تختار الاصوات الغنائية الجديدة في غير بلد عربي، ان تقترب من الاشكال الغنائية السائدة كي تحاول ان تعرف بخامتها الصوتية وسط جمهرة المستمعين للغناء، لذا فهي وان كانت تتوفر على مهارة صوتية جيدة ولمسة طيبة في اداء القوالب الغنائية العربية السليمة، فهي تسقط في نمط الغناء السائد هذه الايام والذي لن يخرج عن طابع الايقاع الراقص بالحان هجينة غير محدد الاصل. واذا كانت هذه هي القاعدة، فان استثناء جاء من الاردن عبر صوت شاب مثله صوت المغنية الشابة زين عوض، التي اعتنت بروحيتها في الاداء، اضمامة من الحان الموهوب والانيق في الصياغة الموسيقية الفنان وائل الشرقاوي الذي ظهر في أكثرمن لحن خلال السنوات السابقة وكانه يحاول التجديد المنطقي والرصين على قواعد اصيلة تعلمها من والده الفنان الموسيقار غازي الشرقاوي. فالمغنية زين عوض في مجموعتها الغنائية التي حملت عنوان "لاتجدلي" توفرت على جراة تحسب لظهورها المختلف والرصين، فهي قاربت الحانا برع وائل الشرقاوي في صياغتها دون الانجراف في تيار الاغنيات المسموعة بالاقدام، فخالفت المزاج السائد ولكنها وضعت خطوة في طريق الفن الحقيقي وهي بداية جريئة منحت تلويحاتها الصوتية الجميلة بعدا وعمقا اخرجها من دائرة الظرافة والبهجة العابرة التي يشتغل عليها الغناء هذه الايام.   زين عوض:إداء مرهف   انها عبر مهارة وائل الشرقاوي في كتابته وصياغته الحان الاغنية التي حملت عنوان "لاتجدلي" تستطيع ايصال مفهوم اخر ومغاير للمعنى التقليدي الذي انتظم في سنوات طويلة عبر تداول "جدلي يا ام الجدايل" اكان ذلك في معنى كلماتها ام في نمطها الغنائي: "ولى زمن الجدايل ياوخيتي ولى لاتجدلي لاتجدلي يا ام الجدايل لاتجدلي لاتجدلي لاتجدلي لاتردي على مطلب هلي لو غرقوكي بالحلي ياوخيتي لاتقبلي" ويكاد يلخص الشرقاوي في صياغته لهذه الاغنية، مفهمومه لشكل حديث في الاغنية العربية يكاد يشتغل عليه، الا وهو الخروج بالشكل الحديث من جوهر الشكل الاصيل الذي انتظمت فيه الموسيقى العربية والشرقية طويلا، وهذا مادأب عليه جيل من المحدثين في الغناء والموسيقى العربية. وهو اذا كان قد حرص على اللعب في جوانب اللحن الاصلي واستعار القيم الاساسية لاغنية "جدلي"  فانه في الاغنية التالية "يافؤادي" التي كتبها ولحنها، قد اظهر لحنا مبتكرا وساهم عبر استعارة جو الموسيقى والالحان الاسبانية واللاتينية في التوزيع الموسيقي لتاكيد روح الابتكار، لكن الاغينة ظلت متصلة بروحية الغناء العربي وهذا مااكدته الحساسية المرهفة التي غنت بها زين عوض ونقلت عبر كلمات زعل بسيطة، مشاعر غنية التاثير تحيل لعاشقة مرهفة. وحاولت زين عوض في شريطها الغنائي ان تؤكد انها ليست مغنية عادية، بل هي مغنية وصانعة الحان ايضا فوضعت لحن اغنية "عنيد" التي كتبها وائل الشرقاوي ووزعها موسيقيا، وظهر اللحن معقولا ويحمل اشارات طيبة عن زين كملحنة مثلما حملت اغنيات الشريط اشارات عن زين عوض كمغنية. ومثلما برع الشرقاوي وزين عوض في تأسيس مشروع غنائي اردني جديد في ثلاث اغنيات حملها الوجه الاول من شريط "لاتجدلي" فانهما حاولا الاستمرار في تاكيد ملامح ذلك المشروع لولا اغنية "يؤمروني"التي جاءت نسخه تطابق في بعض ملامحها-على الاقل في توزيعها الموسيقي-النمطية السائدة للاغنية العربية. واضافة الى اغنية "يؤمروني" التي جاءت باللهجة المصرية وعبر مقاربة شديدة التاثر بالحان صلاح الشرنوبي، وتوزيع طارق عاكف، فقد ضم الشريط اغنية بعنوان "احلى ما فيك" التي تهادي فيها صوت زين عوض على رشاقة لحن المعلم البارع الفنان غازي الشرقاوي وكلمات محمد مصطفى التي بدت ضعيفة امام قوة البناء اللحني وجودة التوزيع الذي تولاه وائل الشرقاوي اضافة الى سلاسة الاداء وطلاقته في صوت زين عوض. والى جو لحني مختلف تنقل الصوت زين، اغنية "اعلمه الرماية" التي كتبها كاظم السعدي بالعربية الفصيحة:  الا يامنيتي اصدقني القول فانك من جميع الناس اولى اجبني في نعم ان شئت او لا ستحظى في ودادي وحناني وجاء لحن الاغنية الذي وضعه الملحن العراقي كريم هميم في قالب الايقاع الخليجي السريع -القريب في تاثره بايقاع الاغنيات الهندية- لينقل صوت زين عوض الى منطقة تعبير لا تبدو كثيرة التآلف معها، فظهر اداؤها اقل براعة مما فعلته في اغنيات "لاتجدلي" او "يافؤادي". زين عوض لمسة رقيقة للاغنية الاردنية، واللمسة تكتسب قوة حضورها هذه المرة من اجادتها لقوالب الغناء السليمة والصحيحة، وشريط "لاتجدلي" الذي اجتهد فيه الفنان الشاب وائل الشرقاوي تعريف انيق بهذه اللمسة.   *متابعة نقدية نشرت في صحيفة "الرأي" 28/6/1998