اوركسترا الاتحاد الاوروبي لـ"موسيقى الصالة" في قلعة عمان
كتب علي عبد الامير
اذا كانت اللازمة الشهيرة والخاصة ببرنامج فرنسي عن الحدائق تقول "الحدائق جنة الاحلام"وتحليلنا الى ينابيع الخضرة، وجمال الاشجار، وهندسة الورود، وجداول المياه، والملحقات الكثيرة بالحدائق. فاننا لايمكن ان نبتعد عن هذا التاثير ونحن نستمع الى ماعزفته اوركسترا الاتحاد الاوروبي لـ"موسيقى الصالة".
ففي فضاء قلعة عمان القديمة، واستنادا على امتداد تاريخي قوي ، ومؤثر ولعب على الازمنة -الفن دائما يقذف بتحديدات الازمنة ويظل سرمديا- استمعنا الى مجموعة اعمال موسيقية، لاتتردد وانت تستمع اليها في ان تقول "تعال الى جنة الاحلام" حيث تبتهج الانغام، وترق النفوس، وتصبح حتى المشاعر الحزينة في موقع الاهتمام، كل هذا جاء من رفعة المستوى الذي كان فيه الموسيقيون يعزفون على الات(الكمان) و(الفيولا) و(التشيلو) و(الدبل باس).
عزفت الاوركسترا "كونشرتو غروسو" للمؤلف هاندل (1685-1759) والذي مثل واحد من اعماله الاكثر رقة وكتبه سنه 1739 وقدم في لندن حيث اقام هاندل اغلب فترات حياته. وبدأ العمل (خمس حركات) بتلويحات هادئة وبطيئة ثم يسرع شيئا فشيئا ودائما بصوت شديد الصفاء هو من براعة الكمانات، ومجموعة العازفين على الالات الاخرى كما ظهر لافتا المستوى الذي يعزف به قائد المجموعة- عازف الكمان استيفان باركاني-ولفيض المشاعر التي تثيرها الانغام في هذا العمل. يتساءل السامع: هذه الاوتار في الكمانات تنوح حزينة ام تبتهج؟
ومن اعمال المؤلف هنري بورسيل (1659-1695) عزفت الاوركسترا عملا بعنوان "شيكوني" وهو ذو بنية ايقاعية راقصة، ما لبثت ان تصاعدت في فضاء قلعة عمان مثيرة جوا من البهجة وبرشاقة اصابع ملاك الطاهر، عازفة البيانو الاردنية الشابه جاء عمل اخر عزفته الاوركسترا وهو "مونشرتو البيانو" للمؤلف يوهان سباستينان باخ (1685-1750) واستطاعت الطاهر ان تتغلب على صعوبة في العمل، فهو اصلا مكتوب لالة (الهاربسكورد) وتم تنفيذه لاحقا على مفاتيح البيانو، كما انها بدت موفقة في عزفها لعموم المساحة المخصصة للبيانو .
وفي القسم الثاني من الامسية.. عزفت الاوركسترا من اعمال موتسارت (1756-1791) احدى الحانه الثلاث الخفيفة التي جاءت في شكل "ديفر تمينتو"، وفي هذا اللحن يقدم موتسارت فكرة موجزة عن مؤلفاته الموسيقية كلها. فهي اذ تعتمد البساطة نصل الى الممرات المغلقة للنفس البشرية . هكذا تشدو المانات والفيولا والتشيلو وهكذا يفرح المستمع ويبتهج. كما عزفت الاوركسترا "المقطوعة الحالمة للوتريات" التي كتبها المؤلف غبريال فورية (1845-1924) وفيها يظهر المؤلف الفرنسي عنايته باظهار بعض الملامح والجذور المحلية في موسيقاه، وبالتالي تحقيق الاختلاف عن الرومانسية الالمانية. وهذا ما اكده لاحقا فورية بوضعه موسيقى رفيعة لعدة قصائد من الشعر الفرنسي .
حفل موسيقي في قلعة عمان
ومن اعمال المؤلف بيلا بارتوك (1891-1945) الذي يعتبر من الاسماء البارزة في موسيقى القرن العشرين، عزفت الاوركسترا عمله "الرقصات الرومانية". وفيه يظهر بارتوك قدرته على هضم الارث الفولكلوري في الموسيقى وتمثله بما يمكن تسميتها مرحلة "الرومانسية المتاخرة" في الموسيقى.
وخلال تلك "الرقصات الرومانية" امكننا التعرف على انماط من المشاعر لن تكون بعيدة عنها حيوية وحدة مشاعر (الغجر) فالمقطوعة الاخيرة كانت انعكاسا لذلك التنوع الغامض والمدهش في روحية (الغجر) وموسيقاهم .
*متابعة نقدية نشرت في صحيفة "الرأي" 5/6/1997
|
