علي عبدالأمير عجام
س:أسهمت الحروب الكبرى في أوروبا وأميركا بخروج مدارس فنية كبيرة ما زال تأثيرها قائماً حتى الآن، كالدادائية والسريالية والهيبز والعدمية والوجودية، وغيرها الكثير.. في حين أن حروبنا الكثيرة لم تتمكن من تغيير الوعي الثقافي والخروج بمدارسنا الفنية الخاصة، كيف تقرأ هذه الظاهرة؟ ج:على الرغم من كون المدارس والاتجاهات الناهضة غربياً في فترات ما بعد الحروب ، هي مدارس أدبية وفنية على نحو ظاهر، إلا أنها تستند أصلاً على خلفيات فكرية ومعظمها ناقدة لأسباب تلك الحروب وقيمها، ورافضة لجنرالاتها وخطاباتهم المبررة للتوحش والتدمير، مثلما هي رافضة للقيم الثقافية والاجتماعية التي بررت تلك الحروب أو تطامنت معها، وتلك الروح الناقدة والرافضة تأتي من كون الثقافة الغربية نتاجا اجتماعيا مستقلاً ومحكوماً بنسبة كبيرة من الحرية. عراقياً، وعلى امتداد حروبه الخارجية والداخلية، كان الوضع معكوساً بالكامل، فالثقافة وبعد "تأميمها" من قبل الأنظمة "الثورية" و"الوطنية" صارت خادمة مطيعة لأنظمة الحروب والعنف الكلي وبالتالي فكل نتاجها متسق كلياً مع خطاب المعارك المقدسة ونيرانها والأعداء والمجد والعلياء دون أن ننسى "روح النصر". هذا، وبسبب تراكم التجربة، جعل الثقافة عاجزة كلياً عن أي نقد وأفقدها القدرة على اجتراح أي فكرة تنظر للراهن المدمر بغضب ناهيك عن عدم قدرتها على توليد أي حركة فنية وأدبية رافضة لقيم الحرب والدمار والعنف، ذلك أن تلك القيم ما انفكت مؤسسة للعراق المعاصر منذ عقود وما تزال. وثمة من يرى أذا كانت هذه هي الوقائع التي تحكم مثقفي العراق داخل البلاد فما بال من "تحرر" وعاش في خارجها؟ والحق أن هؤلاء ظلوا بمعظمهم أسيري الأفكار والعقائد السياسية الشمولية التي تعتبر الحروب وسياسات العنف ضرورات "وطنية" تارة و"ثورية" تارة أخرى!
*مساهمتي في حوار ثقافي أجراه الأستاذ صفاء ذياب لملحق "الصباح" الثقافي
|