كتب: علي عبد الامير
بدعوة من المعهد الوطني للموسيقى احياه تجمع اوركسترالي كورالي يتكون من اوركسترا "شبيبة نيو انجلاند" وكورال لاكاميراتا نوفي، اضافة الى اوركسترا المعهد الوطني للموسيقى امسية موسيقية عالمية، تولى فرانشيسكو دي ارجو قيادتها، اضافة الى جوقة الكورال، وشهدت مدرجات المسرح الروماني في وسط عمّان جمهوراً غفيراً حضر لمتابعة هذا الحدث الفني والموسيقي المميز، فالبرنامج تضمن عزف عدة اعمال للموسيقار "لودفيج" فان بيتهوفن (1770-1827) ابرزها السيمفونية التاسعة التي تعتبر واحدة من علامات الموسيقى الرصينة.
بدأ الحفل بعزف "افتتاحية ايجمونت" والتي تتميز بتركيبة موسيقية رصينة، عبر من خلالها بيتهوفن عن خصائص موسيقاه (الروحية القائمة على العناية بعناصر القوة والفخامة) وبرزت الوتريات والهوائيات في نقل تلك الملامح التي اختصره العمل، ثم عزفت (فانتازيا الكورال) التي كتبها بيتهوفن، للاوركسترا والكورال، والبيانو الذي عزف عليه الشاب "جريجوري ماجترشاك" (31 عاماً) والعازفون الشبان غالباً ما يقدمون روحية مميزة في الغرف اكثر من التقنية وهذا ما ظهر على عزف جريجوري.
المدرج الروماني وسط عمّان
وكان لاختيار المدرج الروماني، دلالة على حفاوة عمّان عبر معلم بارز منها بعمل موسيقي بارز مثل السيمفونية التاسعة لبيتهوفن، غير ان الفضاء المفتوح لا يبدو مناسباً في كل الاوقات للاعمال الموسيقية الرصينة، فهو في انفتاحه يصبح مثار حركة ونشاطاً حتى عند الجمهور، فثمة ظواهر جانبية قللت من التركيز المطلوب، وزادت من التشتت في متابعة الاوركسترا والكورال، كما حصل حين حاول بعض الجمهور النزول من اعلى نقطة في المدرج مما تسبب في احداث مناقشة بصوت عال، اثر على مسار العزف فيما كانت الاوركسترا قد بدأت بعزف الحركة الاولى من السيمفونية التاسعة، وبدأ الاطفال الذين حضروا لتقديم الورود الى الموسيقيين في جولة من الضجيج غطت على العزف في الجانب الايمن من المدرج، حتى قام اكثر من شخص اليهم طالباً منهم التزام الصمت، غير ان هذا لم ينفع، وقذفت الحصى نحو الجمهور والموسيقيين من اعلى المدرج! كل هذه التأثيرات لم تمنع التواصل مع الحدث الموسيقي البارز سيما ان الاوركسترا ابدعت في عزفها ونقلت اللحن الرئيسي للحركة الثانية من السيمفونية التاسعة الى مستويات تعبيرية شيقة، ومع دخول الكورال اخذ العمل وقعه السحري والمؤثر وانتقل الحوار النغمي ما بين الاوركسترا والاصوات النسوية: (السوبرانو ميريدث ميزل والميزو سوبرانو) انا توكر لوميز، كذلك الاصوات الرجالية جين توكر (التينور) وماكس وتيجز (الباص).
الاصوات تناغمت على الرغم من تباينها حيث الخشونة والنعومة، الخافت والجهير لتنقل المستمعين الى جماليات الصوت البشري باعتباره اول آلة موسيقية عزفتها البشرية. وتناغمت الاصوات والموسيقى في نشيد روحي طافح جاءت به اشعار شيللر في نشيد "الحرية والسلام" ولتتعالى الاحلام والامنيات البهجة والمسرة، ولتنتقل بذلك الى فضاء عمان احد ابرز اعمال بتهوفن. وتمكن قائد الاوركسترا الفنان فرانشيسكو دي ارجو من النجاح في عمل يعتبر اختباراً صعباً لكثير من قائدي الاوركسترا في العالم، واستطاع بالتعاون مع قدرات اعضاء اوركسترا شبيبة نيوانكلاند والحضور الفاعل لموسيقيي اوركسترا المعهد الوطني للموسيقى من تقديم مستوى سيظل مؤشراً لحضور الموسيقى وفعالياته المستمرة في المشهد الثقافي والفني الاردني. *متابعة نقدية نشرت في "الرأي" 24/8/1996 |