علي عبدالأمير عجام*
قبيل صدور أسطوانته الاعجوبة الموسيقية كان فيلم E.T يكتسح صالات السينما في أميركا والعالم وفيه وضع مايكل جاكسون أغنية Somone In The Dark وهو ما عزز صورته كنجم موسيقي لا يضاهى، ولم تمض على بدء عرض الفيلم فترة طويلة حتى صدرت "ثريلر" ومنها بدأت الأغنيات تقفز إلى مقدمة الترتيب في لائحة أكثر الأغنيات مبيعاً. لم يتوقع مايكل جاكسون ان تكون اغنياته التي ضمتها اسطوانة "ثريللر" وجمعته مع الملحن والمنتج الموسيقي كوينسي جونز، أن تصبح ايقونة عصر البوب، بل الاسطوانة الأشهر في التاريخ، فهي التي باعت بعد سنوات قليلة نحو 100 مليون نسخة، فضلا عن سلسلة من الأرقام القياسية الاخرى: فللمرة الأولى في تاريخ التسجيلات الموسيقية تحرز سبع اغنيات ضمن اسطوانة واحدة، المرتبة الأولى في سباق الأغاني الأميركي، مثلما ظلت الاسطوانة هي الأكثر مبيعا لنحو 40 اسبوعاً متواصلا.
ضفاف تعبيرية جديدة تسع أغنيات تضمنتها اسطوانة "ثريللر" حملته إلى ضفاف جديدة من عالم النغم، لم يكن قد وطأها أحد قبله، ويكفي ان صناعة الاغنية المصورة بتقنية "فيديو كليب" ترسخت فنا اتصاليا جديدا عبر تصوير الاغنية التي منحت الاسطوانة عنوانها "ثريللر" والتي اخرجها جون لانديس بالاشتراك مع جاكسون ذاتها الذي كتب سيناريو قائما على فكرة الاثارة عبر استحضار الموتى "زومبيز" التي كانت سائدة في السينما تلك الايام مع فيلم بأكثر من جزء للراحل مصطفى العقاد. ومع فيديو الاغنية (نحو 14 دقيقة) اصبحت جملة "الصوت يجب ان يكون مرئيا" حقيقة واقعة، بل فرضت لونا فنيا صار اسلوبا مرافقا للغناء قائما بذاته.
في اغنيات الاسطوانة جال مايكل جاكسون بالصوت الغنائي، وصال بوضع الالحان وكتابة نصوص الاغنيات بالتعاون مع كوينسي جونز، وفضلا عن اغنياته المفردة، سجل مع احد رموز "بيتلز"، المغني بول ماكرتني، اغنية مشتركة "ذا غيرل از ماين" بفيديو كليب استعاد واحدة من حكايات الغرب الاميركي القديمة لكن دونما أسلحة، ولا خيول تصهل في برار موحشة انما عبر حكاية لطيفة عن "نصابين" يجولان على القرى البعيدة قصد بيع "العلاج السحري" النافع لكل علة والمحقق لكل رغبة باستعادة الشباب.
لحن ينتمي إلى المستقبل وقبل اصدار الاسطوانة، كانت اغنية "بيلي جين" صدرت منفردة، وصارت لفرط لحنها الايقاعي الجديد كليا والرقصة الخاصة " مون ووكر" لمايكل جاسكون التي اداها حين قدم الاغنية أول مرة في حفل شركة "موتاون" المتخصصة بموسيقى الاميركيين السود، وفي ذكرى تأسيسها الخامسة والعشرين، مفتاحا لنجاح مدو كان بانتظار الاسطوانة. النجاح الذي تعمق مع أغنية "بيت إت" التي ما انفكت الان تثير تساؤل من يسمعها وبعزف منفرد على الغيتار من العازف ايدي فان هيلين. انه لحن ينتمي إلى المستقبل، ولو اضفت إليه الفيديو الخاص بالاغنية، والاداء الراقص الاستثنائي لجاكسون مع مجموعة يمثلون " شبان عصابات الشوارع"، فانك ستجد لحنا شابا الى اليوم وسيظل هكذا حتى لعقود.
ليلة تاريخية مع "اوسكارات الموسيقى" وكان التتويج الرسمي لاسطوانة "ثريللر"، في امسية توزيع جوائز "غرامي" التي تعتبر بمصاف جائزة الاوسكار ولكن في الموسيقى هذه المرة، وفي آذار (مارس) العام 1983 رشح مايكل جاكسون لنيل 12 جائزة عن تسع اغنيات تضمنتها الاسطوانة، فضلا عن 3 اخرى من بينها افضل اسطوانة للعام، وافضل موسيقي، وافضل اغنية في فيلم سينمائي، "احدهم في الظلام " من فيلم "اي تي" للمخرج ستيفن سبلبيرغ. وطبع فن مايكل جاسكون، في حفل "غرامي" لذلك العام، ببصمة خاصة، فنال سبع جوائز عن الاسطوانة، احدها بصبحة كوينسي جونز "احسن اسطوانة " وثامنة عن اغنيته في الفيلم الشهير، فصار الحدث تتويجا رسميا للاسطوانة الاشهر في عالم الموسيقى المعاصرة، غير ان ما يبدو مثيرا للاسى، هو خروج احدى افضل اغنيات الاسطوانة، الا وهي اغنية " طبيعة انسانية" او "هويمان نيتشر" بخفي حنين، فلا هي فازت بجائزة عن لحنها او تصويرها الجديد تماما حينها، ولا وصلت الى المرتبة الاولى في المبيعات بحسب لائحة مجلة "بيلبورد" التي تعتبر مقياسا موثوقا به للنجاح. اليوم يمكن استعادة الاغنية، فنجد معها لمسة رقيقة ليس من السهل التعرف عليها في غناء اليوم، لا لحنها الهادىء وان امتزج بايقاع خفيف محبب، كأنه "الطبيعة الانسانية" في رقتها وحضورها الاسر، يمكن ان يتكرر الان، ولا الدفء في صوت مغنيها يمكن ان يتكرر في اغنية تالية، فضلا عن كون تصويرها الفيديوي، ذهب الى استخدام كان جديدا، ولم يعرف من قبل: تحويل الصورة الى "رسوم مائية" متحركة، بدت في حضورها الرقيق معادلا للتأثير الجميل للحن الاغنية وكلماتها. بعد سنوات قليلة على صدور "ثريللر" أصبحت الاسطوانة الأشهر في تاريخ الموسيقى واعترافا بجميل تأثير مايكل جاكسون في النغم المعاصر.
لمسات الثنائي جاكسون- جونز؟ أراد أن يكون الألبوم يحتوي على جميع أصناف الموسيقى، فاستدعى عازف الجيتار ومغني الروك ايدي فان هيلين ليعزف الجيتار في أغنية "بيت إت" التي كانت من كتابة جاكسون، فوافق ايدي على عرض كوينسي الذي لم يكن يريد أن تسمى أغنية "بيلي جين" بهذا الاسم الذي وضعه جاكسون، خوفاً أن يختلط الناس بالأغنية مع لاعبة الجولف بيلي جين كينج، لكن جاكسون أصر على الاسم. في الأغنية يرسم مايكل قصة عن فتاة تدعى "بيلي جين" ادعت أنه أب لطفلها، وأظهرت التحليلات أن الامرأة ماهي إلا معجبة مختلة عقلياً. جاكسون كان يصرخ في الأغنية ويقول "هذا الطفل ليس طفلي". الأسطوانة صدرت في عام 1982، فيما كانت أول أغنية فردية فيها The Girl Is Mine الأغنية كانت من كتابة جاكسون وغنّاها (دويتو) مع المغني البريطاني الشهير وعضو "البيتلز" بول ماكرتني. الأغنية احتلت المرتبة الثانية بترتيب الأغاني الأمريكية والمرتبة الثامنة بالمملكة المتحدة. الأغنية الثانية كانت "بيلي جين"، ووصلت إلى المرتبة الأولى بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ونالت لقب "البلاتينية"، أي أنها باعت مليون نسخة. مما ساعد على رفع مبيعات الأغنية والأسطوانة كلها، كان أداء جاكسون لها في احتفال "شركة موتاون" الخاص بمرور 25 سنة على تأسيسها، وتأديته ما باتت تعرف بـ "الماشي على القمر"، حين وصلت مبيعات الاسطوانة مليون نسخة في الأسبوع.
جاكسون وسياسة "أم تي في" العنصرية؟ حاولت الشركة المنتجة للأسطوانة CBS التقرب من محطة تلفزيون MTV المتخصصة بفيديوهات الغناء والموسيقى، وذلك من أجل عرض أغنيات جاكسون المصورة فيها، إلا أن المحطة رفضت ذلك، كونها تتبع سياسة عرض كليبات أغاني البيض حصراً، أي كان المغنون السود خارج دائرة العرض، إلا أن نجاح أغنية جاكسون "بيلي جين" أجبر المحطة على عرض الفيديو الخاص، ليصبح أول مغني أسود يظهر على قناة MTV تاركاً الباب خلفه مفتوحاً لزملائه وزميلاته من المغنيين والمغنيات السود، ليتغير نهج القناة "العنصري" فعلياً على مايكل جاكسون. الأغنية التي منحت الأسطوانة عنوانها أي "ثريلر"، لم تتمكن من احتلال المرتبة الأولى بل اكتفت بالرابعة، وفي معالجتها الفيديوية أراد جاكسون أن تكون فيلماً قصيراً، فاختار جون لانديس لإخراجها على امتداد 13 دقيقة مما جعلها حدثاً في عالم الموسيقى، بل غيّرت مجرى تصوير الأغنيات وإلى الأبد، فصدرت كشريط فيديو صار الأكثر مبيعاً في العالم. في عام 1984 دخل جاكسون موسوعة جينيس كصاحب أكثر أسطوانة مبيعاً بالتاريخ وفي العام ذاته تم استقباله من قبل الرئيس الأميركي رونالد ريغان في البيت الأبيض لتبرعه بعوائد أغنية " Beat It " للحكومة الأمريكية في إطار محاربة "قيادة العجلات تحت تأثير الكحول".
*من كتابي "فصول في الموسيقى العالمية المعاصرة- قراءة بغدادية للغناء الغربي في الثمانينيات" طبعة ورقية 1990 وطبعة جديدة رقمية 2022. |