صورة عربية وفق اطار موسيقي غربي؟

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       17/11/2009 06:00 AM


المؤلفان الموسيقيان والعازفان: زيد ديراني وخالد اسعد
اي موقع لصورتنا العربية في اعمالهما المكتوبة وفق اشكال غربية ؟

تثير الأعمال التي يضعها المؤلفان الموسيقيان الأردنيان والعازفان على البيانو زيد ديراني وخالد اسعد اكثر من سؤال لجهة حضورالشكل الموسيقي الغربي ( الكلاسيكي او المعاصر) في تلك الأعمال، فاي اثر من الممكن ان يحققه عربيان في شكل من النتاج الموسيقي بات محكما في قوالبه حتى ان من النادر ان يقاربه غربيون حاليا الأ في الشكل المعاصر ؟ ثم اذا افترضنا ان النتاج الموسيقي شأنه شأن النتاج الثقافي العالمي هو " شراكة انسانية" ، فاي ملمح لصورتنا العربية ( صورة العازفين الثقافية الوطنية) يبدو حاضرا في اعمال المؤلفين ، وهل تمكنا من نقل روحية عربية ثقافية الى " الآخر" الذي تعاطى مع موسيقاهما التي كانت قريبة الى تكوينه وذائقته الموسيقية؟
ديراني:"مملكة السلام" صورة الأردن ورسالته
"موسيقى تجسد الرؤية العربية وتمجد التاريخ القديم، موسيقى ذات مضمون ورسالة انسانية، هذه هي الموسيقى التي احلم ان اشارك بها الناس عن قريب"،على هذا النحو كانت تتدفق امنيات عازف البيانو زيد ديراني حين كان يبلغ السابعة عشر خلال حفله الموسيقي الأول 1997 في عمّان ، مشددا" لا بد لي كعربي و شرقي يرغب في ان تشارك موسيقاه العالم ان يكون له بصمة عربية تميزه عن غيره" وكلام مهم كهذا حاول  ديراني مقاربته في مقطوعتين الاولى بعنوان "زنود النار" وتصور" تمسكنا بالهوية العربية، وعدم السماح لاي احد مهما كان بان يتهم امتنا العربية بالجهل والصاق الشبهات المزيفة بها ،وضرورة الدفاع عن حقوقنا وفرض هويتنا بزنود من نار"،  و المقطوعة الثانية فهو عزف منفرد على الة البيانو وضعها ديراني لفلسطين، وهي تعبر عن فكرته، تجاه ذلك "التكوين الحزين لتلك الارض المسلوبة التي يحييها عاشقو الحرية والعدالة والكرامة والكبرياء".
ويسعى المؤلف الموسيقي وعازف البيانو الاردني زيد ديراني الى اقامة عروض موسيقية تنقل فكرته عن اثر الموسيقى في الاشارة الى براعة اردنية في التعبير الجمالي لا تتوقف عند حدود املكان بل تخاطب الجمهور في مناطق متعددة من العالم ومنها في الولايات المتحدة حيث انهى دراسته وبدأ عمله عازفا ومؤلفا فيها.
ووفر زيد ديراني من خلال عرضين موسيقيين ناجحين: "من جوف شرق ازلي" واحلام القلعة الذي شهدتها جنبات قلعة عمان التاريخية مزاوجة ذكية ما بين المرجعيات شرقية وعربية وبين الاطار الغربي من خلال الاوركسترا التي تضم الات موسيقية ربية، وهو اطار يوفر لعمل ديراني امكان الوصول الى جمهور عريض في العالم.
 

ديراني : التحليق من " مملكة السلام" الى العالمية
 
وامتدادا مع هذا الاتجاه في عمل ديراني فانه احيى بواشنطن قبل سنوات فقرة ضمن مهرجان "انا العربي" المخصص للمبدعين من العرب في الولايات المتحدة وفيها قدم ثلاث مقطوعات على البيانو المنفرد، تحمل اسمه كمؤلف، ويسعى عبرها الى تاكيد قدرته كاردني وكعربي على مخاطبة الجمهور الاميركي ، واختياره مقطوعة "مملكة السلام" جاء لتدعيم انطباع عميق عن انسان هذه المنطقة، انطباع تحاول بعض الاتجاهات القسرية في الغرب ان تشكله عن انسان منطقتنا، لتجعله صورة نمطية عن (ارهابي) او (متطرف) فموسيقى زيد ديراني ونسيج فكرتها، يذهب الى مهمة تشتيت هذه (الصورة النمطية) لابن هذه المنطقة، ويعلى فيه انفتاحه على الحياة ورغبته في اقامة حياة هادئة ومستقرة وامنة وهذه بعيدة كل البعد عن كل معلم من معالم التطرف التي تريد قوى معينة الصاقها بالعربي.
وفي حين استفاد ديراني كثيرا من دراسته موسيقى الجاز وانماط الموسيقى المعاصرة، فانه وبحسب مااظهره من براعة في التاليف منح حصصا دراسية اضافية في التاليف، فيما تركت مؤلفاته انطباعات ايجابية عند اساتذته ويخاصة تلك اللمحات العربية والشرقية التي تضمنتها.
خالد اسعد:" القدس" جوهرة موسيقية
في انفتاحه على الوان التأليف الموسيقي الغربية  قدم عازف البيانو والمؤلف خالد اسعد عمله المهم "القدس: المدينة المقدسة" الذي جاء على شكل (سوناتا) في ثلاث حركات، وليؤكد مهارته عازفا فقد تخصص باعمال مكتوبة للبيانو ومنها " رابسوديات" المؤلف الهنغاري فرانز ليست واعمال الروسي رحمانينوف.
الحركة الاولى من "القدس: المدينة المقدسة" التي حملت عنوان "قبل الشتات" استخدم خالد اسعد لحناً مقاماً عى اساس الثيمة اللحنية الشعبية (على دلعونا)، ولكنه خرج من الاطار الاستعادي (الذكرياتي) لمرحلة ما قبل النكبة 1948، ليقيم اطاراً لاحداث مركبة ومتذاخلة ضمن لحن حزين لاتخفى نغمة الغضب فيه.
اللافت في الحركة الاولى، هو اللحن الذي قارب (المارش العسكري) الذي يشير من خلاله اسعد الى المقاومة التي ستتصاعد من اجل فلسطين الضائعة وكي لا تصبح اسيرة مخاوف منفى طويل.وهذه المعاني، احتاجت ملامح مركبة في العمل استطاع خالد كمؤلف ان يحددها، وفي الوقت ذاته استطاع كعازف ان يتوفر على تكنيك جيد لابرازها في نغم مسموع ويلاقى بالانتباه من قبل المستمع.
في الحركة الثانية التي حملت عنوان "المنفى"، يتوقف خالد اسعد عند حدث اتسم بالمفاجأة والمباغتة، وهو تهجير الفلسطينين من بيوتهم، قراهم ومدنهم، وانعكس ذلك في لحن سريع وايقاعي ليواكب سرعة الحدث ووحشية ايقاعه، فيما يتحول اللحن لاحقاً الى البطء للتعبير عن الحزن والخوف الذي جاءت به وقائع التهجير.
وفي الحركة الثالثة (سقوط القدس)، وازاء الحدث الجلل الذي تحاول تجسيده، يكاد المستمع يشعر بأنه ازاء حدث متداخل الايحاءات ومتراكب، وهذا ما يبرز في لحن يكاد يصدر لتعدده النغمي من اوركسترا وليس من آلة واحدة هي البيانو، وهذا مؤشر آخر لبراعة اسعد التأليفية والعزفية، والذي يتعمد في آخر الحركة استخدام ميلودي اقرب الى الهدوى ليعطي المستمع الايحاء بان املاً لابد ان يطل على حياة المدينة المقدسة بعيداً عن وقائع الاحتلال.
 

اسعد : هل يعترف "الآخر" بجوهرته الموسيقية عن القدس؟
 
و يقدم عازف البيانو والمؤلق الموسيقي الاردني خالد اسعد نوعا من المثابرة في حقل الموسيقى الجادة يحسب له كمؤشر علىذائقة ومومهبته الرفيعتين، فهو بعد مجموعة من الحفلات الموسيقية داخل الاردن وخارجه التي قدم من خلالها مهاراته في التوقيع المتناغم على مفاتيح مفاتيح البيانو، قدم بوصفه عازفا اعمال "ليست" و "رحمانينوف" في واحد من ارقى امكنة العرض الموسيقي الرصين في الوطن العربي: دار الاوبرا المصرية.
ويقول خالد اسعد (مهندس مدني خريج جامعة نورث ايسترن/بوسطن 1986) عن غلبة الطابع الغاضب والروحاني والحزن على موسيقاه: "الحاني انعكاس لواقع امة، وانا منذ ولدت اكتشفت حزنا وتعبا في عيون الناس، ومن هنا كانت الالحان الغاضبة والحزينة محاولة لقراءة مشاعر امة مكسورة لكن ليس بالضرورة مهزومة، لا سيما انها تستند الى ذخيرة حضارية وامتداد روحاني عميق، ووعي لهذه القضية جعل الروحانية في اعمالي تبدو واضحة ومحسوبة".
نحن في ما يبرزه ديراني واسعد حيال " نوايا كبيرة" عن تضمين رؤى وقضايا عربية في اعمال تندرج اصلا في اشكال ثقافية غربية ، ولكن هل ثمة وسائل عملية لنقل " الأفكار عن الهوية الثقافية العربية" توصل اليها المؤلفان؟
ديراني نشط في جولات على امتداد الولايات المتحدة وصولا الى اليابان ومرورا بالمكسيك ودول اوروبية ، ومثله قدم اسعد حفلات في مدن اوروبية كمدينة "كان" الفرنسية وجنيف السويسرية فضلا عن حفلات يرافق من خلالها مجموعات سياحية تفد الى الأردن ، ولكن هل يبدو هذا كافيا في نقل " صورتنا الثقافية" الى جمهور غربي عريض ؟ الجواب لايبدو ايجابيا ، ذلك ان الحفلات الموسيقية الجادة حتى في الغرب، تبدو نخبوية ، وتقام في اجواء تغلب عليها العلاقات الإجتماعية، فيما يظل التأثير الحقيقي متصلا بتوزيع الإسطوانات ومدى بثها في وسائل الإعلام ، واذا كان ديراني تمكن من اختراق طوق الإنتاج الموسيقي الأميركي وصدرت له اسطوانة منفردة وعددا من الإسطوانات المشتركة التي ضمته الى جانب مؤلفين مرموقين برعوا في شكل " موسيقى العصر الحديث " او " نيو ايج ميوزيك" ، الا ان خالد اسعد وبحكم اقامته في الأردن وصعوبة اختراق مجموعات " الصناعة الموسيقية " المتنفذة في العالم ، لم يتمكن من وسيلة تأثير للوصول باعماله الى " ألاخر"وعلى نطاق واسع. صحيح انه لفت الى قدرة خاصة في قراءة احداث معاصرة عبر عمل موسيقي من تأليفه كما في مقطوعته التي حملت عنوان " تبعات نيويورك" ، وصور فيه عبر النغم الحي والمؤثر مشهد الهجوم على نيويورك في 11 ايلول 2001، الا ان اجمل الأعمال يمكن لها ان تفقد تأثيرها اذا لم تصل الى الجمهور العريض ، وهو ما يحصل للأسف مع اعمال متوهجة بالجمال والفكرة المتطورة ، كأعمال اسعد التي لم تصل بعد الى جمهور ( غربي) قد يتعرف على روحية ثقافية عربية تأتيه هذه المرة عبر شكل فني لطالما تعرف اليه واصبح جزءا من تكوينه الثقافي.


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM