إستفاق الشاعر فوجد نفسه (صنديد البوابة الشرقية)

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       14/11/2009 06:00 AM


كانت لحظة شديدة الحرج،  وكانت المدينة تتسلى بالنظر الى الكارثة نظرة السارق المتيقن من المكان الأمين لما خبأته يداه،  ومن قناعة مؤكدة ان لا أحد سيسميه سارقا. لحظة ستختصر مصير البلاد وتوصلها إنحطاطا،  كالذي عناه ان الجنود في طريق هزيمتهم في العام  1991تركوا آلاف الجثث لزملائهم مرمية على قارعة الطريق، لحظة كانت المدينة فيها تتحول من فتاة جميلة  تزداد رقة وعذوبة الى إمرأة مبتذلة،  فلا جفنها رفّ من رحيل كئيب لأجمل بنيها،  مثلما لم ترتبك حين عبرت الشاحنات  دجلة أول الفجر، محملة بآلاف إنتزعوا من بيوتهم التي لم تشفع  لهم رائحتها العتيقة واعتبروا "غرباء" و " رتل خامس "،  و سيقوا الى حدود ستلتهب بعد أشهر وتصير جهنم ماتزال حتى اليوم تقذف قتلى منسيين أو تشهد عبور أسرى من اليأس الى اليأس.  مدينة  نزعت جمالها  وأخرجت لسانها لمرعوبين : لشيوعيين وشيعة و"تبعية" وبعثيين هم " الأقارب حتى الدرجة الرابعة لأربعين " قياديا " قالوا ان حقول البلاد تنكشف عن صبير استعار سلوك القنفذ في رمي الأشواك الحادة .
دم نافس النهر في تدفقه والمدينة تلهو بالورد  الخدران على فخذيها،  يرميه " فارس الأمة " تاركا حلوته، تتلوى نشوانة دون ان يخرّب صمتها الرخيم،  صوت نشاز لعازفين خرجوا على أوركسترا منضبطة،  تختلس الأنفاس خلسة كي لا تخدش هدوء المايسترو المبتعد الى كرسي في الشرفة دافعا بحذائه نحو الى أفق نهر دجلة المتطلع نحو ضفته اليسرى في بغداد متعجبا من رؤية جنود يبنون سياجا حديديا  بينه وبين كركرات أطفال المتنزهين عصرا و آلاف الندامى السكرانين ليلا  في شارع " ابو نؤاس " الذي سيتحول جثة طويلة بعد أن هجره المتنزهون،  وأوصدت حاناته الأكثر من مئة ، أبوابها،  إنسجاما مع " الحملة الإيمانية "،  ونكاية باسم الشاعر " الفارسي الأصول ".
في مدينة كان الوقت يجف فيها والغناء يصير صوت أجلاف متحمسين، يبنون سياجا يمنع الكركرات من خدش أسماع المايسترو، في مدينة كهذه وفي فجر رمادي كان يتأهب لجعل المدينة صحوا جافا، أستعيد هنا، أنا الحالم الحزين صوت الشاعر صلاح فائق :
" لاشئ اقسى في الصباح  
 من رؤية عمّال
يشيدون السجون ".
كانت الحمامات تهج فزعة،  غير ان الظل الرخّي،  فاتن وأزرق شفاف،  تحت ياقة هاشم شفيق حين أحمل اليه مقالتي عن مجموعته الأولى " قصائد أليفة " كما نشرتها مجلة " الثقافة". البيوت التي اتسعت، بقلوب شجاعة لفتية ستنأى بهم الطرقات، مالبثت ان أوصدت الأبواب المشرعة : كتب تحرق وحقائب تعّد على عجل وأمهات ( مات اغلبهن الآن ) يشهقن لرحيل الأبناء المرتبك . ومثلما أسرني جواد الأسدي  بعذوبة عرضه المسرحي " العالم على راحة اليد "  هزّني برحيله السريع الى بلغاريا تاركا نداءه " أوصيكم بامسيات مع حبيباتكم وقد تعطرن بشذى القدّاح في الوزيرية " ومضيت كالأخرق أتساءل : أيعقل جفاف كل هذا الجمال في المدينة ؟ أيعقل ان لا تتشابك الخطى ندية على عشب حديقة " المركز الثقافي البريطاني " ؟ أيعقل ان لايعود جواد الأسدي ويضع بيننا تتمة عرضه الحالم الحزين ؟ أيعقل ان لاتأتي (صفاء) الناعمة اللذيذة الذكية ؟ أيعقل أنني لن أسمعها تغني " دقيت ، طلّ الور عالشباك " وأبكي ؟ هل انني راحل؟ هل انني قادر على ان اكتم أنفاسي وأنهرها من شمّ  رائحة" ورد الرازقي " ؟ هل سأنسى النشيج في ليل الوزيرية حين أخوض طرقاتها المبللة بآخر رشقة مطر في اذار،  عابّا في صدري رائحة القدّاح فيما لحن جاز يخرج من حانة نيويوركية ويصلني كونني صاحب " قلب كسير "؟ هل سأنسى الطريق الى بيت آل ياسين : جبار الذي غادرني وهو يشيح بوجهه عني قائلا " مدينتنا ماضية الى خراب يعدّه سفلتها الحاكمون ! و نبيل الذي باع قسما من مكتبته قبل رحيله فاجده عند هاشم ( أخطر بائع للكتب في بغداد ) فاشتريها وفاء لصاحب " الشعراء يهجون الملوك " و جعفر الذي أبهرنا مراهقين أوائل سبعينات القرن الفائت كونه صاحب تسريحة شعر جريئة كانت هدفا لـ " شرطة الآ داب " التي بثت رجالها كي يجزّوا شعر الرجال الطويل،  وصبغ سيقان الفتيات بالدهان الثقيل حين يكشفها ثوب قصير، و جمعة الذي كان يخفف من روعي مستعيدا معي :" خراب اينما حللت "، وهاهو الخراب  يدخل المدينة،  نصافحه ونبتسم،  فترمي لنا المدينة ما تجعّد من أوراق الورد الذي طرّى فخذيها .
أمضي الى آخر امتحانات الكلية كأنّ على رأسي الطير،  سيارة " شرطة الأمن" المعروف لعيون كثير من العراقيين في سبعينات القرن الماضي : (فولكسفاغن بيضاء)،  عند الباب الرئيس المؤدي الى  عمادة الكلية ، فأغيّر طريقي كي أدخل من الباب البعيد المؤدي الى "قسم التشريح "،  ولحسن حظي ان الأستاذ المشرف على قاعة الإمتحان، كان أشبه بصديق قبل أن يكون إستاذا ولطالما جمعتني به أحاديث عن الأدب ، كما انه  نجل الروائي العراقي المعروف مهدي عيس الصقر،  وحين قابلني عند باب القاعة ، اشار الى انه يفضل دخولي من الباب الخلفي للقاعة،  دون ان ينسى القول: "أجب على الإسئلة باقصى سرعة واترك القاعة مثلما دخلتها،  من الباب الخلفي ". رغم الخوف ، كنت أتطلع الى باقي الزملاء في القاعة وكعادتها كانت ندى، جريئة حين إعتادت في كل إمتحان أن ترفع طرف تنورتها وتنقل الأجوبة التي دونت بعضها على أعلى فخذها!
كنت أول الخارجين من القاعة،  وكان الطريق طويلا من " قسم الجراحة " الى أول حي سكني ملاصق لسياج الكلية الذي قفزته،  ومن هناك الى محلات " صوت الفن "لبيع الأشرطة الغنائية  الذي وجدت فيه ملاذا يبعد عني الشبهات، وحولّت الغرفة الملحقة به الى مايشبه المستقر، خوفا من الذهاب الى المنزل الذي طرق أبوابه رجال شرطة  وحزبيون. وجدت في تسجيل الأغنيات وبيعها فرصة كي أجمع مالا يمكنني من السفر،  كنت منتشيا وأنا أضع شريط " ساتدرداي نايت فيفر " في جهاز التسجيل الضخم ، لتنبعث ألحان صاغها ثلاثي " بيجيز" لفيلم ترافولتا الشهير . أختار من الشريط أغنية " مور ذان اوومان" الراقصة  حين يكون الراغب في اقتناء الشريط رجلا، والأغنية الهادئة " هاو ديب إز يور لوف" حين يكون  فتاة جميلة، وعبر تلك الأغنية، طرقت على أيامي المكتظة بالرعب، أصابع رقيقة لفتاة تكاد تلقّن الآخرين درسا في النعومة،  ولأكتشف بعد أيام  ان كل ذلك الجمال الذي تختزنه صديقتي، ذهب بحفظ وزارة الاعلام العراقية ورعايتها الى فرنسا لدراسة " الترجمة الفورية" استعدادا لـ" مؤتمر قمة دول عدم الانحياز" الذي أعلن عن تنظيمه في بغداد العام 1982!
الثوابت الجمالية التي كانت تحدد معرفتي بالموسيقى ، " تهرأت" شيئا فشيئا ، فمع الطيف الهائل لأذواق الآخرين،  ومع إكتشافي نظرتهم اللامبالية بملامح الكارثة وهي تطل على المدينة من كل صوب، ومع تبدلات في مشاعري التي اقتربت من الغضب ، تعرفت الى رجال ونساء،  من بين الرجال فاجأني ذات يوم بصوته الهاديء ونظرته القلقة من خلف زجاج نظارته،  رجل قال انه المترجم الخاص لوزير الثقافة والإعلام ( بناية الوزارة فوق محلنا الموسيقي) ، وانه يبحث عن الغريب والجديد في عالم النغم،  سألني عن شريط في هذا الإتجاه،  فقلت أنا شخصيا أستمع الى شريط مأخوذ عن إسطوانة مزدوجة بعنوان " جلجامش"  من تأليف وغناء السوري المقيم في فرنسا عابد عازريه،  فاقتناه،  وعاد بعد أيام ليحدثني عن كنز من الأنغام في إشرطة من الموسيقى التركية،  حاملا لي بعضها ، غير انني لم أحتمل الإيقاع الهاديء حد الخفوت فيها،  واعدتها له بعد أيام مع إطراء كاذب.  انه مازن الزهاوي الذي ربحت منه شريطا نادرا تضمن حفلة غنائية خاصة للمطرب العراقي الراحل ناظم الغزالي في احدى البيوت البغدادية الراقية،  التقيته في " نادي العلوية " بعد ثلاث سنوات من آخر لقاء بيننا في " صوت الفن " ولكنه كان على غير ملامحه الهادئة،  فهو قد أصبح " المترجم الخاص للرئيس" وفي نطاق بزته العسكرية مسدس ضخم،  وفي يده اليمنى  مفاتيح سيارته الفخمة ، وفي اليسرى جهاز إتصال لاسلكي . الزهاوي ذاته وجد ميتا في شقته ببغداد العام 1994 !
ومن النساء الجميلات روحيا اللائي عرفتهن،  صيدلانية بالقرب من محلنا تهوى الغناء العراقي " المجروح" كما كانت تقول،  تقتني من ياس خضر " البنفسج " و " روحي " مثلما تختار من فؤاد سالم " ردتك تمر طيف" ومن قحطان العطار " يكولون غني بفرح " ومن سعدون جابر " الكنطرة بعيدة " و من الملحن كوكب حمزة " صار العمر محطات "،  غير ان هذه السيدة الأنيقة،  لم تخف ذات يوم سعادتها اننا اشتركنا في الحماسة لأغنية الأميركية السمراء غلوريا غينور " آي ول سرفايف ".  هي ذاتها كانت تحدثني بلهفة، كيف انها كانت محظوظة حين استمعت الى اليوناني ديمس روسوس في بغداد،  وكيف بكت مع اغنيته " ذا غريك سايد اوف ماي مايند" ، وكيف انها عاشت مع عائلتها " ليلة من العمر "  حين حضرت حفلا غنائيا احيته فيروز،  و تضمن أغنية لم تزل حتى اليوم،   أجمل أغنية في وصف بغداد ومحبتها " بغداد والشعراء والصور " .


ساحة " الجندي المجهول " في تناسقها القديم
 
تلك الفسحة الجميلة التي اسمها " محلات صوت الفن " أغلقت،  مثلما كان يتوالى هدم ملامح الجمال في بغداد،  فذات ليلة جاءني صاحب المحل ليقول دون مقدمات : آسف ان يكون هذا آخر يوم لك هنا،  انا بعت المكان ، وسأسافر الى لندن وقد لاأعود ! عدت خائبا الى بيت صديق محملا بنسخ أصلية من أشرطة واسطوانات مقابل راتبي الأخير،  شربنا كأس خسارة جديدة،  فيما كنا نمزق معنا اوراق ونشرات وصحف مجلات شيوعية،  مستعدين اسلوبا لطالما عرفته بيوت عراقية كثيرة مع كل موجة قمع،  تعيشها البلاد.
في مواسم قريبة تالية، صحا البغداديون وقد صار معلم جميل من معالم مدينتهم،  ركاما،  هدّموا نصب"الجندي المجهول"،  ذلك التكوين المعماري المنساب بطريقة تقارب دلالات التضحية وسمو المعنى في الدفاع عن قضية عادلة،  وليبدأ مع هدمه،  موسم الإنقضاض على الذاكرة.
 
 
نصب الجندي المجهول تحت رحمة الحفارات الضخمة!
( صورة من ارشيف الفنان مقداد عبد الرضا)
 
غير ان المفارقة كانت حاضرة في المكان والزمان ذاتهما اللذين شهدا " قتل الجندي المجهول " على يد شركة هندية كانت أصلا تنفذ عقدا لمدّ شبكة المجاري في بغداد، فقد بدأت عمليات بناء فندقي " شيراتون " و" ميريديان"،  ومع إرتفاع طوابقهما كانت شعلة الجندي المجهول ذوت وصارت حكاية، تذروها رياح الزمان العراقي الكئيب.
بعد هناءات " صوت الفن " والمعرفة الحياتية العميقة،  جاء وقت الكتب ودلالاتها ، حين بدأت عملا مع هاشم،  صاحب "مكتبة النهضة" في موقعها البارز والمهم،  فهي الاولى من سلسلة من المكتبات في اول " شارع السعدون وكانت قادرة على استيعاب عشرات الالاف من الكتب . ومن بين خطوات صاحبها الجريئة والذكية خرجت  الطبعة الأولى لاعمال الشاعر سعدي يوسف الكاملة،  غير ان الأمر بدا كله مفارقة تامة،  ففيما كانت ماكينات المطبعة تدور،  كان صاحب " الأخضر بن يوسف " يغادر البلاد،  تاركا لي محنة السؤال وهو القائل: " بخرابه أرضى "؟ انا الذي كتب عني سطورا أخذتني الى الغواية تماما دون أن يعرفني،  حين وقعّ تعليقا على أربع قصائد قصار نشرتها لي صفحة " أدب الشباب " في جريدة " طريق الشعب" العام 1975 وفيها : "يتقدم صاحب هذه المقاطع الشعرية الى قصيدة النثر بثقة …"، السؤال طاف غيما على سماء صحوها أجرد و فاقع،  فاكتفيت بنظرة ساهمة،  لم تكن شحيحة،  فهي تطاول " جدارية فائق حسن"  التي كانت عنوانا لواحدة من ابرز مجموعات شعر يوسف .ومثلما اقتنيت اشرطة واسطوانات مختارة بدقة مقابل راتبي في محل الأغاني،  كنت أقتني كتبا،  وكان الراحل هاشم يقدّر ذلك لي فيجعل الكتب بنصف السعر، على الرغم من كونه معروفا ببخله الشديد، لاسيما بعد ان وجد  مقالات لي وقصائدا  منشورة  في مجلة " الثقافة " التي كان يصدرها الراحل صلاح خالص.
نذر الرعب كانت تطل على البلاد، والكارثة تكشف عن ساقيها ، غير أن ماجعل تلك النذر تصبح نذيرا، قول للناقد والمترجم والمثقف الموسوعي نجيب المانع، فذات صباح وفيما كنت أضع مجموعة من الكتب والمجلات في مدخل المكتبة،  حياني بابتسامة مرسومة بعناية كما نظراته النقدية العميقة حين يصوغ من نقد الموسيقى،  نصوصا في الأدب والمعرفة،  لإسارع بدعوته الى فنجان قهوة،  بعد ان حملت له كرسيا  ونسخة من العدد الجديد لمجلة " الهدف" الفلسطينية  التي كانت تصلنا من بيروت،  وفيه قصيدة لي عن الشاعر البحريني القتيل سعيد العويناتي،  واسأله : مارايك بالمفاجئات القادمة من طهران :" وصل الخميني والناس رفعت سيارته على الأكتاف "، وعلى النقيض من حماستي التي كانت،  على نحو ما،  تعويضا عن خيبتي / خيبتنا المحلية ، قال : "يا ابني ان ماتراه باعثا على السرور،  هو مدخل الى موت أسود سيحصد بلادنا وأهلها"! ولولا محبتي الكبرى للرجل،  وتقديري الذي يقارب التبجيل،  لكنت أسمعته مابقي مضمرا فيّ : "هذه مخاوف البرجوازيين الصغار من حركة الجماهير"،  ولم تمض سنة أو اكثر حتى كان "الموت الأسود" يطل من شبابيك البيوت في  أرجاء العراق كلها.
الى مكتبة هاشم ذاتها كانت تصل مجموعات كتب مختارة،  اكتشفت لاحقا انها كتب شعراء ومثقفين كنت على معرفة وثيقة بالعديد منهم،  وهم وجدوا في بيعها آخر الخيارات الكئيبة،  بل آخر علامة على استحالة البقاء في مكان كان العقل فيه الى تصحّر أو جنون.  ومن بين كتب موقّع عليها إسم الشاعر جليل حيدر،  إشتريت كتابا لطالما احببته،  وكوّن معالم ذائقتي في الأدب والفن والعلوم،  كتابا كنت اقتنيته يوم صدوره،  وكعادة أقراني في تلك الفترة،  أهديته الى صديقة،  تعبيرا عن إعجابي بها،  انه كتاب " الإطروحة الفنطازية "  للكاتب الموسوعي علي الشوك،  الكتاب الذي لم أتردد في إعتباره واحدا من أحسن عشرة كتب عربية صدرت في القرن الماضي ضمن إستفتاء ثقافي أجرته صحيفة عربية تصدر في لندن .  
إنتهى العام الدراسي ونلت شهادة البكالوريوس في الطب والجراحة البيطرية،  غير ان الأمر لا طعم واضحا له،  فعامي الأخير كان مخصصا لإعادة مادة دراسية واحدة  فقط  هي " الطب العدلي " تم اعتباري راسبا فيها تحت ذريعة " تجاوز غياباتي عن دروس المادة، الحد المسموح به "،  فيما تلقى كل الزملاء الأمر بالطريقة ذاتها التي فاجئتنا أنا وصديق العمر ،أمين علي عودة، والذي لحق به الحيف ذاته، فهي عقوبة على " شغب سياسي " كنا إندرجنا فيه، وأعلنت في توقيت خبيث أي في اليوم ماقبل الأخير للإمتحانات النهائية .  وكان ثمن تلك العقوبة قريب في فداحته من ثمن بطل سارتر في " المقبرة "،  فبسبب تلك السنة الرهيبة،  دفعت نحو 12 عاما من حياتي،  بددت بين نيران الحروب ورعبها،  فالزملاء الذين كنت التقطت معهم " صورة التخرج الرسمية " أنهوا خدمتهم العسكرية قبل اندلاع الحرب مع ايران،  فيما كانت السنة التي اعدت الدراسة فيها، كفيلة بدفعي الى الجيش الذي سيدخلني معه الى سنوات النار.
في صباح الثاني والعشرين من ايلول 1980 ، كنت نائما على سطح " قلعة راوندوز " في مكان جميل من كردستان العراق حيث كنت جنديا مسؤولا عن فحص اللحوم والأغذية الطرية لنحو 20 قطعة عسكرية حين مرت على مستوى منخفض 12 طائرة عراقية قاصفة،  متوجهة الى الشرق،  حينها إستفاق الشاعر فوجد نفسه " صنديد البوابة الشرقية " .


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM