علي عبدالأمير عجام* لا يمكن لمتابع الوثائق الفوتوغرافية عن بغداد ومدن عراقية عدة في بدايات القرن الماضي إلا ويتوقف عند بطاقات بريدية تحمل توقيع ألكسندر. ج. زفوبودا التي تحمل إناقة التصوير والطباعة في وقت مبكر جداً على هذا النوع من النشر السياحي- الثقافي حتى على مستوى التجارب العالمية، لذا لا أتردد في وصف الرجل بكونه رائداً في مجاله، أي توثيق الملامح الجغرافية والاجتماعية لبلاد الرافدين في سنوات العقد الأول من القرن العشرين.
بطاقة بريدية من انتاج ألكسندر زفوبودا لجانب من نهر دجلة وبغداد
بطاقة بريدية تظهر صناعة تعليب التمور وتصديرها من البصرة
من هي عائلة زفوبودا؟ هي عائلة مسيحية من أصل أوروبي، عاشت في بغداد من النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى سنوات من القرن العشرين. اندمجت عائلة زفوبودا ضمن المجتمع الأوروبي والمحلي في بغداد التي كانت تشهد انفتاحا وتعدداً كوزموبوليتيا في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر بـ "تأثير التقاء العالمين الأوروبي والعثماني" بحسب وصف تاريخ العائلة كما يرد في موقع "مشروع مذكرات زفوبودا" على شبكة الانترنت.
بطاقة بريدية تظهر مشهدا بانوراميا لبغداد ودجلة
كان أنطون سفوبودا وزوجته إيفيمي جوزيف مرادجيان أول أفراد عائلة زفوبودا الذين عاشوا في بغداد. وُلِد أنطون في أوسييك (كرواتيا حاليًا) عام 1796، وكان مواطنًا في الإمبراطورية النمساوية المجرية وسافر من فيينا إلى بغداد عن طريق إسطنبول. أسس نفسه كتاجر زجاج، حيث كان يستورد الزجاج والكريستال من بوهيميا إلى بغداد، بينما كانت أوفيمي من عائلة تجارية أرمنية بارزة في إسطنبول. ربما كانت على صلة قرابة بعائلة موراجيا دوهسون في إسطنبول، وهي عائلة من الدبلوماسيين والمؤرخين العثمانيين الأرمن. تزوج أنطون وإيفيمي في بغداد في 12 فبراير 1825 وأنجبا أحد عشر طفلاً. ونجوا من الفيضانات والأوبئة العديدة التي طاردتهم المدينة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وكذلك الثورة التي أطاحت بالنظام المملوكي في بغداد عام 1831 من خلال العزلة داخل منزلهم لعدة أشهر بينما عصفت الاضطرابات الاجتماعية والسياسية بقية المدينة. نحو ربع بغداد شكله مجتمع صغير، ولكن مترابط بشكل وثيق، من المسيحيين العثمانيين والأوروبيين. عمل أنطون كممثل للمصالح السياسية النمساوية المجرية في بغداد. كما كان يحتفظ بعقار كبير في بغداد، والذي كان بمثابة نقطة توقف للمسافرين الأوروبيين العابرين.
جوزيف زفوبودا هو جوزيف ماتيا زفوبودا (17 تشرين الأول 1840 - 19 كانون الثاني 1908) الذي ولد في بغداد لأنطون سفوبودا وإيفيمي جوزيف مرادجيان. وحين كان شابا، عاش جوزيف لعدة سنوات في الهند، وخاصة في بومباي، مع شقيقه ألكسندر ساندور سفوبودا (1826-1896)، الذي استقر في عام 1858 في (إزمير) التركية وافتتح استوديو للتصوير الفوتوغرافي. عاد جوزيف إلى بغداد عام 1857 وبدأ العمل بعد عام واحد لصالح شركة الملاحة البخارية في نهري الفرات ودجلة، وهي ذراع لشركة "لينش براذرز" التجارية المملوكة لبريطانيا. بصفته ضابطًا على متن السفن البخارية التابعة للشركة، قام جوزيف برحلات منتظمة ذهابًا وإيابًا في نهر دجلة، حاملاً البضائع والركاب إلى موانئ مختلفة على طول النهر من بغداد إلى البصرة. خلال هذا الوقت، بدأ في الاحتفاظ بمذكرات شخصية باللغة الإنجليزية، محفوظة باسم يوميات سفوبودا في 49 دفترًا. احتفظ جوزيف بـ 61 مجلدًا من المذكرات حتى وفاته عام 1908، يشرح فيها تفاصيل حياته الشخصية وتجاربه على النهر، فضلاً عن الأحداث الاجتماعية والسياسية التي شهدها. وأما صاحبنا ألكسندر ريتشارد سفوبودا فهو صورة ألكسندر زفوبودا بعد تكبيرها وتعديلها حسب تقنيات الذكاء الاصطناعي
المولد ببغداد لجوزيف ماثيا سفوبودا وإليزا مارين سفوبودا (7 تموز 1878) وحين بلغ التاسعة عشرة من عمره، سافر عبر الشرق الأوسط وأوروبا بصحبة والديه، بالإضافة إلى القنصل البريطاني المنتهية ولايته العقيد إدوارد موكلر وحاشيته. لقد اتبعوا طريقًا غير مباشر من بغداد إلى القاهرة ثم إلى باريس في رحلة استغرقت ثلاثة أشهر ونصف. احتفظ ألكسندر بسجل يومي لهذه الرحلة باللغة العربية العراقية، المعروفة اليوم باسم مجلة سفر ألكسندر. صورة لصفحة من "مجلة سفر" ألكسندر زفوبودا
مكث في أوروبا ثلاث سنوات، تزوج خلالها من امرأة فرنسية تدعى ماري جوزفين ديريسبورغ. عند عودته إلى بغداد مع ماري في عام 1900، لكن والده جوزيف عارض الزواج فطلقت ماري زوجها وعادت إلى فرنسا. بدأ ألكسندر بتجارة الطوابع البريدية وتحول منها إلى إنتاج البطاقات البريدية وهو ميداننا الذي نحاول توثيقه وفحصة بنماذج من تلك البطاقات البريدية.
بطاقة بريدية لشارع القشلة ضمن منطقة جديد حسن باشا- بغداد
بطاقة بريدية توثق مبنى المدرسة العسكرية العثمانية المطلة على دجلة -بغداد
لم يفلح ألكسدر في تجارته تلك وفي عام 1929 غادر بغداد ساخطاً متوجهاً إلى إسطنبول، حيث تزوج مرة أخرى على ما يبدو ومات. لا نعرف حاليًا سوى القليل جدًا من تفاصيل حياته بخلاف رحلته الأوروبية ضمن "مجلة السفر"، التي كتبها وتتكون من 65 صفحة وتم نشرها لأول مرة على الإنترنت في عام 2011، ثم ككتاب مطبوع ثنائي اللغة بعنوان "من بغداد إلى باريس: 1897".
|