في اسطوانة قد تكون افضل ما انتج من موسيقى في العام2004 الصيني يويوما والإيطالي ماركوني يبدعان نغما ساحرا في فضاء اميركي
واشنطن – علي عبد الأمير اسطوانة العام 2004 قد تكون من نصيب افضل عازف تشيللو في العالم ، الصيني الأصل يويوما ، وفرادة الأسطوانة لم تأت من وجود العازف البارع الذي جعل من آلته مصدرا للتعبير الفصيح عن الشجن ، بل من كونها وفرت حدثا نادرا عبر لقاء قمتين في موسيقى العالم المعاصرة ، فالى جانب يوما الذي بعث حياة جديدة في موسيقى فيفالدي وبرامز وجورج غيرشوين ، نجد المؤلف الإيطالي الأصل اينيو ماركوني الذي كتب الموسيقى التصويرية لروائع في السينما وقعها مخرجون امثال : رونالد جوفي ، غوسيبي تورناتوري ، سيرجيو ليوني ، برايان دي بالما وغيرهم. الموسيقى هنا جادة وراقية وتعبيرية معاصرة في آن ، ولولا نسيجها المتماسك ما كان للعازف الأمهر على التشيللو ان يقاربها تاركا مهارته في سبك القطع الكلاسيكية ضمن اطار روحي جديد. يويوما يبدأ من موسيقى ماركوني في فيلم المخرج رونالد جوفي " المهمة" ( 1986) الذي لعب دور البطولة فيه روبرت دي نيرو ، وفيه تنساب الجمل الموسيقية التي يؤديها " التشيللو" مع فيض من لحن هادىء ولكنه متدفق تؤديه الأوركسترا وهي هنا " اوركسترا روما السينفونية " ، انها نحو ثلاث دقائق ونصف من الشجن الإنساني الذي بدا فيه ماركوني صادقا في التعبير عن تلك " المهمة" لمبشر مسيحي في ادغال اميركا الجنوبية .
يويوما : لمسة عصرية ساحرة على كلاسيكية التشيللو
وينتقل يويوما الى تلك الأجواء التي صاغ فيها ماركوني معادلا سحريا لرقة سينما المخرج الإيطالي غوسيبي تورناتوري ، فيبدأ بقطوعة صغيرة من " اسطورة 1900" لينتقل الى جوهرة تورناتوري " سينما براديزو" الفيلم الذي ظفر جائزتي " كان" و" اوسكار" وصور طفلا في قرية ايطالية تسحره السينما وتأخذه الى عوالمها الحلمية الخلاقة . ومن موسيقى ماركوني لإفلام تورناتوري ايضا يختار يويوما ، مقطوعة من فيلم " مالينا" ( 2000) الذي يصور امراة جميلة في صقلية، تعاني الوحدة بعد غياب زوجها في جبهات الحرب ( العالمية الثانية) و صبيا يقيم من صورتها عالما حسيا خاصا به. هنا يروي " تشيللو" العازف الأمهر صورة شديدة التكثيف عن احساس غامر بالوحشة والظنون والمخاوف ، كذلك الحزن العميق عبر حوار مع وتريات الأوركسترا . ومن اجواء الحالم تورناتوري ، ينتقل المؤلف ماركوني الى افلام الكاوبوي بطبعتها الإيطالية والتي حملت ملامح المخرج سيرجيو ليوني . ويختار يويوما من فيلم " حدث ذات مرة في اميركا" ثلاث مقطوعات بينها من صارت ملمحا مكثفا عن عبقرية ماركوني في اعطاء السينما بعدا عميقا عبر الموسيقى ، وتكفل " تشيللو" ثائر ومتوحش تارة ، منكسر وحزين تارة اخرى بتجسيد هذا المعنى حتى ليكاد المستمع ممن لم يعرف الفيلم ان يتحسس اشتباك المصائر كما جسدته الأنغام. ويكفي ماركوني هنا فخرا ان موسيقاه وهو الإيطالي صارت لشدة تعبيريتها المكثفة ملمحا يذكر باجواء افلام الغرب الأميركي ، وهنا يزيدها يويوما ببراعته عمقا وتأثيرا مرهفا. وضمن اجواء ما عرف " سينما سباغيتي "للمخرج ليوني نسمع في الأسطوانة الحانا من " حدث ذات مرة في الغرب" و" الطيب ، المتوحش والقبيح "، قبل ان نصل الى مقطوعتين صاغهما ماركوني في فيلمي المخرج برايان دي بالما " خسائر حرب" الذي جاء قصيدة غاضبة ووحشية في نقد الحرب الفيتنامية ، وفيلم المافيا " المحصنون". وفي الأعمال الأولى التي وضع ماركوني موسيقاها نسمع الحانه في مسلسل " موسيس وماركو بولو" في الأسطوانة ذاتها الصادرة عن " شركة سوني" ، وحين نسمع " الثيمة الأساسية " للمسلسل فاننا قد نكون ازاء افضل موسيقى تصويرية كتبت للشاشة الصغيرة ، وبث فيها يويوما حياة جديدة . وضمن سياق القديم من اعماله الموسيقية للسينما ، تأتي مقطوعتان من تأليف ماركوني في موسيقى فيلم" السيدة كاليف" ( 1970) الذي لعبته الجميلة الراحلة رومي شنايد ، واليهما امتدت " الأصابع السحرية" للعازف يويوما ، فكانت جزءا من سحر مزدوج للنغم والصورة التي عوض ملامحها ، حضور بارع وآسر ل" تشيللو" العازف الصيني ، لايمكن معه للروح ان تبتعد عن عمقها الإنساني .
*نشرت في صحيفة " الحياة" أواخر العام 2004 |