على غلاف رواية "اذا الايام أغسقت"الصادرة عن"المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت-عمّان 2000" لوحة للرسام العراقي الشهير فائق حسن عنوانها "الرعب"، واذا تركنا حقيقة ان لوحة الغلاف موجه قرائي خارجي للنص الأدبي، والعنوان موجه آخر، فان النظر في اللوحة (أو صورتها بتعبير ادق) سيضعنا امام التشوه او التشويه الذي يحدثه الرعب على من يقع تحت تأثيره بصرف النظر عن مصدر الرعب او عوامله. فاذا مضينا مع مفردات ذلك التشويه الذي يطال الرأس (العقل) والجسد يمكن ان نقرأ في هذه الرواية مفردات مرعبة تعدت الشخصية التي عاشتها او عانت من اثارها الى إحداث تشويه اجتماعي وجد تجسيده في اسقاط تقاليد لها رفعتها وخصوصيتها او مسخها بطريقة تزيد جرعة الرعب في الممارسات التي مسختها.. انها التقاليد الجامعية ومكانة الاستاذ الجامعي!
اجل، وقد لا يتلقى قارئ هذه الرواية كامل رسالة لوحة الغلاف قبل ان ينتهي من قراءتها اذ تستمر وقائعها- وهي رواية وقائع- تقرع وتنقر في القلب حتى تقيم رعبها او تنشر الذهول بالرغم من انها مفردات واقع عاشه العراقيون بدرجات مختلفة، وهو ما يعيدنا الى قدرة الفن على اعادة بناء الواقع بلغة لها خصوصيتها وقدرتها الاشعاعية كما فعلته هذه الرواية من خلال جوها الغسقي المقبض لتصنع مفارقتها إذ تبث اشعاع حقيقة تنتمي الى عيش معتم .. معتم المفردات معتم الافق! اشعاع الجمر الذي يأكل في الكف التي تقبض عليه والروح التي تتلظى به .
هذا ما تبثه معاناة استاذ جامعي وجد في رسالته العلمية كل حياته ومبررها، فجاءت مروية على لسانه ولكن بصنعة امرأة وجدت في الجامعة والكتابة والثقافة حياتها ومبررها .. فرواية "إذا الايام اغسقت" ابداع استاذة جامعية هي الدكتورة حياة شراره. وهذه الورقة تحاول دراسة تلك الصنعة/ الرواية على مستوى وعي امراة عاشت التجربة المرعبة واكتوت بجمرها، ولذا تجد الدراسة نفسها امام تحديين اثنين. الاول- قراءة الرواية كنص ابداعي قراءة نقدية بصرف النظر عن مؤلفها.
الثاني- قراءتها بهدف استخلاص الوعي السياسي/ الثقافي.. قل الوعي الاجتماعي، لمبدعتها كنموذج لأمراة عراقية مثقفة تجد الورقة ان الدكتورة حياة شرارة مثقلة بالقول والعمل مما يصلح له ويتطلب الوقوف عنده بالدرس والتحليل في حلقة دراسية كهذه التي اعدت لها هذه الورقة.
وإذ تنطلق هذه الدراسة من روايتها هذه فأنها تحاول ان ترجع الى ما تجده ضرورياً لاضاءة ذلك النموذج من اعمال حياة شرارة الأخرى- وهي دراسة أكاديمية وأستاذة ومترجمة وكاتبة مقالة وفصول من سيرة - والى ما عرضته شقيقتها بلقيس شرارة في مقدمتها لهذه الرواية (ص9- ص77) من سيرة حياة ومعاناتها ومؤلفاتها. بل لعلنا نجد في هذه المقدمة تعزيزاً لم نحاول عرضه من منجز المرأة المثقفة على صعيد وعي الواقع السياسي والانفعال به وتفاعل الثقافي والسياسي في انضاج موقف حياتي إذ لم تفصل هذه المقدمة بين منجز حياة شرارة أو تشكل وعيها بتعبير أدق وبين الاحداث السياسية والاجتماعية التي انضجتها، او وهكذا سيكون طبيعياً ان تزاوج الدراسة بين النظر النقدي لنص وبين تحليل رؤية مبدعته لعلها تفوز بجلاء النموذج الذي مثلته هذه المرأة المثقفة .. حياة شرارة. قلنا ان رواية "اذا الأيام اغسقت" وقد صدرت بعد رحيل مؤلفتها، رواية وقائع ولكنها وان بدت مهمومة بتسجيلها سردياً الى ما يشبه الوثائقية التي يتحسسها من عاشها، الا انها بتلك التسجيلية تشيد واقعاً يبث رسالة تحرض على النقمة عليه والقرف منه. فما أكثر اللحظات التي يجد القارئ فيها نفسه يستعيد عالم رواية "1984" لجورج اورويل وجفاف الحياة في ظل دولة "الاخ الاكبر" ورعبها! وانه ليعجب كيف ينساب ذلك التسجيل وكأنه لا يدار بعقل ابداعي يوجهه. فقد اعتمدت تسجيل وقائع من دولة "القائد الضرورة" وقراراتها وما فيها من احزان وعداء ساحق للانسان في جانب وكشف النقيض بالنقيض في جانب آخر مما يلقي على القارئ مسؤولية استحضار المغيب من خلال الحاضر سردياً.
وقد يمكننا القول ان اشد ما يحضر كثافة جاء من اشد الغياب! واشد الغياب عن فضاء الرواية الفاتاً للنظر، هو المراة ا وتلك مفارقة اولى إذ المؤلفة امرأة ! ولكن ما اكثر التساؤلات التي ترشح من خلال هذا الغياب او التغييب بتعبير ادق. وما اشد النور الذي تسلطه هذه الرواية على واقع المراة من خلال ذلك ! فالرواية بقلم امرأة، ولكن البطولة معقودة للرجال. والوقائع تدور بين مطامع البعض منهم وطموحات بعضهم الاخر.. بين ماضيهم وراهنهم، بين امانيهم وخيباتهم دونما حتى وقفة عن المراة في حياة أي منهم! وكأنهم في عالم غادرته النساء أو غادروا هم عالمهن! وإذ تظل في فضاء الرواية بضع نساء.. ثلاثة ورابعة تخطف مسرعة جداً فلسبب خططت له الروائية، كما نرى، وادارته كي تبث من خلاله مفردة من مفردات رسالتها. عن المراة حصراً مما يجعلنا نقف امام ابداع ذي قصد ينم عن مبدعة لفحتها شواظ الوعي والاحساس بالمسؤولية ازاء واقعها ومواطنيها، وهو ما سنراه من خلال تحليل الرواية.
فلئن تتخذ الرواية الوسط الجامعي ميداناً لوقائعها وحركة شخوصها فلكي تنقل المتلقي الى ما استقر في ذهنه بأنه الوسط الذي يفترض انه الارقى. الارقى في سلوكيات اهله وعلاقاتهم، والاوفر حظاً في الاحترام الواجب له لا من الناس بل من السلطة وفي ما قد توفره له من امتيازات.. حتى اذا ما فجع بمأساة هذا الوسط واهله ، فذلك هو الباب الذي تفتحه الرواية/ الروائية امام المتلقي كي يلج منه الى مستويات اخرى من العلاقات والبنى الاجتماعية اعتماداً على استدعاء المضمر وراء سطور النص، او من خلال ثغراته او كواه المفضية الى تلك العلاقات شريطة ان تكون واعية المتلقي وذاكرته حاضرة وناشطة في التنقل بين المعلن والمضمر في النص وما ورائه. فالوسط الجامعي الذي اغسقت ايامه في الرواية.. خراب في العلاقات، خراب في الاداء، خراب في القيم كما تجسده وقائع يوميات الشخصية الاولى التي تبث حكايتها في نسيج يكاد يكون بوحاً تلقائياً يقود بعضه الآخر تقدماً او استرجاعاً، وان توزعت الحكاية على فصول فان كل فصل له مقوماته. ذلك هو البناء الظاهر، شخوصاً وعلاقات.. لغة وصورة، اما ما بين ذلك او ما وراءه فهو الخراب الشامل للمجتمع الذي طفح خرابه حتى بلغ قمته المعرفية والقيمية ممثلة بالجامعة والحياة الجامعية.
واذا كان هذا التوجيه المقصود لرسالة العمل الروائي يحقق جدلية المعلن والمضمر فان الروائية قد شحذت قصدها بالمزيد من التخصيص فلم تكتف بالوسط الجامعي ليدل على الحال الاجتماعي الاوسع، وانما قصدت مفصلاً احفل بالدلالة والفروض داخل الوسط نفسه فاتخذته ميداناً لروايتها وهو كلية من كليات الدراسات الإنسانية الاكثر صلة بالثقافة الاجتماعية حيث تتصادم الافكار والمبادئ في اروقتها.وإذ لم تسمها- وتكاد تكون كلية آداب او تربية- فلكي تمنح اختيارها آفاق الاتساع ضمن القصد نفسه.. ليكون السؤال الذي يوسع الثغرة او الخرق بين المعلن والمضمر.. إنكارياً مثقلاً بالدهشة والحيرة امام خراب محاريب الثقافة ومصانعها. وعلى المنوال نفسه، تمضي الرواية/ الروائية بتشغيل جدلية المعلن والمضمر باتجاهات متعددة تحقق للنص طبقات متداخلة اكثر منها متراتبة لتحشد لقصدها قوة توازي امتدادته ومفرداته التي تجلوه وترسخه كرسالة لعملها. فتجده مضمراً وراء ما تعلنه الشخصيات عبر اقوالها او افعالها ليكون كل منها معبراً الى عوالمها. وتجد مضمراً وراء مقاطع الوصف إذ يتكون او يتغير بتغير عين الواصف او رؤيته . وتجد مضمراً وراء مفردات الحوار الذي يدور بين الحين والآخر بين هذه الشخصية وتلك.. وتجده موزعاً تبعاً (لاستراتجيات) المتحاورين انفسهم في الإظهار والإخفاء مما يجعل الحوار ملغوماً بالنسبة لكل من طرفيه وعلينا ان نبحث ما وراء كل منهما. ونحسب ان الاشتغال على هذه الجدلية كعمود فقري للرواية ينسجم مع قصديتها فنياً إذ تشيع في الرواية اجواء المخاوف والهواجس والهلع كناية عن الخراب الذي ينهش في كل مكونات المشهد الذي احتشدت فيه العناصر الزمانية .. الفيزيائية والنفسية، والأمكنة المستعادة والأمكنة القاتمة فضلاً عن فعلها في تجسيد الخراب الداخلي للشخصيات نفسها بعد ان اشتدت بها عوامل النهش والتآكل حتى فقدت القدرة على ان تكون ذاتها بعد ان انطفأت او أطفئت فيها عناصر التوهج الذي كان ينتمي لدورها وتنتمي اليه كشخصيات جامعية ثقافية .. إذ صار على الاستاذ ان يعرف (ان الإخلاص والانتماء للحزب، وليس الكفاءة هما المهمان قبل كل شيء) (الرواية ص179) وصار الواقع الذي يحياه الأساتذة نوعاً من انحطاط مستمر لو اتخذ تسميات العهود التاريخية فهو تراجع من العصور الذهبية الى عصر حديدي ! (وعليهم ان يتكيفوا مع برودته وصلابته وملمسه الخشن الداكن ، تعاظم الخوف في دواخلهم وازداد معه استسلامهم للضغط الذي يتعرضون له). ولم يكن خوفاً بايولوجياً يحفز على اجتذاب العدو (وانما خوف يجمد الروح ويشل الاوصال ويميت الكلمات على الشفاه ويبعث الفزع في العيون ويظل المرء مسمراً في مكانه في تلك الزاوية الضيقة التي حصر فيها ولايتحرك منها الا بإرادة غيره ) الرواية -180.هذا الخوف المدمر الموصوف هنا على لسان الراوي- السارد الاستاذ د. نعمان وهو المعول الهادم للأخلاقيات الجامعية كناية عن خراب اجتماعي أعمّ، وهو الحاضنة المناسبة لاشتغال جدلية المعلن والمضمر فضلاً عن كونه الوباء الذي اطفأ الشخصيات ومنعها او اعجزها عن ان تكون ذاكرتها فكان في كل منها او لدى كل منها معلن ومضمر وبذا تطابق الشكل او الاسلوب والشخصيات.
حسناً فاذا كان الامر كذلك - وقد كان كذلك فعلاً- في مجتمع ذكوري للرجال في كل عناصر (القوة) والغلبة، فكيف ستكون حال نسائه؟هنا تتولى جدلية المعلن والمضمر العمل على بث اجابة تتغلغل في ثنايا النص وتحيط به في مجمله. ويمكننا ان نستخلصها من ومضات الحضور النسوي في هذا العمل الذي هو الى الغياب اقرب ان لم يكن غياباً كما اشرنا ...فالنص الروائي نفسه بقلم امراة. وهو تجربة من تجاربها، لا لأننا نعرف ان حياة شرارة.. كاتبة النص كانت أستاذة جامعية في الفترة التي يمتد النص عبر ايامها وحوادثها فقط، وانما باعتباره افتراضاً متحققاً يتصدر اسم امرأة على غلافه مهما يكن لمخيلتها من قدرة او فعالية فان خيوط النص لم تنسج بفعلها فقط وانما لابد ان تكون للتجربة خيوطها ونولها الذي نسجت عليه غير ان هذه التجربة - بما كان فيها من واقع حي وما كان فيها من متخيل يستلهم واقعاً- لم تسرد على لسان امراة فتكون الشخصية الساردة وانما رحلت- خوفاً او استسلاماً لقوة قاهرة او لقصد فني- الى شخصية الدكتور نعمان الذي تولى سرد الرواية بضمير المتكلم. برؤيته واحساسيه ومخاوفه.. بعيونه وأعصابه وعواطفه جاءت صورة النص وطياته. .. في مجتمع ذكوري وفي رأينا ان هذا الترحيل كان تلغيماً للنص بموقف امرأة واعية .. وحشداً له بمفردات من وعي ثقافي وسياسي تقترفه امرأة بوجه مجتمع يصادرها كلية ويعتبر وعيها جريمة مضافة لجريمة حضورها الخاص فيه !! فهي هنا كمؤلفة شيدت النص وادارت حركته، تعبر عن قدرتها على استحضار رجال مجتمعها بصورهم وبوعيهم وافعالهم او ردود افعالهم على ما تتحداهم به ايامهم فتقرأ تجربتها برؤيتهم وكانت قراءة دلت على تأمل طويل لمفردات مجتمعها وحركة العوامل المؤثرة في قيادته وهيكلته افضى بدوره الى استيعاب الفعل ورد الفعل في مجتمع ذكوري يهمش المرأة متناسياً انه يهمش نفسه الى حد الالغاء بسقوطه في الخوف وباستسلامه للقولبة امساكاً بلحظة مرغوبة او انتظاراً لخلاص فردي.وقد دلت قراءتنا للشخصيات الرجالية، وهي المهيمنة، في هذه الرواية على وعي المؤلفة الدقيق بتكوين تلك الشخصيات والعوامل التي تنخر فيها . صحيح انها عوامل خراب المجتمع كله ولكن لكل منها تأثيره الخاص على هذا او ذاك من رجال النص، ولم تنس ان تبرز صوراً من مواقفهم من المرأة وهي مواقف اقل ما توصف به انها تتأرجح بين التخلف المكشوف، كموقف عميد الكلية، وبين النفاق الذي يتخذ صورة العطف المتعالي على وعي المرأة او استصغاره ! "الكذب لا مكان له في المجتمع ناهيك عن الكلية"(الرواية ـ ص176).. هكذا وكأن المدرسات في الكلية يعشن بطالة او كذبا مع انهن يشكون تعليمات النصاب التدريسي الذي يحمّلهن اكثر مما يحتمل الرجال. واذا كان ذلك الرأي رداً على مدرسة شابة شكت من عدم معاونة الاساتذة لها في عملها البحثي فاتهمها العميد بالافتراء، فان الاساتذة الذين اخرسهم الخوف لم يجدوا سوى التظاهر بالعطف المبطن باللوم للمدرسة الشابة لجرأتها على التعقيب على العميد او اقتراحها سياقا عملياً ارتأته فأحاطوا بها ليلقوا عليها ذلك التعالي الكاذب:" لاتعيريه بالاً" أو "لماذا اصطدمت به يا ابنتي!" او " كيف ترفعين يدك وتطلبين الكلام" (176ـ الرواية)،فلم تجد سوى ان "تجهش ببكاء حار مهزوم". فيتكرم الراوي/ السارد بالقول انه لم يتحمل سماع بكائها فترك القاعة مع الاساتذة "الذين ظهر رثاء اخرس على وجوههم وهم يغادرون المكان في وجوم"(الرواية –ص176). تلك الصورة ،كما نرى، رثاء مزدوج للرجال وللنساء وهو يعزز اشارتنا السابقة الى وعي المبدعة لقضايا مجتمعها وهو ما سنراه باشكال اخرى ما يجعل خطابها الروائي الذي احالته او رحلته على لسان الرجال ممارسة لذلك الوعي، فليس في ذلك الرثاء للمجتمع الذكوري شماتة امرأة مهمشة وانما هو كشف منحاز لواقع مجتمع مهزوم. فان تلك الاجتماعات التي كان يقودها العميد او رئيس القسم لم تكن سوى وقائع هزيمة للمستمعين/ الأساتذة الذين يعرفون ان عليهم الاستماع فحسب، اذ لم تعد الكلية مكاناً للعلم. وعلى من فيها ان يخاف من اقرب الناس اليه إذ "لم يعد هناك أمان ولا مأمن لأحد"( الرواية -ص182). ولذا يقر السارد بأنه يشعر بعد تلك الاجتماعات "بالضجر والاستياء والهزيمة".. ومع ذلك يرى في الشابات من المدرسات ما يدعو للرثاء لهن او العطف عليهن "لأنهن لم يختبرن الحياة بعد ويرين وجهها الصدئ ومازالت الآمال والأحلام تعمر قلوبهن". حسناً فماذا حصد الذين (اختبروا) الحياة سوى الهزيمة والإقرار بها؟ انه رثاء ممن يستحق هو الرثاء وكان الاولى بالدكتور نعمان ان يرثي نفسه. ولعله كان يقصد ذلك حين يقر ان صورة المدرسة الشابة المفجوعة بسماجة العميد وغطرسته تطارده ويتوقع ان تظهر له صورتها في نومه وتحزنه وتجعل كل شيء مظلماً من حوله ويحس بوجود عناصر شريرة تريد الايقاع به وتحطيمه! (الرواية ـ 182). لكن هذا الرعب تم ترحيله بفعل المكابرة الرجولية الى عطف ومواساة لائمة للشابة!! وعلى المنوال نفسه نثرت الروائية الموقف الذكوري للمجتمع الخائف من المرأة حتى وهي تعمل، إذ نرى في (زاهدة) احدى مدرسات القسم الذي حدثنا عنه د. نعمان سوى المرأة "الحبوبة" الخدوم التي تعطر جو الغرفة بحضورها وتشيع جواً أسرياً بخدماتها لزملائها من تحضير الشاي الى اعداد الجلسة حول المدفأة الغازية!!. اما اختصاصها العلمي، طريقتها في التدريس، مساهماتها وهي التي تتمنى ان تشارك طلابها في نشاطاتهم الجامعية (ص96) فلم نعرف عنها شيئا من خلال سرد الدكتور نعمان للاحداث، وانما اضاف لتأكيد خدماتها (المنزلية) انها "تحب المرح والمزاح. انه طبع فيها وهي ترطب من جفاف التدريس والتوتر الذي نتعرض له"(ص97). ولعله إذ يشجع على مشاركتها بفعاليات الطلبة فانطلاقاً من "مواهبها" تلك باعتبارها مرطبة جفاف ومخففة توتر!! لاشك في انها رؤية ذكورية للانثى، والمأساة انها رؤية تصدر عن محور الرواية وعينها الرائية وما كان يمثله من رفض لمجتمع الخوف والهزيمة امام الاستبداد! غير انها تبقى اساساً رؤية مجتمع سحقته الوان من القمع والمخاوف. وبمثل تلك الرؤية قدمت شخصيات نسائية اخرى في الرواية ـ وهي قليلة عموماً ـ لاسيما شخصية (منى) سكرتيرة القسم. فقد قدمت من خلال دور قمعي اسند اليها إذ "كانت منى ملزمة بأن تمر على القاعات بعد مضي عشر او عشرين دقيقة على بداية كل حصة وتأخذ ورقة تسجيل غياب الطلبة" وكان ذلك الدور يضايقها وتحس بثقله. غير ان السارد لم يتوغل في دواخل هذه الشخصية مع انها كانت تحس بالقمع لادائها تلك المهمة (القمعية)، بل لم يلبث بالرغم من تلك الاشارة العابرة الى احساسها بثقل مهمتها تلك على نفسها، لم يلبث ان انتقل اليها كامرأة صغيرة تذكره بشبابها كطالبة مجتهدة وان ينظر اليها كربيع ضاحك وان سارت الى جانبه، فكما يسير (ربيع ضاحك) الى جانب (شتاء رمادي) كناية عن كهولته، او ان يراها (نجمة مضيئة) الى جنبه هو (النجم الآفل) ويجد في مجاملته لها بهجة لما تثيره في نفسه من جمال الشباب وجمال الطبيعة! ولما تستطيعه من تغيير في جوّه الكئيب، وان تخلق له البديل المناقض لمنغصات العمادة البيروقراطية المتغطرسة! ولذا يبقى بعدها صوتها الحنون الودود "في حنايا نفسي يملؤها بدفء الجنس اللطيف ونعومته التي طغت على الزوايا المعتمة المشوشة في داخلي" (الرواية ص93 ـ 94)! اما معاناتها، رؤيتها للكابوس الذي يجثم على د. نعمان وعليها معاً فلا يتوقف عندها السارد! وحتى اذا عادت هاتان الشخصيتان، زاهدة ومنى، للظهور في ثنايا الرواية فبصورة لا تختلف عما اشرنا اليه، وبمهام لا تختلف عن (مهامها) تلك المعطرة لجلسات الاساتذة!!
فضائح في الحرم الجامعي ..انهيار في قيم المعرفة هذا التغييب للمرأة في الجو الجامعي الذي رسمته هذه الرواية ببراعة، تشغيل آخر لجدلية الغياب/ الحضور أو المعلن والمضمر، فقد عبّر عن وعي المؤلفة لحجم التغييب الساحق لبنات جنسها الذي يمارسه مجتمع خائف مقهور بالغطرسة والافقار والحرمان المتجدد باشكال تزداد قسوة؛ فشحنت وسيلة التعبير عنه بقوة اكبر دلالة حين رسمته تغييباً في مجتمع يفترض انه الأرقى عقلاً والأرحب حرية ليثير سؤالنا الانكاري.. فكيف هو الحال إذن في مجتمع أمي مثقل بعوامل انحرافه واخلاقيات البداوة والمنفعة؟! بتلك الطريقة صار الحضور المحدد.. الأقرب للغياب وسيلة لعلو الصوت الذي تدين به المرأة تهميشها وحصرها في انوثتها..وكي يتصاعد هذا الصوت ويشتد في ادانته لتهميش المرأة وغضبه عليه كان لابد من حضور نموذج آخر للمرأة التي تشق طريقها في ذلك المجتمع المنافق المهزوم بالخوف والبحث عن مهرب.. فكانت شخصية الدكتورة عدوية!! والدكتورة عدوية منذ دخولها فضاء الرواية (ص197) تفجراً جواً فضائحياً لا يتفق مع أي مجتمع محترم فما بالك بالمجتمع الجامعي!؟ واركان الفضيحة في وجودها ليست مقصورة على علاقاتها مع اهل السلطة خارج الكلية، ولا في سلوكها الذي يعلن عن حقيقتها بل وتعتبره القدوة التي يجب أن تقتدى حتى لتخاطب د. نعمان بعد أن رأته حزيناً داعية اياه الاّ ينشغل بافكار وقضايا مؤرقة بل "انظر اليّ واقتد بي" (ص198)، وانما الفضيحة في "القدرة" التي تمنحها لها تلك العلاقات الشائنة على التأثير داخل الكلية وخارجها فتتباهى بقدرتها تلك إذ تقول "لا أحد يستطيع ان يحل المشاكل هنا غيري، حتى العميد يطلب مني العون عندما يستعصي عليه حل قضية معينة!"( ص199). فيرد عليها رئيس القسم بمكر: "انت ملكة الكلية غير المتوجة، كلنا نعترف بذلك من دون استثناء"! (ص199 )فتمضي في اختيالها حين تقول ـ وكأن التتويج لابد منه ـ أن التتويج الرسمي لا يهمها فهو امر شكلي وهي معنية بالجوهر.
ان الفضيحة متصاعدة الى كونها هي د. عدوية لا غيرها من يمثل الكلية في المؤتمرات الخارجية صعوداً الى الفضيحة الاكبر المتمثلة في ان هناك من يكتبون لها (كتبها) ويصدرونها باسمها !! ومنها الكتاب الذي دخلت لكي تهديه لرئيس القسم بحجم 400 صفحة.. فيقول بعد ان تغادره وقد رمت له قبلة في الهواء:"انني متأكد بانها لم تكتبه ولم تقرؤه (كذا) ايضاً! كيف تستطيع عاهرة مثلها قراءة اربعمائة صفحة كاملة!" (ص 200) .ثم لا يلبث رئيس القسم الجامعي هذا ان يعلن انهياره أمام إغرائها بالقول"تفككت براغي جسمي وهي امامي هذه Sex hump كما يقول الانكليز". وإذ يمضي للتعبير عن فقدان السيطرة على نفسه فلكي يصفها اوصافاً سوقية. "يالها من بقلاوة طازجة حارة خرجت تواً من الفرن، يسيل القطر الحلو على جوانبها!"، ثم يزيد في تعريفنا بها بالقول" انها عشيقة اكثر من مسؤول في الامن والوزارة والجامعة. من يتصور انها في الخمسين من عمرها!" ويوغل في تعريفها فيعرفنا بنفسه ايضاً.. من دون هالة السلطة إذ يقول :"انني اشتهيها واكرهها. لقد دعوتها مرة وتمنعت عليّ فهي لا تضاجع الا اصحاب الوزن الثقيل وانا بنظرها من الوزن المعتدل الذي لا ترغب به"( ص200). لم يكن دخول د. عدوية فضاء الرواية بذلك الشكل مجرد كشف لواقع فضائحي، وانما خططت له الروائية بدقة ليمتد بصوته واصدائه الى مساحة واسعة بالرغم من انه منسجم من الناحية الشكلية مع موقع د. عدوية كمؤثر منسوب للكلية، ولكنه يعمل خارجها، ومن تجليات ذلك التخطيط ان تدخل الرواية في سياق متوتر من وقائع الرواية هو التدريب العسكري الذي فرض على الطلبة الجامعيين واساتذتهم ممن لم يبلغوا الخامسة والأربعين "في منطقة صحراوية توقد الشمس نارها فوقها من الصباح الى المساء.. فتكون شربة الماء البارد حلماً عزيزاً" (ص187) . وصار عمر الخامسة والأربعين "حداً فاصلاً بين سوء الحظ وحسنه" لدى الاساتذة على ما هم فيه من خسارات، فبعد وصف مشهد توزيع المتدربين الى معسكرات التدريب بعين الراوي. نعمان وما فيه من التفاتات ذات دلالات وإيحاءات وما فيه من إشارات الى الجبر والقسر في ذلك التدريب مما يحيلنا الى ماعشناه كلنا او اغلبنا ، "رأينا خمسة أو ستة طلاب يحاولون ان يصفقوا ويغنوا اغنية "احنا مشينا للحرب ، احنا مشينه" ولكن اللحن خرج من افواههم مخنوقاً لا حماسة فيه ولا روح، وتطلع اليهم الناس بنظرات مشفقة وسرعان ما كفوا عن الغناء وكأن انفاسهم انقطعت فجأة" (ص194- 195) . بعد ذلك التوديع المؤسي مباشرة، تدخل عدوية مكتب رئيس القسم د. صبحي "ترتدي ثوباً من الحرير الاسود فيه زهور بنفسجية كبيرة براقة، تدلت على صدرها سلسلة ذهبية عرضها نصف انج، ويزين اصبعيها خاتمان من ألماس" (ص 197)، فيكون ذلك الدخول مفارقة مؤسيه تعمق الفضيحة وتجسد حجم الخراب الذي ينشب مخالبه في الحياة الجامعية والحياة الاجتماعية بعامة. إذ صارت، او بدت، مغادرة الطلبة واساتذتهم الى صحاري العطش والموت والافاعي كتابة بليغة عن افراغ الساحة لما تمثله (د. عدوية). بل قد نذهب بقراءة ترتيب دخولها بذلك التسلسل الى ان الحرب كلها كانت من اجل ان تسود حياتنا شبكة علاقات د. عدوية وفروضها ونسق معاييرها. لاسيما وقد انفتح فضاء الرواية، منذ دخولها، وبانسيابية وتواتر ملفتين على جوانب تعزز احتمالات او صحة تلك القراءة ابتداءً من تهالك ، او اعلان تهالك د. صبحي رئيس القسم شهوة اليها فإذا بتلك البداية تفتح السرد على صور اشد بلاغة في التعبير عن حقيقة النماذج التي تتحكم بالحياة الجامعية -الاجتماعية فيكتمل خطاب الدلالة ببقاء هذه النماذج بعد مغادرة الاساتذة وطلبتهم الى الحرب/ الموت. فكأن الأوصاف السوقية التي تشتهى بها د. صبحي تلك "العاهرة الجامعية" لم تكف للكشف عن مستواه العقلي..وكأن ما مر بنا من سرد د. نعمان لعجرفته البيروقراطية لم يكف لتأكيد انسجامه مع الآله القمعية المفسدة للجامعة ، إذا به ينغمس في حماة انفعاله لغزله الرخيص لعشيقة المسؤولين الكبار ليكشف لنا صوراً من داخله وهي صور شتى تفسر ما عصفت بحياتنا من خراب . فقد "اتى بعض الحركات الداعرة وقال- لقد شاهدت أمس فيلم فيديو للعاريات وتذكرتها ! لابد انها جمرة في الفراش تكوي بنارها ! سأنالها في يوم من الايام ! ما اروع فيلم العاريات !! لقد رايته مع قدح عرق بصحبة زوجتي وولدي ونسيت الدنيا كلها"!وإذ يستغرب الدكتور نعمان مستهجناً ان يفعل د. صبحي ذلك بصحبه ولديه وزوجته يرد عليه مكابراً مفاخراً:"نعم ، أريدهم ان يكونوا اولاد زمانهم وان لا يحشوا رؤوسهم بمثل فارغة كما فعلنا نحن في ايام شبابنا". ثم يعلق: "انني اسف على سنوات عمري تلك التي اضعتها بالافكار السخيفة"وحين يدفع بالفيلم الى الدكتور نعمان كي يراه ويرفضه معلناً انه يستهجن مشاهدة افلام كهذه يسخر السيد رئيس القسم من "غفلته" واستقامته ويعلمه بان هناك اجتماع "شلة" من الدكاترة "لرؤية افلام العاريات من مختلف البلدان"!يقول هذا مقيماً مفارقة مأساوية اخرى إذ يعتبر التمسك بالمثل غفلة او اضاعة للعمر بافكار سخيفة.. في مواجهة رجل يريد ان يمضي العمر متمسكاً بقناعاته فيقدم طلباً لاحالته الى التقاعد مع كرهه له ومع ايمانه بان العمل ورسالة الجامعة هما كل حياته ولعل التقاعد يكون حلاً يساعده على الاحتفاظ بقناعاته او ما بقي منها او من مواقفه من دون خدوش او تنازلات فرضت باشكال شتى ! لذلك لم يعد غريباً ان ينفصل امثال د. صبحي وعميد الكلية عن الحياة الى شرنقاتهم النفعية لتكون معاييرهم وثمار سلطاتهم هي العهر الحقيقي الذي يتخذ صوراً شتى، وليس ذلك الذي تمثله د. عدوية فقط.فيمتد السياق ذاته روائياً في الفصل نفسه (الخامس) والى الفصل الذي يليه.. فتكون الرواية بذلك قد انتقلت الى وجوه اخرى من وجوه السلطة التي تسحق المراة تغييباً او انتهاكاً وتزييفاً.. ويرى د. صبحي إذ يسأله د. نعمان عن المستجدات ان "كل شيئ هادئ في الجبهة الغربية وكل شيئ يسير عال العال" ( 200 اما الوقائع فتشير الى "ثلاث لافتات سود تنعى اولئك الذين ماتوا من المتدربين" طالب غرق في النهر اثناء التدريب، استاذان مات احدهما بازمة قلبية والاخر بضربة شمس ! (ص202 ). "كل شيئ يسير عال العال" حسب الدكتور صبحي ولكن هناك اخباراً من "استاذين قد عوقبا لانهما خالفا الاوامر العسكرية وفرض عليهما المدرب ان يخلعا بدلتيهما ويزحفا على الطريق المبلط بالقير الساخن الحارق حتى اخذ الدم يسيل من ركبتيهما" وقد قبل احدهما بسطاله لعله يعفو لكنه رفض العفو عنهما!! "كل شيئ عال العال" وقد جرى للطلبة ما جرى لاساتذتهم واكثر."كل شيئ عال العال" وقد مات أستاذ بعضة حية !"كل شيئ عال العال"وقد عاد الأحياء من التدريب بنفوس مدمره لم يسلم من ذلك حتى عميدهم ! "وتصدع الحاضر واخذ ينهار أمام أعينهم "(ص204 ). وكي ينتقموا من تلك الإساءات التي عوملوا بها او يوهموا انفسهم بانهم لم يهزموا او يذلوا انفسهم في صراع المنافع "واصبح معظم الاساتذة مستعدين للتنازل والتساهل بشكل من الاشكال المقبولة وغير المقبولة"( ص204)، وهذه التفاتة تتعدى كونها مبرراً روائياً في تعمق سلوك الاساتذة الى استشراف مستقبلي لما سيحدث بعد سقوط تلك السلطة التي اذلت الناس وسامتهم سوء العذاب فهربوا من استذكار ذلك الى المكابرة باستحلال المحرمات تحت ذريعة رد الإهانة! انه وعي الكتابة المحملة بالهموم الثقافية والسياسية. على ان د. صبحي اذا كان بيروقراطياً عاجزاً عن تبرير موقعه العلمي إذ يعجز عن كتابة مقال علمي ذي شأن فانه يمارس "مكابرة" من نوع آخر تنتمي الى سلطته البيروقراطية فيستبدل عجزه ذاك بتمرده على المثل وبانغماسه بتفاهات ونزعات ضحله كالتي عبر عنها في رؤيته للدكتورة عدوية.. لكنه ليس النموذج الوحيد بين من يجرون السفينة الى الغرق، فثمة من يفعل ذلك بطرق مختلفة لا تختلف عن جوهر "مواهب" عدوية.. ولعل فصل الرواية السادس يضعنا امام تلك الممارسات والطرق وأجوائها. ففي هذا الفصل تكثيف للانحطاط الاجتماعي الذي احدثه العسف الفاشي وتخلف الديكتاتورية. وهل أكثر انحطاطاً من اتخاذ برنامج للنشاط الثقافي الجامعي جسراً لتبادل المنافع بين طلبة فاشلين و"استاذ" نفعي دنيء لا يتعفف عن قبول رشوة من طلابه حتى وان تدنت، مثلما لا يتعفف عن مطاردة تلميذاته ولا يخجل من تهديده للعنيدات منهن بحرمانهن من النجاح الدراسي !؟ وهذا السلوك صورة متحولة من امتدادات او غلبة علاقات د.عدوية ودلالات تشدقها بالقدرة على حسم المشكلات! وهو سلوك يحيل الى ملفات السلوك النفعي الذي امتد من المدارس الابتدائية الى ذلك الذي يسرده الفصل السادس من الرواية مروراً بالمؤسسة العسكرية نفسها حيث يتطفل الضباط على جنودهم ومن لا يستسلم يرسل الى المحرقة! وهو التطفل الذي كان من اكثر المعاول هدماً لمنظومة القيم والعلاقات الاجتماعية الرصينة فكان منها هذا الذي رأيناه في الرواية من سرقة طلبة الجامعة للكتب من معرض الكتاب كما وصفها احد أساتذتهم الذي لم يبرأ هو نفسه من تحولات الخراب التي طالت ميوله ومعتقداته لكنه لم يستوعب سرقتهم لكتب المعرض"لو كانوا يستطيعون وضعها في أحذيتهم لفعلوا" او"كانوا يرمون الكتب من النوافذ لمن اتفقوا معهم على خذها . وضعوا بعضها تحت سترهم... الخ" (ص 212). ودونما مبالاة يفسر استاذ آخر ذلك السلوك مع ان تفسيره صحيح ويدخل في باب الوعي الفني لمكونات شخصيات الرواية فضلاً عن وعيها اجتماعياً ".. لقد تسربت مفاهيم السوق الى عقول الجميع: النهب، الغش، الربح الخيالي، الاثراء السريع. انها ظاهرة نعيشها جميعاً فلماذا نلومهم؟ " (ص 212).
عالم سفلي بنسق انحطاطي
وكما يقود السقوط الى السقوط والمحنة الى محنة اشد نظمت حياة شرارة فصول روايتها كما لو كانت درجات مؤدية نحو عالم سفلي يزداد ظلاماً فانشأت نسقاً انحطاطياً هو النسق الذي شكلته الفترة التي انشغلت بها الرواية. فما ان تخرج عن فصلها السادس حيث الانحطاط يلف بشباكه الطلبة وعدداً من اساتذتهم حتى تدفعنا الى انحطاط اشد ايلاماً واثارة، ولكن ليس قبل المرور بالتواءات او استدارات لا تغير من الاتجاه العام وانما تثقل الخطى عليه فتتأكد حتميته. ففي متاهة الاحساس بالخيبة إزاء تفشي اخلاقيات المنفعة وحمى السوق واستسهال الغش لدى الطلبة وغش الأساتذة في تقويم "الابحاث" ينفذ الطريق نحو مسارات من المتاهة ذاتها.. نحو غطرسة العميد البعثي وتدخله القمعي حتى في خصوصيات المعيدات، او نحو اغتيال آمال مشروعة كآمال معيدة شابة واعدة وارغامها على الاستقالة بوحشية، ما أبعدها عن مجرد الممكنات الوظيفية لا القيم الجامعية ورحابتها، او نحو حرمان معيدة اخرى من التدريس ودفنها باعمال السكرتاريا في تكامل عضوي بين قيم السوق وعمى الغطرسة لقتل المراة بكل ما تمثله من حيوية ورمز. وإذ يحاول الراوي الهرب من هذه المتاهة ومشاهدها المثقلة بالحطام الكالح باللجوء الى عالم استاذ سابق كان نقياً بما يكفي لطرده من التعليم الجامعي فيقرر زيارته في عزلته، سنجد في هذه المحاولة، وقد تمت الزيارة فعلاً، هبوطاً الى هوة ادنى في احزان المشهد حين نجد الاستاذ المحطم في عزلته يسخر مما انتهى اليه غريباً بعد ان هجره الجميع حتى اولاده فيصف بعض خطوط يومه:"أصبح تبديل ملابسي البيتية عندما اخرج يمثل حدثاً لي".وبدلاً من مواصلة البحث والكتابة "صرت اربي الدجاج واجد سلوي في العناية به واستـفيد من بيضه ولحمه فانت تعرف قلة التقاعد"( ص224 ). استمرت عزلة الدكتور اكرم في ذهن الراوي لتكون استهلالاً للفصل السابع، او لنقل الان الدرجة السابعة نحو العالم السفلي، اذ يرسم تضاؤل عالم ذلك الاستاذ المطرود مستقبل الدكتور نعمان الذي يخطو نحوه باصراره على طلب التقاعد لعله يحتفظ بشيء من نفسه بعد ان وجد نفسه يتنازل ويتساهل ويؤدي دوراً يكرهه مطأطئ الرأس امام نفسه وقيمه من دون ان يستطيع التصرف لغير ما يفرض عليه في دولة "الاخ الاكبر-القائد الضرورة " ، وانه لفي انشغاله بنزيف ذاته يقلب في صفحات من تآكل ينهشه ويجرنا الى بئر بلا قرار. ان شكا لبعض الاساتذة ابتسموا بلامبالاة وحاولوا بعد مجاملات مفتعلة تغيير الكلام لانه لا يروق لهم! وان قال "اريد العودة الى ذاتي" قال له صديقه القديم د. وجدي " هش، اخفض صوتك، الحيطان لها اذان ، فكر بحكمة!" وحكمته هي التي قادته الى طلب التقاعد تحت لفح نيران تلفحه حيثما اتجه، وخسائر تترى: من ذاته، ومجده، واخلاقياته. ومع ذلك يسمع من "ينصحه" او يأمره باطاعة مقولة دستويوفسكي " اخضع ايها الإنسان الفخور!!" او يجد من يبرر له الخضوع بصورة اشد مما تدعوه اليه تلك المقولة.. فيشتد الحصار عليه بين منطق ضميره وبقايا ذاته المجروحة، وبين منطق الخراب المحيط به وبينهما وبين بؤس الفقر ورماد ايامه! فيعلو صوت بوجه في مواجهة من يدعو للاستمرار في المداهنة وهو بوح يثير احزان كثيرين ممن تآكلوا حتى الجفاف والخواء، او في الاقل يثير ذكرى خانق مروا به:"لقد كنت رمزاً في السابق، اما الآن فلا"!وكم من رموز أطفأت الفاشية وهجها وأفرغتها من عناصر الحياة فيها؟ وكم من رمز يهمها ان تطفئ كي تستمر؟؟ وكم رواية او نص ادبي نحتاج لنقشر عملية اطفاء تلك الرموز لنرى كم شمعة تنطفئ الى جانبها على دروب الحياة المختلفة ؟! ويالهذه الرواية كم صبرت على تقشير تلك العملية عبر درجاتها (فصولها) وعبر استداراتها على درجات الانحدار الى ظلمة الانطفاء حيث لا ينفع استاذ كان رمزاً:"انني ارى كل شيء واسكت عنه وأظل مكتوف اليدين لا احرك ساكناً"،او حيث يسقط عاجزاً عن فهم ما يحيط به "الطلبة الراسبون في دروسي اصبحوا ينجحون دون علمي" ،وحتى اذا عرف ان ذلك يحدث لانهم يدفعون لزملائه فانه أعجز من منع ذلك!!.
توثيق لزمن أغسقت أيامه في كآبة رمادية ولم يتجسد ذلك الصبر في التوغل في نفوس شخصياتها او تحليلها وهي تتلظى في نارمحنتها او شراك حصاراتها، فان حياة شرارة لم تفعل ذلك حتى مع د. نعمان سارد عملها هذا بل ولم تتوقف حتى عند نساء روايتها هذه، وهي امراة، وانما القت بقدرتها الى جانب الوقائع وتركت لخطاب المفردات اليومية التي تدخل خطوط "الاعتياد" وحتمية المسار المطلوب سلطوياً تركت له ان ينثر اشارات ومفارقات علينا نحن المتلقين ان نلتقطها وان نتخذها جسوراً الى ضفافها الأخرى عبر جدلية المعلن والمضمر وان نعيد ترتيب الوقائع او تجميع آثار جزيئاتها التي قد لا تعمل في الوقت نفسه او تعمل أجزاء من هذه مع أجزاء من تلك لا تبدو متزامنة معها غير انها سهام تنطلق من جعبة السلطة - الحزب مستهدفة الروح الإنساني، ونزعم ان الرواية كانت مثابرة في ملاحقة تلك السهام فتكون اقرب للمرايا التي تعكس صوراً تسقط عليها من أكثر من زاوية ومنها ما قد يكون الى جانبها. حواراتها القصيرة بعض من ذلك الانعكاس، ضعف حيلتها ازاء ما ينالها من سهام مفاجئة انعكاس آخر. اختلاف التعبير عن ضعف الحيلة ذاك بين الانشغال بالمحافظة على الشرط الانساني في الذات والخوف عليه من الانفراط وبين الاستسلام للواقع الذي تشكله القوى المطلقة لتلك السهام، وهو التصرف الغالب وان اتخذ بدوره اشكالاً شتى أو انعكاسات اخرى!! على ان المهارة في رصد ذلك وتشكيله تتجلى في تكوين اتجاه خفي لكنه ملموس النتائج نحو عالم سفلي من خرائب لكيانات شتى تبدو الشخصيات بينها وكأنها تدور في قدر تراجيدي مشيعة جواً اغبر وفقت الروائية في رسمه بالغسق حيث يتخذ الزمن لون الرماد وكآبة الافول قهراً لتكون بلاغة العنوان تكويناً بحد ذاته لكنه لا يضاء كله الا بعد الانتهاء من الرواية التي قد تبدو- وهي اقرب ما تكون - تسجيلاً او حتى توثيقاً ولكنه توثيق بكثير من القصدية والصبر والاتقان لزمن أغسقت أيامه في كآبة رمادية وتناثرت عبرها جثث الاحلام وأشلاء الأماني. من تلك القصدية وجد المتلقى نفسه امام فخ الهبات و"المكارم" الذي نصبته السلطة للمبدعين والباحثين فكانت فرضاً من رفضه "لاقى جزاءه" ،"ولا يمكن لعاقل مجرد التفكير فيه"(ص 240).. وكانت فرصة السلطة لأهانة بعض المفكرين في وضعهم مع الأشباه من الكتاب الذين لا يحسنون سوى مديحها، ومنح الغرور لمادحيها برفعهم الى قوائم الكبار لكي يتشامخوا ويحرجوا الكبار الحق في الوقت نفسه! فاية محنة؟! واية محنة أن تكون تلك الهبة في تضاؤل مستمر حتى لتكون ثمناً لكيلو غرام من الحمص يحتسب توزيعه على اساتيذ الجامعة مكرمة رئاسية ثمنها في الواقع ما يحصلونه من "هبة" الإبداع والإنجاز الفكري!! وبتلك القصدية تحشرنا الرواية في قاعة فحص اللياقة البدنية التي أصبحت الزاماً يؤديه الاساتذة كل عام بالوقوف على قبان الوزن ليؤدوا فروض الطاعة بعد ان سلبت منهم آخر الحريات التي كانت تتمثل في اختيار الطعام الذي يريدون!! فكان عليهم بعد فرض معايير اللياقة البدنية للرجال والنساء، وتبعاً لعمر كل منهم وطوله، ان يأكلوا بحساب وان يشربوا بحساب والا فان من يفشل في الانصياع لمنطق القبان عليه ان يتحمل "تخفيض درجة الراتب التي يحصل عليها الموظف مرة واحدة كل ثلاث او اربع او خمس سنوات" (ص 250 ). وبالقصدية ذاتها نتوقف طويلاً عند حشود المدافعين لإثبات الطاعة للميزان وقد علاهم شحوب الحرمان والجوع وتقنين الطعام، وطويلاً توقفت عند جو الغرفة واجرءاتها وفساد تهويتها، بصدق الانتقاء وعين السرد الذكية وتحولها الى سلم مهين افقد الأساتذة أو عدداً منهم توازنه ودفعهم للهرب بالقفز من الشباك بحثاً عن خلاص ! او الدخول عبره استعجالاً لتقديم فروض الطاعة!! وبالقصدية ذاتها صرنا نتأوه مع الدكتور نعمان بل ونشاركه ما خالجه من إحساس بالمهانة، ولكن "الخوف الواعي المكبوت" في داخله منعه "من الافصاح عنه" ( ص252). ورأينا معه كيف صار الميزان في الغرفة العابقة بالهواء المسموم بالمهانة "هو الحقيقة الوحيدة الموجودة بالنسبة للواقفين وكل ما عداها لا مكان له، لقد تلاشت العلاقات الإنسانية والتعابير الاخلاقية المألوفة ولم يعد يستطيع التفكير الا بنفسه .. بلحظة خلاصة..." (ص258). افليست هذه صورة من صور القيامة يوم يفر المرء من اخيه وامه وأبيه وصاحبته التي تؤويه؟ بل وهي قيامة الجحيم حصراً حيث يكون الخلاص هو الشغل الشاغل! ام تراه نوعاً من صراط "مستقيم" يكون العبور عليه امتحان الامتحانات فمن أطاع واخلص النية عبر، والا فالجحيم له مسعرة؟ لعله كذلك وقد استحضره النص بذكاء للتعبير عن غطرسة القوة المتفردة المنفردة بضحاياها في تلذذ سادي يعمق صورة الاستبداد في جانب، ومأساة الضحية في جانب آخر، إذ يكون "الوصول الى الميزان في ذلك اليوم المشهود هو الذي يغنيني ويعميني عن كل الروابط التي تصلني بالآخرين وتشعرني بغربتي عنهم" (ص259 ). اجل، وان شدة تحديق الروائية بدلالات وآليات الاستبداد الذي فرض القيد حتى على مائدة ضحاياه، الفقيرة اصلاً، وقصديتها الواعية قادتا الضحية الساردة الى ان تقرا ذلك المعنى في غياب اية صورة او روزنامة عن جدران الغرفة، سوى صورة رئيس الجمهورية ! (ص259)، فتركت لها ولنا ان نقرأ في "نظرة عينيه الثاقبتين بفخر واعتداد لكل ما يجري في الغرفة" سبباً لمأساة الضحية المحاصرة بالرداءة. ونقرأ في انفرادها على جدران الغرفة انفراد القرار المستبد الذي يشرف على ما يحدث باتجاه الهاوية! على ان حضور صورة الرئيس هنا، فضلاً عن رمزيته، يتفق مع ما ذكره عميد المدرسة السلوكية في علم النفس (سكنر) في ضربة حدسية مدهشة وهو يدرس موضوع الثقافة في كتابه "تكنولوجيا السلوك الإنساني" (ترجمة د. عبد القادر يوسف- سلسلة عالم المعرفة- العدد 32- الكويت ص131) إذ يشير الى احتمال ان تدخل في عادات مجتمع ما ثم في ثقافته ممارسات لم تكن من ثقافته اصلاً وانما تفرض عليه بقوى غريبة مستبدة كأن تكون عقدة رئيس مستبد من الطعام او ضعف الشهية ما يجعله يفرض على شعبه تقنينا للطعام لا يلبث، بفعل القوة، ان يصبح عادة اجتماعية ! فكيف وقد صار الامر بالنسبة للمجتمع العراقي تجربة حقيقية لها أوامرها وعقوباتها؟! حقاً ان الأمر بدلالاته المتشعبة مادة درامية تغني عملاً روائياً يقوم على قصدية يحركها فهم لرسالة الابداع الاجتماعية، ولذا جالت عين الروائية في جوانب هذه المهزلة المأساة (الفصل الثامن) وصولاً الى ما بعد اجتياز الميزان من بوح وحوارات عن امتدادات او ممارسات يفرزها تردي المجتمع ما يجعل الجولة رؤية بانورامية ولكنها بأكثر من عين واحدة وكلها تعمل معاً لالتقاط دقائق متداخلة تثير الدهشة ازاء قدرة توليفها في شبكة دالة.. يمكنها ان تقوم لوحدها كنص له كيانه من دون ان يفتقد صلته بما قبله او بعده. والحق ان الرواية اعتمدت هذا الأسلوب لتمنح المتلقي فرصة تأمل اعمق بعد كل فصل من فصولها، إذ يمكن قراءة أي فصل من فصولها كنص قائم بذاته ويستمد كيانه القصصي من ظاهرة من ظواهر الايام الغسقية ما يعيدنا الى القصدية في كتابتها. ويعيدنا الوعي الذي افرزها الى قضية المثقف وتأثيره الاجتماعي. فالوعي الذي انتج هذه الرواية بلوحاتها التسع وعي مثقف بالمعنى الحركي للثقافة وهي المعنى الذي يضع المثقف في خضم الحركة الاجتماعية والتغيرات التي تتصل بقوى المجتمع الصاعدة والهابطة وتفرض بدورها ضرورة تكوين موقف وممارسات إزاء كل منها، ولعل التغييرات التي رصدتها، حياة شرارة في روايتها هذه من اخطر ما تعرض له مجتمع من المجتمعات، وهي تغييرات احدثها الحصار الذي فرض على العراق رداً على حماقات سياسة قيادته المستبدة فاستثمرته هذه بلؤم لتشديد قبضتها على الشعب. وكانت تغيرات تدفع بكيان العراق نحو عالم سفلي من خراب شامل يمتد من العلاقات الاقتصادية وتأثيرها الاجتماعي الى الانسان الفرد وخساراته التي كان أشدها فداحة التشوه الذي الحق به عبر نكوص مستمر نحو ما تجره وما تجر اليه عوامل الإحباط والخيبات المتتالية.. حيث كانت المراة العراقية اكبر الخاسرين، وكانت النساء العراقيات صفوفاً مكسورة في المأساة العراقية ومسيرة النكوص ما جعل المثقفات العراقيات امام امتحان خطير على صعيدي فهم الثقافة دور المثقف وسبل مواجهة المأساة العراقية، وكان الامتحان اشد صعوبة امام المثقفات المبدعات. ونحسب ان اغنى مثقفاتنا عطاء عبرن عن وعي نافذ جنبهن السقوط في شرنقة النسوية او الأنوثة فانشغلن بقضايا فكرية وثقافية، وابدعن قصصاً وروايات ودراسات فكرية فتحت تلك الجروح او تسامت عليها تبعاً لهامش الفعل المتاح. ولعل أعمال لطفية الدليمي وبديعة أمين كانت من الأمثلة التي تشهد للفهم الثقافي الحق لمكانة المراة وقوتها وقدرتها باعتبار الفعل الثقافي الرصين قوة حقيقية. ويأتي هذا العمل "إذا الايام اغسقت" للدكتورة حياة شرارة معززاً لوعي متقدم لمثقفة عراقية تسامت على مأساة بنات جنسها فانشغلت بوعي المأساة في صعيدها الاجتماعي العام. فقدمت نصاً يحيل الى قوة الفعل الثقافي والوعي الاجتماعي مصاغاً بعمل امراة مثقفة لم تتردد في مكاشفتنا بالنهاية التراجيدية لاجيالنا مادام الاستبداد يرفع "سيفيه المتقاطعين بقبضتين جبارتين" وقد "سارت جموع الناس زرافات من تحتهما" إذ لا خلاص للفرد منهما الا بالموت .. مواجهة او قتلاً او اغتيالاً او كمداً ، او موتاً معنوياً بالهرب او التهرب تحت خيمة التنازلات او لابد من ان يصبح كالدكتور نعمان بعد ان حرم من فرصة الهرب الى التقاعد- وهو بالنسبة له نوع من موت بطيء مطاطئ الرأس وقد اصبح جزءاً من الكتلة البشرية المضطهدة المساقة الى الموت "تحمل صلبانها وتسير فوق ارض ترابها من رماد.. رماد الحرائق المنظورة وغير المنظورة التي عاشوها ومازالوا يواصلون السير فوقها وعيونهم الى الارض، واحياناً يرفعونها الى السماء فيبدو فيها التضرع والابتهال والدعاء الصامت." ص217 . وبذلك الوعي الحاد لحقيقة ما كان بجري وما سيجر إليه، وقد جر الى الاحتلال، انهت عملها هذا مؤكدة قدرتها على الصراخ بوجه الجموع المنهكة تحت سيفي الاستبداد منتصرة لنفسها ولتلك الجموع حتى الخاتمة التي وضعت ما سمي بساحة الاحتفالات موضعها الصحيح باعتبارها ممراً الى المهالك وجسراً الى عالم الانحطاط. ومن هنا تجد قراءتنا لهذه الرواية ان من الضروري الالتفات نحو مكونات هذه المثقفة المبدعة ومنجزها الاخر، وهو منجز ثقافي الى جانب الرواية والقصة، لتتكامل هذه القراءة مع تلك الالتفاتة في تقديم نموذج لمثقفة عراقية سقته قنوات معرفية وتجارب متعددة وهو ما نحاوله في الخطوة التالية.
*هذه الدراسة كان الراحل قاسم عجام سيقدمها ضمن حلقة دراسية ببغداد وفي الصباح ذاته الذي اغتيل فيه. وهي (الدراسة) نشرت في صحيفة "المدى" على اربع حلقات تمتد ما بين 6 الى 26 حزيران 2005.واختياري لها ضمن الكتاب جاء لاكثر من اعتبار،فهي تظهر جانبا من النتاج النقدي للراحل ،اي "نقد الرواية"،مثلما تظهر معرفة بتفاصيل دقيقة عن جانب معرفي وانساني هو "العمل الاكاديمي "لطالما مارسه الراحل وافتتن به.كما ان العناوين الثانوية جاء من اختياري
|