قد يكون ضرورياً لتلمس الدور الثقافي في نص عبد الجبار عباس النقدي أن ننظر في آلياته النقدية أو في تطبيقات منهجه وهي نظرة أو وقفة تمثل دراسة لوحدها.
ولو اجملنا ملامح نصه النقدي لرأينا كم فيها من نوافذ ودروب مفتوحه على قضايا الثقافة عامة، ففيه:
1-تعريف بالنص / الكتاب: ويتم بطريقة تسمح للقارئ ان يلم بقضية العمل المنقود واتجاهاته الاساسية مما يساعده على الخروج من النص النقدي بموقف وفكرة عن العمل المنقود ان لم يحفزانه للعودة اليه، فعلى الاقل قد وفرا له معرفة به.. اذ يتطور الموقف النقدي، بتلك الطريقة، شيئاً فشيئاً مع تطور التعريف بالعمل فينمو الالمام بالنص الابداعي والموقف النقدي معاً.. على النقيض من الكتابات (النقدية) التي تنقض على العمل باحكام دونما حيثيات او تطلق آراء في النص دون ان تمد المتلقي بتعريف به - ربما لانها تفترض ان النص يعرفه الجميع!! - وبذلك تترك القارئ كالأطرش بالزفة!
بل قد يعرف عبد الجبار بمبدع (شاعر او قاص) من خلال النص الابداعي فيمد المتلقي بمعرفة عن النص ومبدعه وظروفه اضافة للموقف النقدي.
فقد عرف بالشاعر حسين عبد اللطيف (الشاب وقتها) من خلال مجموعته "على الطرقات ارقب المارة" وعرف بالشاعر امل دنقل من خلال مجموعته "العهد الآتي".
فاذا تأملنا حصيلة قارئ لمنجز عبد الجبار وما فيه من تعريف بما اختاره من اعمال، وقد اشرنا لأمثلة منها، فانها في الحقيقة معرفة باعمال ابداعية ومواقف فكرية وفنية لكتاب وكتب كبار.. تمثل للقارئ زاداً ثقافياً وافراً وقاعدة متينة للانطلاق منها إلى عوالم أوسع.
2-تعريف بجماليات الجنس او النوع الادبي:
قصةً كان العمل المنقود ام شعراً، لا يكتفي عبد الجبار حين يتناوله بالكشف عن عناصره الابداعية الخاصة، بل لا بد من ان يحيل من خلالها إلى جماليات الجنس الذي ينتمي اليه العمل قياساً على كلاسيكياته، فيضع النص المنقود ضمن شبكة جماليات الجنس او النوع الادبي، ومن خلالها يضعه ضمن المدرسة الفنية التي ينهج النص الابداعي منهجها او حتى لتسود فيه عناصرها. وقد يقارن المبدع بمبدعين آخرين مقارنة فنية، او يقارن عمله الذي هو بصدده باعمال سابقة له للكشف عن التطور او النكوص في مسيرة المبدع الفنية.
وفي كل حال لا بد من ان تتكشف من خلال نقده للنص رسالته الفكرية وصلات النص ومبدعه بمحيطه وبمرحلته الاجتماعية. او حتى مجرد مساهمته في خدمة الفن الذي يبدع في منطقته الفنية.
ومن الطبيعي ان تزود تلك الاجراءات النقدية المتلقي بخبرة فنية ومعرفة بالتفاعل المتبادل بين المبدع والنص والمحيط. ولو توقفنا عند امثلة من دراساته وما اشتملت عليه من زاد ثقافي، وهو ما فعلناه في متن الدراسة، لرأيناكم من القضايا تشتمل عليه نصوصه النقدية، ولكننا هنا نكتفي بالاشارة فقط لبعض تلك الدراسات، كدراسته لسعدي يوسف "شاعر القصائد المرئية" ودراسته لاقاصيص ابو النجا ودراسته لفن يوسف ادريس القصصي من خلال مجموعة "لغة الآي آي" فتلك دراسات تحلل الابداع وتدرس التطور الفكري للمبدع وتصلهما بمجتمعهما. اما دراسته "الطبيعة في شعر الشابي" فنموذج لفن مبدع يؤثر بجماليات الفن الذي يعمل في دائرته لذا يدعو لاستيعاب درس الشابي في توظيف الطبيعة لاغناء فن الشعر.
وحتى حين يتناول نصاً يبتعد عن متطلباته الفنية - وقلما يفعل ذلك - فانه ينطلق من عثراته للتأكيد على اهمية الاصول الفنية للجنس الادبي، ويوضح كيف يمتد الخلل الفني في جسد النص تاركاً اثره السلبي على القدرة الايصالية للنص فحسب وانما على رؤيته الفكرية: وعلى موقعه من مرحلته الاجتماعية. ودراسته لرواية "ضباب في الظهيرة" لبرهان الخطيب مثل على ذلك.. اذ جاءت درساً في البناء الفني للرواية. ناهيك عن تناولها (أي الدراسة) لظاهرة حماس شباب القصة القصيرة لكتابة رواية (استكمالاً) لمجدهم القصصي!