قاسم عجام مستقبلا سمير قصير: مرحباً بك في مقبرة الحالمين

تاريخ النشر       20/10/2009 06:00 AM


علي عبد الأمير*
الآن لم أعد مرعوباً من أن أخي الذي اغتاله في ايار من العام الماضي خمسة من القتلة محاط بوحشة لم يعهدها من قبل، وحشة انه لا يجد أنيساً يتحدث اليه بجذل عن حلم يراه جديراً بالتضحية، حلم الحرية والعدل الذي افتتن به وراوغ من أجل الوصول اليه فخاخ القتلة ذاتهم الذين فتكوا بأنيسه الجديد، لكنه، كما سميرقصير، بدا في لحظة اكتشاف الصباح هشاً وغضاً حيال الرصاص.

الراحل قاسم عبد الامير عجام
 
الاثنان قتلا على مبعدة امتار من بيتيهما، وهما يخرجان الى صباح جديد من الأمل، وهما في انتظار ان ينجزا الكثير في فسحة الحرية التي حفرا من اجلها انفاقاً وافتتنا بالمعنى والحكاية" الحرية: تلك الكلمة الحلوة". الاثنان قتلا وهما في اول نسائم ربيع حر وطليق توهما أنهما وصلاه وان كانا بأنفاس منهكة. ها هو قاسم الذي آمنت بفكرته محرضاً على قيم الجمال والعدل والخير، يصل الى جسد سمير المفتت بشظايا وفيرة – كأن القتلة ارادوها بعدد المرات التي نال منهم بأفكاره المشعة بآمال الحرية – ليقارنها بجروحه هو فيضع يده على ثقب كبير في جبهته، يتمهل قليلا في اغفاءة سمير الجميل، اغفاءة لم يتوقف عندها صائدو غزلان الحرية في براري القمع العربية، اغفاءة من يضع رأسه بعد مشوار شاق ومضن.
 

الكاتب والصحافي اللبناني الراحل سمير قصير
 
يقرر قاسم ان يترك سميره قليلا ليهنأ باغفاءته فثمة وقت كثير سيتقاسمانه وثمة مواعيد حنين للوطن واشتياقات للاهل. وعلى عادة اخي في جمع ما تبدو "نقائض" في انسجام غريب، يجلس قاسم قريباً من رأس انيسه الغافي ويرتل بصوت خاشع صاف آيات تنشد للوسيم القتيل الراحة والسلام، متوقعا من سمير المسيحي، ان ينهض كي يرتلا معا مقطعا من قداس، وليكن افتراضا "قداس وحشة الغريب في ليلة غيابه الاولى".

من الآس والشمع الذي غطى قبره انزل قاسم ضمة اغصان وشمعتين، غير انه بدا جذلا ولحية سمير المشذبة تطلق موجة من عطر ما ان بدأ نهوضه من اغفاءته، ولم يستغرب قاسم تحية من سمير: توقعت ان اجدك هنا، كلانا غير مسموح له ان يفرح بفضاء حر،  اليد ذاتها قتلتنا كأنها تقول... هزمنا، لكننا لن ندعكم تفرحون بهزيمتنا.

الآن لم اعد قلقا من أن اخي القتيل يعاني وحشة لم يعهدها من قبل، الآن وقاسم ينغمس مع سمير في نقاش عميق حول ربط الحرية بالعدالة كي تصبح انسانية، عرفت لماذا يعيش ابناء الحرية طويلا، ولماذا تطير الفراشات من قبورهم، وتضوع قلوبهم عطرا، انهم كذلك لأن الله لن يترك دمهم النظيف، بل منه يبتكر الحياة.

*النص نشر في موقع "ايلاف" الاليكتروني وصحيفة"النهار"البيروتية التي كان الراحل سمير قصير احد ابرز اعلامها من الكتاب والصحافيين قبل ان يقتل في انفجار عبوة ناسفة امام بيته ووضعت تحت سيارته في حزيران 2005 .
والكتابة هنا ترسم لقاء متخيلا للكاتب قاسم عبد الاميرعجام مع سمير قصير في "مقبرة الحالمين".

 



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM