علي عبد الأمير
يكتب الروائي والكاتب العراقي المقيم في أسبانيا لابنته رسالةً، يخبرها فيها عن قيمة الإندماج الاجتماعي والقراءة، وكذلك خطر الإسهاب في الكلام، بمقابل عبقرية الصمت. يبدأ صاحب "الفتيت المبعثر " رسالته التي نشرها في صحيفة "ألباييس" الإسبانية الشهيرة بالقول: "عزيزي سارة: أنا قلق من صمتك، لكنه يبعث في نفسي الهدوء أيضاً. أعرف أنك في بداية شبابك، عندما كنت تشعرين بالخجل أو حتى محرجة بالحرج بعض الشيء، لا تعرفين ماذا تريدين بالضبط، ومن ناحية أخرى لديك شعور معين أنك والعالم الوحيدان في الكون: إثنان يتنافسان، حيث تحاولين تغيير الآخر حسب رغبتك".
الرملي لأبنته: كوني فخورة بأصولك العراقية والإسبانية
ويضيف صاحبة رواية "حدائق الرئيس" موجّهاً حديثة إلى إبنته "أنا قلق بشأن صمتك، لأنني أريد أن أصغي إليك. وقال أجدادنا الحكماء: "تحدث لرؤيتك"، وأنا أريد أن أراك في أي وقت، وكنت انظر لنفسي واستمع لها أيضا. أنا أقول لك، على سبيل المثال، لديك ما تفخرين به: أن يكون دمك مختلطاً مثلما تتعدد فيك الثقافات واللغات والجنسيات: الإسبانية، العراقية والألمانية، وكان من دواعي سروري أن نعرف أن معظم أصدقائك وزملائك في المدرسة هم من الأصول الهجينة. كما أريد منك أن تعلمي أخوك الصغير مراد (MuMu) كيف يكون فخوراً بمزيجه الإسباني والمصري والعراقي". ويتساءل الكاتب العراقي الحاصل على شهادة الدكتوراه في الأدب "لم لم أعرف هذه الثروة والحظ من الأصول غير المتجانسة حتى جئت الى إسبانيا منذ أكثر من 20 عاما، لأنه قبل ذلك علمنا أن الانتماء هو للأمة الواحدة، والبلد أو اللغة أو الدين الواحد، وكل شيء هناك واحد موحّد، والقوات الوطنية يتم تلخيصها في رمز دكتاتوري ظالم".
عن "لوركا العراقي" وينقل الكاتب الرملي، حديثه لأبنته نحو المسار الإنساني العميق الذي مثّله شقيقه الكاتب الذي أعدمه نظام صدام حسين "كان عمك حسن المطلك، أحد أشقائي الأكبر سناً والذي كان يحب القراءة والكتابة والرسم، مدركاً تماماً لذلك (الانفتاح). وكان أول من نصحي بالانفتاح على الثقافات الأخرى، لقراءة "دون كيشوت"، على سبيل المثال، ويقول لي ما قال دون كيشوت لسانشو: "الحرية، يا محسن، هي واحدة من أثمن الهدايا التي أعطتها السماوات للإنسان. الكنوز التي تحتوي عليها الأرض والبحر لا يمكن أن تكون مساوية للعمل من أجل الحرية، وكذلك من أجل الشرف، فإن الحياة يمكن ويجب أن يتم المغامرة بها ". حتى إنه غامر بحياته، وواجه الديكتاتور الطاغية، وأعدم في الساعة السابعة مساء يوم 18 تموز/يوليو 1990، وهو الذي كان الكاتب الحديث، الرسام والشاعر والمثقفون العراقيون يعتبرونه لوركا العراق". ويواصل صاحب "تمر الأصابع" رسالته لابنته بالقول "أريد أن أتحدث معك كثيراً عنه، عن والدي الذي علّمه القراءة والكتابة، عن أمي التي حلمت برؤيتك قبل أن تموت. من خبرتي القسرية في الحرب كعسكري في كتيبة دبابات. وكم من القراءة والصبر والتسامح والاحلام خدمتني. أريد منك التوقف عن النظر إلى كل من الهاتف وإلقاء نظرة حولك، لقراءة المزيد من الكتب، فأنا قرأت حتى داخل الملجأ، تحت القصف. لقد أنقذت القراءة حياتي، وأعطتني الثقة في أحلامي وفي نفسي، أعطتني الطعام أيضاً، لأن الثقافة تعطي الطعام، في حين أن الطعام لا يعطي الثقافة". ويخلص الرملي إلى القول "أنا مطمئن من صمتكم لأن الحكماء القدماء قالوا لنا "إذا كان الكلام من فضة، فالصمت من ذهب" ، والحياة علمتني أن الكثير من مشكلات الناس ناتجة عن الكلام الكثير، فالصمت هو واحد من أفضل الحيل أو وسائل الخلاص في المواقف الخطيرة. كثير مما أريد أن أخبرك به هو في كتبي وفي الكتب الأخرى. في كل واحد منها، هناك شيء أردت أن أخبرك به. لذا، من فضلك، إذا كنت لا تريدين التحدث معي كثيراً، لا تتوقفي عن القراءة على الأقل. أنت تعرفين كم أحبك ، ولكن ما لا تعرفيه هو أنك أفضل بكثير من ابنتي التي حلمت بها في حياتي كلها".
|