شهرزاد تتلوى حكاياتها على شهريار وشمة يصوغ نشيد حريتها

علي عبد الأمير

تاريخ النشر       20/10/2009 06:00 AM


 
جاء افتتاح " سوق عكاظ" في " جبل القلعة" منسجما مع التوجهات الثقافية الرفيعة التي تأملها التظاهرة وينظمها منذ سنوات " مركز الشرق الأوسط" الأردني ، بل ان المكان كون حاضنة طبيعية لحكاية ما انفكت تشكل ملمحا شرقيا صرفا، حكاية شهرزاد وشهريار ، فقلب عمّان قريب ونابض بالحيوية مثلما الأعمدة الرومانية تشير الى حياة ضاربة بالقدم شهدها المكان ذاته وتلونت ارجاؤه باشكال من الإبداع والنشاط الإنساني.
العرض الذي حمل عنوان " شهرزاد" ومن انتاج دار الأوبرا المصرية يعتمد قراءة بصرية – حركية تولى وضعها وتنفيذها المصمم والمخرج اللبناني وليد عوني ، بينما كانت الموسيقى قراءة مشتركة بين صاحب العمل الأصلي الروسي ريمسكي كورساكوف وبين المؤلف الموسيقي والعازف العراقي البارع على العود نصير شمة .
المزج الفني في العرض اخذ اشكالا عدة : فهناك مزج الحركة الراقصة بالموسيقى ، ومزج الموسيقى الغربية بالموسيقى العربية والشرقية ، ومزج الباليه بالرقص التعبيري الحديث ، ومزج الأمكنة المتعددة بالأزمنة المختلفة ، وكل هذه العناصر جاءت بتوافق وانسجام اعتمد اصلا على فكرة اعادة " شهرزاد" الى جذورها الشرقية الأصلية وبقراءة من فنانين من المكان الطبيعي لحكايتها القائمة على فنون امرأة انتزعت حريتها وانقذت نساء كثيرات من لذة حاكم ( شهريار) ما كان ينام ليلته الا بعد ان يقضي وقتا مع امرأة ويقتلها .
 


                 مشهد من العرض قرب قلعة عمان (كاميرا علي عبد الأمير)
 
فكرة اضطهاد المرأة وبضمنها تضييق ملامح الحياة المتجسدة في حواء رمزا للتجدد والخصب والولادة ، اعطاها وليد عوني بعدا زمنيا وثقافيا ابعد من اطار الحكاية الأصلية ، فثمة رموز من بيئات وامكنة وازمنة متعددة ( ملامح اوروبية ، وشرق اسيوية وعربية ايضا من اوائل القرن الماضي) ، وكلما اشتدت ملامح القسوة ودلالاتها كلما انفتحت شهرزاد على اساليب قرينة بالأمل ومحرضة على الحرية، فهي وان كانت في احد المشاهد غزالة على وشك الوقوع فريسة رجل لايرحم ويقذفها بالسهام ، الا انها في مشاهد اخرى تحرض على الحياة ، بل تحلق نحو الأمل ، فهي تقف وفي ذراعا اليمنى جناح كبيرالى جانب شهريار وهو يضع جناحا في ذراعه اليسرى وليصبحا جسدا واحدا يحلق بجناحين الى فضاءات الحياة ، موقفة بذلك مسلسل الإضطهاد " الإسطوري" في جذوره القديمة و" الواقعي" حين يتجسد اسلوبا في قمع المرأة .
النسيج الموسيقي للعرض ، بدأه نصير شمة بعزف منفرد على العود جمع بين ميلوديات شرقية وتأملات في فضاء حكاية شهرزاد ، بينما طافت حوله امرأة متشحة بسواد وترفع  الى اعلى قلبا ذهبيا، كأنها تقول :هذا هو سلاحي.. المحبة، وانتظم ذلك النسيج الذي حاور العمل الأصلي لكورساكوف في مقطوعات من تأليف صاحب " قصة حب شرقية" وعزفتها فرقته " عيون" التي تضم مجموعة عازفين مصريين شبان بمهارات لافتة.
انغام شمة غرفت عميقا من ينابيع الوجدان العربي والشرقي ، غير انها لم تظل اسيرة النمط حتى ان التوزيع الآلي بدا محاورا جديا للعمل الموسيقي الأصلي الذي اعتمد الأوركسترا الصادحة بالاتها الموسيقية النحاسية .

 
 
والحان صاحب " حلم مريم" كانت لفرط رقتها وروحيتها وغنى تفاصيلها الصغيرة اقرب الى توصيف حال شهرزاد ، فيما بدت الألحان الضاجة بالقوة حد العنف والتي صاغها كورساكوف ، معبرة عن البطش الذي توجزه حال شهريار .
وفيما تمكن شمة من الإنتصار لإرادة الحياة في شهرزاد ، برع وليد عوني في تصاميمه لمشاهد جمعت في تنفيذها بين الباليه الكلاسيكي والرقص التعبيري الحديث ، ولولا نسائم "باردة" في المكان المفتوح للعرض، لجاء اداء الراقصين والراقصات اكثر تدفقا و" حرارة"  .
والشكل الذي جاء عليه العرض وجمع بين علامات الصوت ( الموسيقى) ودلالات الصورة ( المشاهد الراقصة والحركات التعبيرية) يبدو ناجحا لا في غناه الثقافي ولغته الفكرية الرفيعة ، بل في كونه نمطا من النتاج الثقافي العربي قادرا على توصيل رسالة الى مجتمعات في دول وثقافات عدة ، اذ يتجاوز حاجز اللغة الى مستويات من الإتصال تعتمد التأثير البصري والسمعي ، وهو ما نجحت فيه ثقافات كثيرة وصلت ، وعجزت عن تحقيقه الثقافة العربية ، ومن هنا تأتي اهمية مشاركة عرض" شهرزاد" في معرض فرانكفورت الدولي الشهر المقبل.
متابعة نقدية لعرض "شهرزاد" صيف 2004 في عمّان.


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM