عمان- علي عبد الامير
ماالذي يدفع اسبانيين لغناء مجروح وموسيقى متهدحة يصوغان قراءة شخصية واسبانية خدمة لمخطوطات الشيخ الاكبر محي الدين بن عربي؟ غير الاتصال العميق بفكر هذا العارف والفيلسوف والشاعر المتصوف وماالذي يدفع معهد ثربانتس ووزارة الثقافة لتنظيم هذا الاحتفال؟ غير الانهماك بخزين روحي يليق بالتجربة الانسانية ويبقى جديرا بان تتمثله حتى وان بعدت الاجيال عنه.
كان المسرح الرئيسي في المركز الثقافي الملكي ولمرات عدة، شهد امسيات موسيقية ضمن اطار "الفلامنكو" الاسباني، الا انه ولاول مرة يشهد تصاعد انغام "الفلامنكو" الاسباني، وهي تحتفي برمز معرفي عميق، رمز عربي وشرقي وانساني كذلك، هو الشيخ محي الدين بن عربي. وكان الحدث الموسيقي الذي نفذه بريادة تذكر لهما، الاخوان كارلوس وكورو بنيانا، مسك ختام ندوة نظمها معهد ثربانتس (المركز الثقافي الاسباني) ووزارة الثقافة، قرات فكر محي الدين بن عربي وارثه المعرفي.
قهقهات في طقس روحي وتاملي!
الامسية الموسيقية بدات مع اطلالة المغني كورو بنيانا بصوته الصداح وتهدجات المشاعر، ليصوغ قراءة مالفكر اين عربي وشوفاته العميقة، وظل الصوت مجروحا فيما قابله بعض الجمهور السفيه بضحك وسخرية، ومازاد طين خيبتنا، في عدم اهتمامنا برمز كبير خاص بنا بلة فعوضا على اكبارنا لاسباني يحتفي برمز يفترض انه منا، نذهب الى قهقهة تدل على سذاجة لم تسكت على مدى الامسية التي يفترض انها مخصصة لطقس روحي وتاملي بل لرمز تصوفي!!
وبالرغم من هذا، كان الاداء الحقيقي للاخوين بنيانا، كافيا لجعلنا نحس بالمعاني وهي تشف بروحية الاداء وعذوبته وبالرغم من المجروحة، فالجانبان اختزنهما صوت المغني الذي اقام توازنا مع عزف كارلوس بنيانا على الغيتار.
من اجواء الاندلس
في حالات العزف المنفرد على الغيتار، وجدنا الحانا من الممكن ان تكون على اية حالة او اسم او معنى لا علاقة لها محددة بمفكر او صاحب رؤية. ويبدو ان الاتباط الغيتار بالايقاعات اللاتينية السائدة في الغناء الغربي والعربي اليوم على حد سواء، له التاثير على تاكيد انطباع حول (عمومية) ناثير الغيتار وغياب خصوصية في التعبير عن فكر بن عربي، غير ان هذا لا يعني ان (الفلامنكو) كصياغات لحنية يمكن ان تكون منفصلة عن ارتباط قوي وحضور مؤثر لالة الغيتار.
الامسية منحتنا فرصة نادرة لاتصال حميم بين نهجين ثقافيين، يلتقيان عند الاحتفاء بالانسان وفاعليته الفكرية والابداعية.
* متابعة نقدية نشرت في صحيفة " الرأي" 16/3/2000 |