"معجزة الحياة"
على الرغم مما تثيره بعض التجارب الموسيقية او الغنائية العربية والتي تنحو منحى (ثقافياً) محضاً، للعديد من التساؤلات عن جدواها وشكلها الفني ومستوى عنايتها بالاصل الموسيقى لها، الا ان تجربة اغنس بشير (موسيقى) على نصوص الراحل جبرا ابراهيم جبرا وغناء صاحبة الصوت الاوبرالي تانيا ناصر، التي اخذت اسم "معجزة الحياة" بشير (عثرات) عدم معرفتها الدقيقة باللغة العربية، واستطاعت ان تمد جسوراً بين الشعر العربي الحديث واسلوب الغناء الاوبرالي.
وعن تلك الجسور تقول بشير: ان "العمل الموسيقى يخضع للمتخيل، فجاءت الالحان تحاول ان تخلق او تتخيل عالماً مجاوراً، وهذه الالحان ليست شرقية، غير انها احتوت على قوة في الارتجال وطواعية في اللحن خلقت حرية للصوت الانساني متمثلاً في صوت تانيا وان يتحرك وفق مهارات التصويت للالفاظ العربية فبدت مخارج الحروف واضحة، ولان تانيا ناصر تحب عملها فقد جعلها هذا تلقائياً وحرة في الغناء".
في دارة الفنون بعمّان: تانيا ناصر والشاعر ابراهيم نصر الله وأغنس بشير الى البيانو
واغنس بشير تعودت هذه اللقاءات مع (قامات) ثقافية عراقية وعربية كبيرة كالتي كانت لها مع شعر بلند الحيدري اوائل الثمانينات ووضعها الموسيقى التصويرية لفيلم وثائقي عن معرض نحتي للدكتور علاء بشير الذي حمل صرخة انسانية موحشة حملت عذابات الحرب في عام 1991، تلك الحرب التي كانت تضرب بطريقة مختلفة عند اغنس بشير حيث كانت في منزلها، تعالج مشاعر الخوف والاضطراب والتحدي لتذهب الى الشموع وتجلس على ضوئها عند مفاتيح البيانو، وتحوّل تلك المشاعر المتأججة الى موسيقى تشع من خلال ظلام الحرب وايام قسوتها.
"المنظمة الامريكية لكاتبات الموسيقى"
متاعب وعناءات كهذه كأنها تداخلت في تكوين روحي خصب لاغنس بشير، فها هي الان تتحدث عن تجارب كهذه ومهارات اكتسبتها بين المحنة والمحنة، بين اوقات الترف الروحي في بغداد، وايام القصف ايضاً، ولكنها تتحدث وسط تجمع كبير بين مؤلفات موسيقيات من مختلف بقاع العالم، حيث انتخبته هذا العام لتشغل موقعاً مهما في "المنظمة الامريكية لكاتبات الموسيقى" وكأنها، بعد زيارة عمل ناجحة للولايات المتحدة تكاد تقول بصيغة السؤال: ماالذي فعلته؟ هل انني في الموقع الصحيح، هل اصبحت وفية لماعشت ولما تمنيت؟
وفي ايطالبا حيث دعيت اغنس بشير لمهرجان، النساء في الموسيقى الذي اقامته "مؤسسة ادكنس كيتي" في مدينة (فيوجي) تحدثت عن حضارة العرب، موسيقاها والاثر النسوي فيها بخاصة وجالت عبر ورقة بحث معمقة في التراث الموسيقى لسوريا ولبنان والاردن والعراق وفلسطين.
وفرة اللقاءات التي جمعت اغنس بشير بين مؤلفات موسيقيات باحثات في تاريخ الفن، وعازفات وموسيقيات من شتى الاجناس، جعلت اعمالها الموسيقية المدونة مثار انتباه كثيرات، واصبحت الان جزءاً من برامج قادمة لمؤسسات موسيقية كبرى في اوروبا والولايات المتحدة واسيا، وعادت اغنس بشير الى بيتها الصغير في عمّان لتسأل نفسها: هل كنت في الموقع الصحيح؟ هل فعلت ما ينبغي؟ هل كنت مخلصة لما تعلمته وما كانت عليه روحي؟
علي عبد الامير يحاور اغنس بشير ببيتها في عمّان
تعود اغنس بشير اليوم الى دأبها في الاخذ بانامل رقيقة لعازفين شبان من الاردن، بينهم زيد ديراني الذي تراه معنياً باهتمام بارز بالتأليف الموسيقى اكثر مما يبديه من اهتمام بالعزف على البيانو وتقنياته، دون ان يجعلها ذلك العمل (تعليم الموسيقى) في سلام تام مع النفس، فهناك ما يقلقها كمبدعة موسيقى حيث دعتها جمعية نيويورك للموسيقى لتقديم اعمالها التي ظهرت للاميركيين غنية باشياء مختلفة.
*نشرت في صحيفة "الرأي" 7/1/1998ومجلة "المجلة" اللندنية.