علي عبد الامير عجام*
في مثل سعيه الدائم إلى عمل دؤوب في هدوء تام، سعى العازف والمؤلف الموسيقي حسين قدوري إلى أن يكون رحيله في ساعة هدوء على رغم الصخب الذي يضرب بلاده، فرحل عن الحياة في يوم منع تجول السبت الماضي الذي سبق يوم الانتخابات. سبعون عاماً قضى الراحل قدوري أكثر من ثلثيها منكباً على التأليف الموسيقي والعزف والبحث النادر في أنغام الذاكرة الشعبية وما اختزنته ترانيم الأمهات والعاب الأطفال، فكان من جيل البناة النادرين في الثقافة العراقية. درس الموسيقى في معهد الفنون الجميلة، وفي العام 1967 اصبح رئيساً للفرقة الموسيقية في"دار الإذاعة والتلفزيون». ومن موقعه البارز والمؤثر، تمكن من شق طريق فريد متمثل بتثقيف موسيقي من نوع خاص، فوضع نحو ألف نغم للأطفال، ارتكزت مئات منها على الموروث الشعبي المنثور في إيقاع الحارات وفناءات البيوت. اخذ بنيتها النغمية ووضعها في إطار موسيقي علمي. كما انكب على حفظ ترانيم الأمهات ودراستها وتصنيفها، من دون أن ينسى تأسيس أول فرقة موسيقية للأطفال.
علي عبدالأمير عجام مع الأستاذ القدير حسين قدوري- مؤتمر الموسيقى العربية في الجزائر 2000
وواصل قدوري تحصيل المزيد من المعرفة الأكاديمية الموسيقية، فذهب إلى العاصمة الهنغارية للدراسة في"أكاديمية فرانز ليست"و»معهد العلوم الموسيقية"في الفترة الممتدة بين 1973 و1975. عاد بعدها إلى العراق ليعلم في معهد الفنون الجميلة ثم اصبح رئيساً لقسم الموسيقى في المعهد الذي أسسه عام 1934 أبو الموسيقى العراقية المعاصرة الشريف محيي الدين حيدر. وعرفاناً بجهده البارز في حفظ الموسيقى الشعبية وألوانها، رشحته"دائرة الفنون الموسيقية"مديراً للمركز الدولي للدراسات الموسيقى التقليدية، فضلاً عن مهماته مديراً لـ»معهد الدراسات الموسيقية"في بغداد، وعمله عضواً في"لجنة الدراسات التاريخية"التابعة لـ»المجمع العربي للموسيقى». انتدب خبيراً وباحثاً موسيقياً في"مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية"في قطر، وأنجز هناك مسحاً ميدانياً شمل معظم دول الخليج العربية جمع فيه أغاني الأطفال الشعبية الخليجية ولعبهم. ووضع مؤلفات مهمة، منها:"لعب وأغاني الأطفال الشعبية في العراق"ثلاثة أجزاء،"غناء الأم العراقية لطفلها»،"التعليم في الكتاتيب العراقية»،"الموسوعة الموسيقية للأطفال"و»التربية الموسيقية للأطفال». تجدر الإشارة إلى أن قدوري عازف بارع على التشيلو في ابرز الفرق الموسيقية، وفي مقدمتها"الفرقة السمفونية الوطنية العراقية"التي عزفت من أعماله خمسة و»فرقة خماسي الفنون الجميلة». كما ألف موسيقى للكثير من المسرحيات ومسلسلات الرسوم المتحركة والبرامج التلفزيونية والمهرجانات التي اهتمت بثقافة الطفل.
*نشرت في "الحياة" بعد رحيل الأستاذ قدوري 2005
|