يسعى الاتصال مع العصر دون التخلي عن ملامحه وموروثه، كما ان العرض الموسيقي الذي يقدمه الهام المدفعي اليوم يتضمن انسجاما بين آلات من ثقافات متعددة، فلاتبدو ايقاعات ( الكونغا ) متنافرة مع ( الطبلة ) ولا ( الغيتار الكلاسيكي او الاسباني ) متنافرا مع ( القانون ) صحيح ان المدفعي ليس صاحب صوت لافت إلا انه استطاع ان يكون صاحب ( جو غنائي ) فريد اثبت ان الكلام عن ( قالب معاصر ) للموروث الغنائي, ممكن التحول الى حقيقة قائمة.    
وعن سبب انقطاع الاغنية العراقية عن مواصلة نتاجها المميز كالذي كانت عليه في السبعينات، يرى اموري ان ( مؤسسة الاذاعة والتلفزيون ) التي كانت تدير الانتاج الموسيقي وتشرف عليه ( حادت عن خطها ) وانها باتت تتعمد التقليل من بث اغنيات شكلت علامات بارزة في الاغنية العراقية، ( تخلًت عن واجبها ).                        
وحول تردده من التعامل مع شباب الاغنية العراقية علًه يكتشف صوتا جديدا يقول اموري : ( لدي الرغبة في التعامل مع الشباب، لكن هناك الكثير من المعوقات تقف حائلا دون ذلك، منها ارتفاع كلف تسجيل الاغنية، فأي مطرب شاب يستطيع ان ينفق نصف مليون دينار ما بين تحضير استديو للتسجيل وموسيقيين واجور ملحن وشاعر؟ ).
وعن الذين اعادوا تقديم الاغنيات العراقية الناجحة وبينها اغنيات وضع الحانها محمد جواد اموري يقول صاحب لحن ( ياحريمة ) انها ( ظاهرة غير صحيحة، فالمطربون الجدد اولى بهم ان يقدموا اغنيات جديدة بمستوى ما سبق، الم يكن افضل، فضلا عن اساءتهم تلك الاغنيات حين عجزوا ان يصلوا الاحاسيس ذاتها وصدق المشاعر, حتى ابني نؤاس حين غنى اغنياتي في بداياته لم يستطع ان يصل احاسيسي وروحيتي لكنه استطاع ان يقدمها بصورة مناسبة بعد حين ).
ومحمد جواد اموري المولود في واحدة من اعرق مناطق الغناء الريفي في العراق ( قضاء الهندية ) كان تعلم فنون العزف على الكمان وعزف الآلة في ( الفرقة السيمفونية الوطنية العراقية ) ومن هنا جاءت الحانه مزيجا نادرا من روحية الغناء الريفي والمعاصرة، كانها حاولت ان تكون مرآة وقت ساد العراق في عقدي الستينات والسبعينات الماضيين مع تراجع ملامح المدينة العراقية وثقافتها وغنائها وموسيقاها بتأثير هجرة اهل الريف الواسعة اليها, فبعد الوان غنائية مدينية صرفة ( المقام العراقي والاغنية الشعبية ) كانت تمتاز بها بغداد والموصل والبصرة وكركوك والحلة، واغنيات ريفية لها ملمحها البيئي الخاص، جاءت اغنيات، منها ما لحنها اموري، خليطا من روحية الغناء الريفي في الكلام وخامة الصوت ونبراته وتوزيع موسيقي مبتكر ومعاصر، فلا اهل الريف ظلوا يعرفون الوانهم ولا اهل المدينة حافظوا على اغنية تميزهم كالتي يمثلها بامتياز الراحل ناظم الغزالي خيارا مستغرقا بنوستالجيا ( حنين ) عند اهل بغداد اليوم.                        
في هذا الشأن تحقق اغنيات الغزالي ذيوعا عند اهل بغداد حتى من قبل شبان ولدوا بعد وفاته بسنوات طويلة، وان متجرا لبيع الاسطوانات المضغوطة في بغداد، وان كانت مقرصنة، يحقق ارباحا جيدة من مبيعات اغنيات الغزالي لمستمعين شبان، ومن مؤشرات حضور صاحب ( طالعة من بيت ابوها ) و ( ريحة الورد ) و ( تصبح على خير ) ان فرقة موسيقية – غنائية عراقية جديدة تشكلت باسمه، واضعة نصب اهتمامها احياء موروثه الغنائي الذي صار ايجازا لرائحة بغداد وموسيقى امكنتها ومشاعر اهلها لسنوات.
* متابعة نشرت في صحيفة " الشرق الاوسط" اللندنية العام 1998                 


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM