كتب: علي عبد الامير
اجتمع فنانون موسيقيون في مصر وبلغاريا وفرنسا على اجتراح تجربة اقرب الى المغامرة منها الى العمل المدروس فنيا، فانتجوا اسطوانة مدمجة حملت عنوان "موزارت المصري"، معولين على فكرة من طاغور تقول: ينشد الشرق والغرب احدهما الاخر ولابد ان يلتقيا".
وفكرة التقاء الشرق والغرب، حاول الفنانون قراءاتها عبر ايجاد مقاربة بين لفجانغ اماديوس موتسارت (1756-1791) وبين بعض الالحان الشعبية المصرية، المستخدمة في مرافقة الاشكال اموروثة في صعيد مصر تحديدا.
ولم يتوقف اللقاء بين الشرق والغرب بحسب الجماعة التي انتجت "موزارت المصري" عن استخدام الرباية والطبلة والارغول بل في استخدام الغناء الشعبي المعروف في صعيد مصر الاقرب الى السرد المنغم للحكايات والقصص. وضمن هذه الاجواء نتعرف على امال من موتسارت وقد قاربت الانغام الشعبية. فيصبح الكلارنيت والكمان والفيولا الى جانب الطبلة والربابة والناي ، والمزيج حاول تقليل التنافر بايجاد تشابه مقامي، لكن ذلك لم ينفع في الكائن المسمع النهائي.
وحسب القدرة نفسها على المزج غير الدقيق، امكن الاستماع الى موشح "لما بدا يتثنى" ليصبح بغنائه ولحنه، مجاورا للحركو الاولى من السيمفونية الاربعين لموتسارت.
وغير بعيد عن تاثير غناء اهل النوبة وشمال السودان ياتي نقطع اخر ليتصل بواحدة من "اريات" موتسارت، ثم في مقطوعة اخرى يتصل العود بالبيانو وعبر مجاورة مقامية بدت معقولة لجهة تخلي الالات عن التجسيد ونزوعها الى تجريدية ما.
غلاف اسطوانة "موزار المصري"
ومن هذا الملمح الى اخر مضاد له بالكامل، فهناك اشارات التجسيد الى جو شرقي بحت (صوت الاركيلة) ثم مقطع غنائي بصوت يشكو الجفاف "حامل الهوى تعب" قبل ان يغني نفس المقطع ولكن اعتمادا على معالجة لحنية من موتسارت حين كتب مقطوعة باباغينو رقم 25".
وفي عودة لـ"الموشحات" هناك موشح "يامن هوى" وماان تنتهي المنشدة التي تؤدي لازمة الموشح، حتى تدخل نغمة جارحة من انفعالات لطالما ابدع فيها موتسارت عذاباته رغم فرحة وبهجة الظاهرة.
وتستمر في غير فقرة هذه المزاوجة، فيصبح "القداس الجنائزي" لموتسارت والذي يوصف غالبا بانه واحد من اكثر الاعمال التي كتبها موتسارت عمقا وغنى، بل انه ساهم في ايصال جسده الى حد انهاك اوصله لاحقا للموت، يصبح ذلك القداس في اسطوانة "موزارت المصري"نمطا من انماط "الذكر الديني".
وتصبح السيمفونية 25 لموتسارت في الاسطوانة "مقطوعة مصرية" ليست ببعيدة عن القيمة الاساسية لمقطوعات تفضلها نجمات الرقص الشرقي .
ترى اي معرفة سيغنيها محبو موتسارت الشرقيون وهو يتجول بين حواري شعبية في صعيد مصر؟ واي اكتشاف سيتوصل اليه عشاق مصر الغربيون وهم يستمعون الى الالحان الشعبية المصرية وهي تقارب قوالب السيمفوني والكونشرتو والرباعي والغناء المصري اذ يصبح اوبراليا بعض الاحيان؟.
ثم يمكننا اعادة السؤال بطريقة اخرى: اهذا هو مفهوم "التقاء الشرق مع الغرب" عند اصحاب الاسطوانة الغربية و(مبدعي) مغامرتها؟.
لو كان كذلك فهو مفهوم تعرض لتبسيط اقرب للفجاجة، فنتاج موتسارت، ليس نتاجا خارجا عن محمولات عصره ولابيئته مثلما نتاج المصريين الروحي في الغناء والالحان فهو ابن البيئة ويحمل رؤى الانسان الدارج على طبيعتها ولاضير اطلاقا ان يظل كل منهما في حدود بيئته ونتاجها الروحي، وتنوعها دليل على الاصالة وضياع الحدود بينهما، هو الذي يجعل العمل الابداعي بلا لون محدد.
* متابعة نقدية نشرت في مجلة "الموسيقى العربية" 1998. |